الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنبوذون ..؟

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

2007 / 9 / 10
التربية والتعليم والبحث العلمي


استوقفني خبر هذا الأسبوع مفاده : أن مجلس الوزراء الفلسطيني قرر صرف مليون دولار للطلبة المتفوقين في الثانوية العامة لتغطية رسوم تعليمهم في الجامعات المحلية ... شيء جيد وممتاز الاهتمام بهذه الفئة وتشجيعها على التفوق والتقدم دائما في طريقهم العلمي وقد نحتاج إلى مزيد من الدعم والتشجيع لأبنائنا كي يكونوا في الصف الأول ويشاركوا باقي الأمم في التقدم والحضارة ليسطروا بطولات في المستويات العلمية ..! الفئة المتفوقة تجد الكثير من المؤسسات والأفراد لدعمها وتشجيعها دائما .. الأحزاب السياسية تكرم المتفوقين ، الجمعيات الأهلية تقيم الاحتفالات وتكرم المتفوقين ، جامعة فلسطين تقيم احتفالا لتكريم أوائل الطلبة .. الصحف المحلية تمتلئ بالتهاني للأوائل من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ..؟ هذا ما تعودنا أن نراه ونلمسه في مجتمعنا وربما في كل مجتمعات العالم الثالث أيضا .. لكن لا أحد يهتم بالفئة المتأخرة من أبنائنا وهي الأخطر والتي تحتاج إلى رعاية أكبر ومؤسسات أكثر تحتضنها وتؤهلها كي لا تكون عالة على الدولة والمجتمع في نفس الوقت ، وما حالة شعبنا الفلسطيني في الظروف الراهنة التي نعاني منها إلا مؤشرا خطيرا لمراجعة حساباتنا وإعادة أولوياتنا في تربية وتأهيل أبنائنا الذين يكونوا دائما ضحايا لظروف نعرفها جميعا .. سواء الاحتلال أم النزاعات الداخلية وأثرها على التعليم ومجالات الحياة الأخرى ..؟
المتأخر في دراسته يسمونه ( راسب ) وفي العامية الفلسطينية ( ساقط ) كلمتان تقعان وقع الصدمة على السامع ووقع المطرقة على الأطفال المتأخرين في دراستهم ، وكلمة ( ساقط ) أصبحت تطلق على العميل والخائن والمنحرف وغيرهم .. من هذه اللحظة يصبح الطفل أو الشاب منبوذا من أترابه أولا ومن عائلته ثانيا ومن مجتمعه ثالثا ، لا أحد يرفع من معنوياته أو يعطيه إرشادات تساعده للمستقبل .. مدارس وكالة الغوث الدولية في غزة عملت من مدارسها في خلال الإجازة السابقة مراكز لإيواء هذه الفئة من الطلاب للتخفيف من الصدمة ومحاولة علاج ما يمكن علاجه .. خطوة جديرة بالاحترام والتقدير على هذا الصعيد ، ولن أناقش البرنامج الذي طبقته على الطلبة لأنني لا أعرف أية تفاصيل عنه ، لكن يكفي أنها قامت بخطوة أو خطوات في الاتجاه الصحيح .. نعود إلى الطالب المتأخر في دراسته حيث تشكل مفهوما خاطئا على مدى عمر طويل وتراكم هذا المفهوم في المجتمع والمدرسة لدى عامة الناس ولدى التربويين أيضا وهذا ناتج عن مفهوم الامتحان الذي نقوم به في مدارسنا منذ زمن طويل حيث نقوم بعمل امتحانات لاختيار الصفوة من أبنائنا ونقلهم إلى صفوف أو مرحلة أعلى ، ولا نجعل من الامتحان موقفا تعليميا للطالب من جهة وتقييما شاملا للعملية التعليمية للمدرسة وخططها وبرامجها من جهة أخرى ..؟
لقد غير التربويون الفلسطينيون المنهاج القديم بما يتلاءم والمرحلة التي نعيش سواء من الناحية السياسية أو الناحية التكنولوجية والاقتصادية وغيرها .. لكنهم لم يغيروا المفاهيم الخاطئة التي رسخت في عقول الناس والعاملين في التربية فترة طويلة من الزمن .. إن ذلك لا يحتاج لكثير من الجهد سوى تغيير بعض الإجراءات الأولية مثل خانة التقييم في كل شهادة طالب أولا بدلا من راسب وناجح إلى متأخر عن الدراسة ومترفع .. ومن ثم تغيير مفاهيمنا عن الامتحانات ونوعيتها والاهتمام أكثر بمن يتأخر عن الدراسة ، ومثلما رصدت حكومتنا مبلغ المليون دولار كرسوم جامعات يمكنها أن ترصد مبلغا مضاعفا لعمل برامج علاجية في الإجازة السنوية لهذه الفئة المحرومة في الغالب من أشياء كثيرة .. ليس لدينا دراسات عن حالات المتفوقين وظروفهم المعيشية ، لكن في الغالب يكون هؤلاء من أبناء أناس أثرياء ويتوفر لهم كثيرا من الإمكانيات المادية والنفسية والثقافية مما يسهل لهم عملية تعلمهم وتفوقهم بشكل عال ، وقليل من هؤلاء هم من شرائح مجتمعية متوسطة أو مسحوقة ... أما فئة المتأخرين عن الدراسة فأكثرهم ينتمي إلى شرائح اجتماعية ضعيفة ماديا واقتصاديا وثقافيا مما له بالغ الأثر في تأخر هؤلاء في دراستهم وتحصيلهم المعرفي .. إذن ما ذنب هؤلاء لأن يكونوا منبوذون في المجتمع ؟؟ وفي الغالب يذهب معظم هؤلاء ليعوضوا هذا الخلل للالتحاق بالتنظيمات واستغلالهم أبشع استغلال ليكونوا الأداة الرئيسية لقوة هذا التنظيم أو ذاك ؟ أعرف شاب تأخر في دراسته عدة مرات وانحرف ليصبح لصا محترفا ، وعندما كان يتعرض للخوف والإمساك به كان يهرب ليحتمي في ثكنة عسكرية لإحدى التنظيمات ..! هذه قصة من آلاف القصص المشابهة التي أعرفها ويعرفها كثير من الناس عن فتيان مثل هؤلاء ..؟ والحقيقة التي نعيشها الآن هو أن هؤلاء المنبوذون هم الذين يقودون المجتمع تحت سياسة غريبة عن تراثنا وتقاليدنا وقد رأيناهم كيف يقمعون الناس بهراواتهم ، وبدلا من أن يكون العدل والمساواة أساسا للحكم أصبح القمع والانتقام هما السياسة الهوجاء المتبعة حاليا .. إنهم يوهمون أنفسهم بأنهم كبار وأقوياء ..
ألم يحن الوقت بعد أيها المخططون والسياسيون لمراجعة حساباتكم وإعادة النظر في قراراتكم التي أوصلتنا وأوصلتكم إلى طريق الهلاك وبأيدينا ..؟؟ أيها السادة ! منذ القدم ومنذ فجر الفلاسفة كانت التربية محط اهتمامهم وكانت الهدف الجميل لنظرياتهم الفلسفية وأحلامهم والوجه الذي يريدون .. فنحن لا نعلم ولا نربي إلا من أجل صناعة إنسان مواطن صالح يخدم وطنه وأهله لنصل إلى درجة يكون فيها الوطن خال من التشوهات ومن المنبوذين أيضا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد