الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين استئساد الأخوة الحمساويين على الفئران و النصر الإلهي الألكتروني في غزوة السرايا

علي ديوب

2007 / 9 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هدية، و هداية، لأطفالنا الضالين، أتحفنا حزب الله و حماس بلعبتين ألكترونيتين، تبدوان، مما تناقلته الأخبار و التقارير حولهما، أنهما تنطلقان من منطلق خطابي موحد. و هو منطلق مؤسس على مكبوت رهيب من العدوانية، يتفجر عنفا صرفا، جليا، واضحا، بل و وقحا؛ هو العنف المشرّع بالفتاوى( مصدر دستور الدولة الدينية الموعودة)، و المشرع في كل الآفاق، ضد الآخر. الآخر البعيد و القريب.. و القريبون أولى.
وبرغم أن قناة العربية لم تجزم بأن حزب الله هو منتج لعبة غزو السرايا، التي حققت باللعب ما استحال واقعيا، على المعارضة، طيلة أشهر احتلالها للعاصمة بيروت.. إلا أنها، إلى جانب اللعبة الحمساوية موجهتان لفتية لاحول لهم في فهم أعمق من السطح؛ الأمر الذي يقلب الأدوار، و يحيل الطفل اللاعب ذاته الى لعبة. أو إلى جزء منها.. يتبادل معها الفعل و الانفعال.
حاجتنا الحضارية تقتضي إنتاج كل ما يفترض تعشيق الإنسان- و لا سيما الأجيال الشابة- بالحياة الحرة الكريمة، و حضه على حب ذاته- حبا سليما- و تقديرها، مدخلا لحب و تقدير الآخر، للوصول معه إلى تعزيز الجمال في الوجود. فكل ما من شأنه أن يثقف الفرد، و يزوده بآليات التواصل مع الآخر، عبر التفهّم و الاستيعاب.. يساهم في تنمية حس التضامن الإنساني لديه. و يوفر ابتكار طرائق تمكن المختلفين من تذليل عقبات التقارب الإنساني؛ بوصف هذا الأخير غاية نبيلة للوجود البشري، المنفتح على السعادة، التي هي غاية الغايات.
أما اللعبتان فتقترفان أذية جرمية، حين تصنع من هذه العقول غير البالغة مشاريع أدوات طيعة- بيد اللاعب الأكبر- تنتظر حالمة بأن يمن عليها بفتوى اختيارها لتنفيذ عملية استشهادية، ضد الآخر الكافر، أو الخائن، أو المنحرف.. الخ!
الهدف النبيل، و الخطاب المقدس، للعبة الحزب اللهية( أو المعارضة)، يتعامل مع المستقبل، من حيث بنائه للعبة حرب افتراضية، لم تحصل؛ رغم أنها كانت محتملة- و ربما لا تزال- في أية لحظة؛ و من هنا فالهدف( النبيل) الذي ترسمه اللعبة يتعين في الغد المأمول، و المطلوب التمكن من جعله حقيقة، على هذا النحو او ذاك. عاجلا أو آجلا. و هو( الهدف النبيل) يزين للمتلقي البريء بأنه يستحق شرف الانتماء إلى جيش أطهر الناس و أشرف الناس و أشجع الناس؛ و ما هو الهدف؟ الهدف( النبيل) يتمثل بغزو السرايا. و الغاية هي تصفية أفراد الحكومة، بحسب البرنامج، و بواسطة المفاتيح، في اللعبة. و بقدرة الله على الأرض. و لا أدري كيف يمكن أن يكون ثمة نصر، في اللعبة، خارج مشيئة الله، الذي يقرر النتيجة على الأرض ؟ أتذكر أخبارا تحدثت عن مخطط، لغزو السرايا، و اعتقال أعضاء الحكومة، كاد أن ينفذه الشقيق الأكبر- الذي تعد رغبته أوامر.
أما اللعبة الحماسية( التي أصدرتها حماس) فتشرح و تفسر الماضي، الحدث المنجز، لكي تبرره. بل لكي تجعل منه نصرا جديرا بأن ينظر إليه بوصفه مقياسا، و أن يعتمد مبدأً ثابتاً. ففريق الحماسيين يعبر عنهم، في اللعبة، سامبا الأسد الشهير بهذا الاسم، في فيلم الأسد الملك( كما أظن)، الذي يقابله هنا مجموعة فئران خسيسة، و جبانة و متآمرة( ترمز لفريق منظمة فتح)؛ و يكون على سامبا مهمة، لا بد له من تنفيذها، و هي القضاء على الفئران الشريرة و الضارة. و يكون سامبا الحمساوي قدوة المتلقي، بل المتفاعل: فلعبة البلاي ستيشن- كما يؤكد العديد من الخبراء- تمتاز عن سواها، من المبتكرات السابقة عليها، بخطورة الإحساس الذي تتركه على الطفل بأنه طرف في اللعبة، و ليس مجرد لاعب خارجي، أو حيادي، بأي مقياس. ربما لأن اللاعب هنا له دور ملموس في سير و نتائج الحدث.
رغم خطورتها، بالمعنى العام، فالألعاب الألكترونية في الغرب لا تشحن الطفل بخطورة من نفس المستوى: هي تعرضه لأضرار، يتفنن الخبراء، و علماء النفس و الأعصاب.. بتعدادها، و لكنها جميعا لا تعادل أو تدخل في حقل الخطر الذي تتركه اللعبة الألكترونية في أطفالنا. فقط لنتصور الجدب الذي تنبت فيه اللعبة: سوق ظامئ، تحتله لعبة واحدة. ليست أية لعبة، هي مما يلهب الخيال( ألكترونية)، و تحمل بصمتنا، بالأسماء و الجغرافيا و الدلالات المحددة. لعبة تحتكر الحقيقة. الغرب ينتج تنويعا لا يحصى من المادة المنتجة، وسط تنويع و تعدد لا يحصى أو يحصر من مناشط الحياة المختلفة. و بالتأكيد التنويع يخفف- إن لم يلغ- التشدد، الناجم عن الحقيقة الواحدة، و يفتح على تقبل المختلف.
النقطة الحساسة، هي أننا( نحن) أنتجنا لعبة ألكترونية. و أما وجه الخطورة، فيكمن بالتحديد في الغاية من الخلق، و كيفية استعمال اللعبة.. هذا يستحضر موضوعا يبدو بعيدا جدا من موضوعنا هنا، و أقصد التكنولوجيا النووية التي تقوم دولة غير ديمقراطية- كإيران- بإنتاجها و امتلاك إمكانية التكيف بتصريفها و استعمالها.

يقيدني باليأس شعوري، الذي يبلغ حد اليقين، أن العاقبة للطامحين. و لا بد للطموح من جرعة كافية من الطمع و الجشع معا. و هو لا يشترط محمولا تقدميا خطيا، كما توحي المفردة. فلون الطموح يحدد الفاعل. ثمة طموح بتأبيد الواقع، تبتغيه العقول المنتفعة من الحال. مثلما هناك طموح بالعودة إلى حقبة ما.. و المثير للقنوط أن العقول الرجعية بيننا هي السباقة.. لا تتأنى في نشاطها، تعمل بهمة، تحفزها غريزة البقاء القوي، و بلا رحمة، لتعطيل مراكز الحس و الذوق و التفكير الحر.. و ما إليها من عوامل الإعاقة. و لا يلغي أو يقلل من رجعيتها، انكبابها على استثمار أحدث مبتكرات الحضارة الحديثة؛ فهذه الخصيصة تكاد تكون هويتنا العصرية، التي نتفرد بها عن غيرنا من الأمم و الشعوب. حتى حين نعيش في أرقى مراكز الحضارة.

هل حدث، في تاريخ الدعاية و الإشاعة، و فنون التضليل، ما حاولت أن تسوقه آلة القول الصادق الأمين، وحلفاؤها، و أسيادها، مما يشوش النظر و يبلبل الذهن، من أن مسلسل التفجيرات و الاغتيالات- و كل ضحاياه من فريق الحكومة- هو مجرد مسلسل سياسي فني، من إخراج و إنتاج فريق الحكومة نفسه!؟ لا ندري لم لا يفكر هذا الفريق في إضرار الخصم، أو في مقابلته الإرهاب بالإرهاب؟ و هل استفحلت مازوشيته إلى حدود استمرائه الفتك بنفسه، و الانتحار الذاتي، مما جعل أفراده، يعيشون خوفا كابوسيا من شرور النفس! أما الخصوم، في المعارضة و من والاها، فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون.. مسرحهم لا حدود له، و المدينة تئن تحت ظلهم الذي أرخى سدوله عليها، كموج البحر!!؟؟

و المضحك المبكي أن كلا الفريقين الجهاديين- الحزب اللهي و الحمساوي- ينادي بالشراكة مع الآخر، و التهدئة و التقارب و الحوار و الوحدة.. الخ. في حين يقتدي كل منهما باستبداد أسياده الشموليين، في الأيديولوجيتين القوموية و الإسلاموية.. فعودة الإمام- كما عودة المسيح- الذي يقيم العدل في الناس، مرهونة بأن تمتلئ الأرض جورا؛ و دورهم( هم محبو الإمام و عدله) تعميم الخراب و الجور، للتعجيل بقدوم الفرج.
و لكن لا بد من الاعتبار. و العبرة تنبني من أن المتقابلين فوق الحلبة، يدركون- كل من جهته- أنها معركة حياة أو موت. و ليست مجرد حركات قتالية للاستعراض، أو مناورات ترويعية، حتى، لتوسيع مساحة الحركة، أو ما يسمى بلغة السياسة المسك بأوراق اللعب. لا أظن. فالخيارات غير مطروحة، على ما يبدو، و هذا يجعل المحاصر من أربع جهات في المربع الأخير. ثمة حركة واحدة فقط تتيح الربح، أو تحمي من الخسارة. و هي ضربة إما تقضي على الخصم، أو تشل حركته. و بحسابات أخرى، تتوافق مع المظلومية الخداعة، هي ضربة( دفاعية) تشل الخصم، تمهيدا للقضاء عليه. و هذا أمر تقره كل الشرائع، و حتى أسس لعبة العصر- الديمقراطية- التي تقوم على أرقام صماء، تعطي الحق بامتلاك أسهم الحكم لمن يملك عددا أكبر من الأصوات( سندات التوكيل) الشعبية؛ أما كيف؟ و من؟ و متى؟ و.. غيرها من الأشواك التي أنبتتها لعبة غسيل العقول و الأموال و الذمم و الأوجه.. فلا تدخل في اعتبارات أصول اللعبة. لأن أصول اللعبة نشأت في منبتها، ضمن ظروف مختلفة، و بموجب أسباب، و لغايات مختلفة أيضا. هذا لا يعني أنها ولدت مكتملة، تامة. أو أنها يمكن أن تولد كذلك، في أي مكان أو زمن، فهي سيرورة من العيوب و العلاجات الذاتية. أي هي قابلية للتعديل و التطوير و التقليب و التصويب، قبل أن تكون معطى ناجزا. لكنها من جنس الكائنات الحية: لا يمكن لها أن تتفتح و تزدهر في وسط طارد لها. و أخطر الأوساط إضرارا بها، و لفظا لها، هو دولة الاستبداد. حيث اللاقانون، أو قانون الغابة، و منطق الغلبة. و أيضا في الدولة، أو المجتمعات العقيدية( دينية، أيديولوجية).
لنتصور مصيرنا، قبل أن نؤول إليه: دول قمع و منع و عتم. فإذا كانت المعارضة الحاكمة( حكومة ظل و تظليل لبنان)، تتظاهر بلا توقف، و بما يشبه الاحتلال للمدينة، منذ شهور، فتثير الرعب في أوصال الدولة، بكل مكوناتها المدنية و السياسية و الفنية و الفكرية؛ و بنفس الوقت تشكو حرمانها من المشاركة في الحكومة، بحصة الثلث المعطل. كم هو مطلب عادل، و بسيط: المشاركة المعطلة؛ كأنها لم تعطل، بعد، شيئا.
و إذا كانت الحكومة المعارضة( حماس)، تغتصب حتى مقرات عمل شركائها في الحكم، و تعتقل و تقتل و تطارد.. و أخيرا تمنع حتى التظاهرات الشعبية السلمية، في بلد يشكو الاحتلال؛ فما لون الدولة الدينية التي يرومون أن يقدموها هدية لشعوبهم، مرفقة ببضع سيديات ألكترونية للأطفال الأبرياء؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية