الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة العربية الممسوخة بين ازدواجية الخطاب والسلوك

بوعبيد عبد اللطيف

2007 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أنطلق من إشكال جوهري لماذا الفكر الحداثي لم ينتشر في العالم العربي بينما الفكر الديني السلفي يكتسح جماهير شاسعة ؟
تعددت أسباب نكسة الفكر الحداثي في العالم العربي والتي عبرت عنها ولسنوات عديدة ومند النهضة العربية مجموعة من التيارات الفكرية والسياسية و رغم أن هذه التيارات كانت تعانق لفترة تطلعات الجماهير وتصبو للتغيير لكنها لم تصمد طويلا أمام مجموع الإكراهات التي فرضت عليها, كالحكومات العربية التي أجهضت جميع تلك المشاريع الفكرية النهضوية بتكريس الهاجس الأمني بدلا من تكريس الديمقراطية وكذلك تنامي التيارات الإسلامية التي أصبح خطابها يتناغم مع عقليات القواعد الشعبية المتطلعة للتغيير لكون هذه القواعد لم تستوعب الخطاب الحداثي لأسباب عدة منها أننا عندما نقلنا التقنيات الحديثة لم ننقل معها الفكر الذي أنتجها الشيء الذي وضع مسألة الهوية والخصوصيات الثقافية موضع التساؤل لدى المواطن العادي الذي لم يجد إجابات شافية إلا ضمن الخطاب السلفي الذي يتلقاه بشكل تلقائي نظرا للتنشئة الاجتماعية . الطرح الذي سأحاول أن أوضحه ضمن هذا المقال وهو كون أن الفكر الحداثي بشكل عام ليس لديه فقط أعداء من الخارج كما يعتبر العديد من المفكرين بل لديه أعداءه من داخله وهم مجموعة من الأفراد يدعون الحداثة والعلمانية وحرية الفكر والعقلانية وما إلى ذلك من النعوت التي يصفون بها أنفسهم بينما لازالوا يعكسون مجموعة من السلوكيات الذي لا تمث للحداثة أو العقلانية التي يتبجحون بها بشيء, فتراهم من جهة يدافعون عن حقوق المرأة على مستوى الخطاب لكن على مستوى السلوك لازالوا يكرسون الهيمنة الذكورية والوصاية على زوجاتهم وأخواتهم, أو يطالبون بتطبيق الديمقراطية بينما عند ممارستهم للسلطة فهم أول من ينتهك تلك الديمقراطية وهذا أمر عادي جدا لطبيعة التنشئة الإجتماعية المزدوجة بين خطاب ديني موروث وخطاب حداثي لا زال لم يستوعب جيدا أو يناشدون بحرية الاعتقاد ولا يتوانون عن التهجم المجاني والتافه على الدين لأنهم لا يميزون بين الدين والتدين أو بين السلوكيات الدينية والاعتقاد الديني؛ مجموع هذه الخصوصيات لبعض المتعلمنين تعيد الصراع الفكري التاريخي بين من الأقوى في التأثير الفرد أو الجماعة؟.
إن مطالبة محمد أركون المهمة جدا والتنويرية بتطبيق التحليل الهيرمونيطيقي على النصوص القرآنية والتي لم تجد صداها وللأسف في العالم العربي الإسلامي للأسباب التي أشرت لها أعلاه هي دليل على الفكر الحداثي العلماني المتنور الذي لم يستوعبه إلى جانب التيارات الإسلامية أولئك الذين ألقبهم بالمتعلمنون الجدد أعداء الحداثة من الداخل لكونهم يعتقدون أن العلمانية والعقلانية أو الحداثة بشكل عام هو اقتباس بعض النظريات الغربية وتطبيقها وتحويرها خطابيا بالتعرض بالنقد المجاني الذي لا يستحضر مجموعة من المتغيرات كالمتغير التاريخي أو الاجتماعي أو النفسي لأفراد, خاصة التعرض إلى الأديان بدون احترام معتقدات الآخر رغم أنهم يجهرون ويطالبون هم أنفسهم بحرية الاعتقاد ويطالبون الآخر بتبني ذلك التصور وبذلك يمارسون نوعا من التناقض بين خطاب يتبنونه, تلقوه ولم يستوعبوه بشكل كلي وشامل؛ لم يرقى لديهم إلى مستوى ثقافة سلوكية في حياتهم اليومية وبين سلوك تقليدي يفرضه انتمائهم إلى جماعة لها تصورات خاصة مغايرة, فلا غرابة إذن أن نجد أفراد يناشدون بالعقلانية ويمارسون عكسها هؤلاء المتعلمنون أعداء العلمانية تجدهم لدى اقتباسهم تلك الأفكار يتعالون على المجتمع كأنهم امتلكوا الحقيقة القطعية وأن المتدينين متخلفون وجاهلون, يؤكد اركون نفسه أن خطابه لم يستوعب من طرف الأفراد الدين يدعون أنهم علمانيين كمثال في حديثه عن الخطاب القصصي للقرآن والذي تمت ترجمته إلى الخطاب الأسطوري للقرآن رغم أن الترجمة الحرفية لنصه بالفرنسية يحيل مباشرة إلى الأسطورة وليس القصص, إن النقد ضرورة لا بد منها لكن ليس كما يتبنونه أولئك المتعلمنون الذين يشوهون الحداثة والفكر العلماني أو العقلاني بسلوكياتهم. إن الهدف الأساسي من جميع عمليات النقد الحداثي للأديان هو جعل السلوك الديني وحرية الاعتقاد مسألة فردية تخص الفرد وحده وعلاقته بما يعتقد به.
إن النقد المتطرف لنفي الآخر باسم الحداثة و العلمانية و العقلانية وحرية الفكر لا يعدو أن يكون انعكاس للوجه الآخر للتطرف الديني الذي نحاول محاربته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع


.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية




.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا


.. 161-Al-Baqarah




.. 162--Al-Baqarah