الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تفاهات العقل المتخلف وثقافة القطيع

رشيد قويدر

2007 / 9 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ورد في المأثور العربي: "خصلتان كبيرتان في امرئ السوء: شدة السبّ، وكثرة اللطم"، وصاحب السوء في خصلتيه لا يناقش بالمنطق والعقل، فهما في غياب، ولكل مقامٍ مقال، ولكل مكان مواقف ومفردات، والسبّاب اليوم يقفز إلى المقدمة دون حرج للظهور في الصدارة، بعد سبات شتوي مديد من عام 1948 – 1988، ولم يلق اصحابه حجراً على الاحتلال والعدو الصهيوني، وتحالف ضد الشعب وحركته الوطنية مع الأنظمة اليمينية الاستبدادية العربية، ومنأى عن الاختبارات التاريخية الصعبة والحرجة، التي عصفت بالثورة الفلسطينية في تاريخها، عائداً بعد تراجعها وحصارها، بعد أن كان أحد أسافين البنيان العربي الرسمي الذي أوصلنا إلى ما وصلنا، وبعد أن طالت أقدار الناس في فلسطين تغييرات بنيوية سياسية ـ اجتماعية عميقة، عائداً على ما تخرب في الحياة السياسية وفي نسيج المجتمع، وقواه وتجلياته الفكرية، ها هو يدأب على التدافع مثل كرة القدم من مرمى إلى آخر، قافزاً في هذه "الكسيرة" من السبّاب، ولا يعني ذلك عدم الرد عليه، نزوعاً لمواجهة الخراب والتآكل وبمنأى عن السبّ، فهو تحقير وشل لطاقة الإنسان الفلسطيني وقدرته على الحوار، وعلى المقاومة واستخدام العقل، وقدرته على الصمود وعلى كوامنه الإنسانية. وفي مواجهة محاولات إعادة الاعتبار للسياسي والفكري، ورفع معايير "أولي الأمر" وحاجاتهم لأمثال هؤلاء، يعلو اعتقاد الشتام أن هذا "المنهج" سيشجع على ازدياد الطلب عليه.
مناسبة هذه المقدمة، هو ما ورد يوم 2/9/2007 على موقع "وكالة قدس نت للأنباء" من سباب بقلم د. صادق الأمين، وتحت عنوان "فصائل اليسار سباق نحو موسوعة غينيس من بوابة بيانات الاستنكار"، تخللها سرد ومفردات "فصائل لفظها الناس، لفظها الشارع، أحد قادة هذه الفصائل مثيراً للسخرية، القوى الكرتونية، الفصائل الكرتونية، الهذيان ... الخ"، لغة تقريرية إقصائية شتامية والفلسطينيون في عين الجائحة، ويطوي اليسار الأجنحة على الجراح، سجاياه بالدعوة للسبّاب بالعقل والصلاح، وهي سجايا القدوة المحمدية والصادق الأمين، الذي سرق منه الصفة؛ الشتام كاتب المقال.
في ثقافة الخوف والانكسار، يعلو شأن القناع الأسود، وحتى سرقة "الصادق الأمين" بدءاً بالكذب على الذات، مع ذرابة لسان بحمى الهيجان انعكاساً لمراحل انكساره، فالقناع ضروري للتستر على خفايا السقطات، لكن السبّاب لم يترك وسيلة ولا خياراً ولا باباً حتى استباح نفسه دون تحفظ، فهو يخشى الانكشاف، مشوّه القامة مثلما أشباه الرجال، متولهاً بالأماكن العالية، التي يرى ذاته فيها متألقاً، متوهماً أن خطواته ترسخت في "سكة السلامة"، فاستباح حتى صفة القدوة المحمدية "الصادق الأمين" اسماً له، يوقع به المقالة، فيا للعجب العجاب! الحد الذي وصلت له السرقة من قبل هذا "المطوِّع"، وقد تعلم "فقه الإسلام في عشرة أيام" يكتب لنا "تعويذة محبة" في ثقافة الخوف والاستراق وثقافة القطيع ـ والقطيع بحسب العرب طائفة من الغنم، والنِعَمْ من (10 ـ 40)، وقيل من (15 ـ 25) ـ أية مروءة سفكت، وأي زاحفة دخلت في الدغل، ولم تذهب إلى بساتين الفكر وجنائن الأفكار، وجنات الآداب والموعظة الحسنة.
يقول عبد الله بن المقفع في كرم الرفقة "إن اخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا، فهو زينة في الرخاء، وعدة في البلاء"، لكن أشباه الرجال الذين ينكرون ذاتهم "هُمْ لا في العير ولا في النفير". هؤلاء المتدافعون الآن في الجائحة الفلسطينية ولا يحملون كلمة سواء، هو ذاتهم من سلالة ندماء الملوك وبطانتهم، يأخذون من الليبرالية المال، ويرفضونها غريزياً ابتداءً وانتهاءً، ومن السياسة الانغلاق على الذات، وتضييق الخيارات دون مبرر، تناقضاً صارخاً في تطور المنطق العلمي. وحدهم مَنْ يجعل القانون حمّال أوجه، بسبب بعض المكونات لرؤيا العالم الرجعية، ومنها استخدام العنف ثم التفكير، بين "الشورى" والديمقراطية، وإن لم يكن فلتؤخذ البيعة بشفار السيوف، فالشورى مصدرها إلهي، أما الديمقراطية فمصدرها وضعي، والنتيجة الوسيلة بالاثنتين واللعب بهما حسب الضرورة، بعد أن وقع التطور، ودون غياب شفار السيوف.
والفارق بين اخوان الصدق واخوان السبّاب، هو أن الأخيرين هم اليوم رجال المصارف، وأقطاب وكالات الشركات العابرة للقارات، حين يكون المال ديناً، كما يقول فولتير عن هؤلاء "الجميع أمام المال من دين واحد"، التنافس غير الشريف، المؤامرات، المافيات وشفار السيوف وصولاً إلى الحروب، ولنا بأخوانه في العراق مثالاً، حين دُبجت المعلقات في مديح بريمر، وفي دمج السلطة بالثروة في جانبها الفاسد، يا سبحان الله! ...
لا أحد يحتاج إلى سراج ديوجين لتتبع كل هذا الذي يمكن سرده تفصيلاً وأرقاماً، ونعفُّ عن نكأ الجراح، إلا إذا اضطررنا لذلك بمصداقية وشفافية، وكما تعلم فـ "الشيطان يكمن بالتفاصيل" لا بالشعارات وديباجتها فقط.
مثالنا: وأنعم بالصادق الأمين الرسول العربي الكريم في كماله الإنساني، و"الصدق منجاة"، ومن أهم عتاد الكاتب الذي يحترم العقول والقراء، أن يراجع كلماته قبل أن تخرج للناس في وسائل الإعلام، لأن الكلمة رسالة، وبستان متعدد الأطياف والمنابت، وحمى الله الإنسان خليقته من العقل المتخلف، وهي بلاء الأمة والمسؤول الأول عما يجري فيها، في تضاعيف وقعها في فلسطين، حيث تكون ـ فلسطين، القضية ـ هي ذاتها، ومصيرها على المحك.
ألا ترى يا أخا العرب، أنك اتخذت مكاناً قصيّاً، تمارس فيه "طقوسك" بعيداً عن الذين يمتلكون القدرة على كشف المسكوت عنه، ويقدرون أن يعلنوا للملأ عن الموغلين في شعوذتهم، ويغشون عيون الفقراء، ويلبسون ثياباً صوفية كي يظهروا في زهدٍ من مال السلطة. الفقراء الذين لا يحق لهم أن يحلموا بعالم آخر تختفي به الطبقات، أو بخبزنا كفاف يومنا كي لا يتمردوا على ظلمة تتسلط، أو حاشية تصنع طاغية، بدلاً من فجر الحرية والاستقلال في وطن يمور بأرض الثورات، طالما أن سلخ الجلود ليس بالسياط وحدها وهذا أرحم، بل بسياط الفقر، هكذا تدور اللعبة تحت الاحتلال، ثم تدور الدوائر في سلطة الذبح اليومي، فهل كما تقول: "من الواضح أن فصائل لفظها الناس، ولم تعد تسجل حضوراً إلى في مخيلات أصحابها الذين لا يزالون يعيشون في ربيع الزمن الغابر يوم إن كان لهم صولة وجولة ... فيصدرون البيانات ويقررون باسم الشعب والأغلبية (...) لإشباع شهوة البروز والشهرة عند قادتها الذين لفظهم الشارع"(!) أطربتني وهيجت قلبي الثمل ...
بعد بيات شتوي قطبي يصيح الديك الفصيح طوال النهار لا في الفجر، ونسأله كما سأل العرب عائداً لهم من قافلة من أحد الأمصار "ماذا رأيت يا أخا العرب ؟! فقال: لم أرَ شيئاً لأنني لزمت مبيت القافلة".
لتكن الكلمة رسالة في الإباء والعزة والوحدة الوطنية والمروءة والشهامة والعدل، لا تعميق الصراع الداخلي الذي سيكتشف دعاته أن القطار قد فاتهم، وأن التاريخ قد هزء بهم، الغرور قاتل، ندعو الجميع إلى العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني وثيقة القوى الاسيرة الخمسة (فتح، ديمقراطية، شعبية، حماس، جهاد)، لأن الشعب لن يقبل بدوام الحال الشاذة، نحو الإصلاح الشامل المنقذ الوحيد للأخطاء والانحرافات والمآسي، عبر المصداقية والشفافية، واستبعاد تديين السياسة وتسييس الدين، والسلطة عن الثروة و"وسائلها"، والدعوة مفتوحة لمن أراد الخير للأمة، بكلمة سواء، لنقول بعدها "هكذا تورد الإبل".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواهب غير مفيدة للمجتمع ???? مع بدر صالح


.. تونس : لماذا كل هذه الفيود على الحريات؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. بعد حرب غزة.. هل ستفوز حماس إذا أجريت انتخابات؟ شاهد كيف رد


.. بسبب التصعيد الإسرائيلي في رفح.. تزايد حدة التوتر بين القاهر




.. أمير الكويت يصدر مرسوما أميريا بتشكيل الحكومة الجديدة | #راد