الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الكردي ... الموقف من الذات أولاً

خالد سليمان

2003 / 10 / 18
القضية الكردية


تكثر في الآونة الأخيرة مقالات وكتابات عدة حول دور المثقف الكردي في سياق تجربة كردستان العراق في الحكم والحرب والمصالحة والتي أثبتت أنها جديرة بالاهتمام والبحث عن الآفاق السياسية فيها و(الحزن الذي تركته ) في تخوم ثقافة الاختلاف بين ألوان المجتمع الكردي.
تأتي هذه الكتابات من قبل صحفيين عرب وأجانب وصحفيين كرد أيضا، وتطرح فيها آراء مختلفة حول موقف المثقف الكردي من أبعاد التجربة وزواياها المتعددة و أبوابها المُراقبة من قبل حرّاس حدود دول الجوار أيضا.
تستدعي هذه الكتابات قراءة متأنية وجادة وبشكل خاص تلك التي تأتي من الكتاب العرب والأجانب ،لأنها تُعبر بالدرجة الاُولى عن الاهتمام والموقف في آن واحد بغض النظر عن سلبية ذلك الموقف أو ايجابيته.أما الكتابات الكردية فهي تنحصر في اتجاهات محدودة وهي:
أولا- الكتابات الدفاعية ، وهي كتابات تدخل ضمن اطار الدفاع عن الذات الكردية المطروحة في الصحافة العربية سباً ونقداً ومدحاً.
ثانيا-الكتابات (الضدية) والتي تقف غالبا خارج منطق (الضدية)كمنهج نقدي في السياسة والثقافة والمجالات الحياتية الأخرى.
نتوقف عند هذه الثانية ونتناول بعضا من جوانبها الحيّة من داخل الصحافة والثقافة الكرديتين ومنها ما يتعلق بحرية الرأي والاختلاف والانفتاح على الآخر في السياسة الكردية ونبدأ بقصة معروفة لدى الأنتلجنتسيا الكردية جسدت في حينها تمرداً واضحاً ضد التنكيل بالذات ، وهي قصة ( نباح الكلاب) للكاتب الكردي "محمد موكري".
كتب " موكري "  نباح الكلاب في زمن كانت الأحزاب الكردية تقاتل بعضها في الجبال – أواسط الثمانينات من  القرن الماضي -  ويمكن اعتبارها نسقاً من أنساق أدب مقاومة الذات التي كانت متجهة نحو الهاوية من خلال حرب عبثية بين الأخوة ، لأنها وصفت الذوات المتقاتلة أو اقتتال الأخوة وأصواتهم المتعالية بنباح الكلاب وكان الكاتب بالتالي صوتا (ضديا) ضد عبثية الحركة الكردية في تلك الفترة.
هذا النقد الصارخ الذي ظهر عند المثقف الكردي في الثمانينات وفي ضفة المقاومة المسلحة في الجبال ، يمكن اعتباره تمثلاً واضحاً من "خطاب الغضب " ضد اللامعقول داخل الحركة الكردية وجغرافيا فكرها المحدود والمرتبط بالجبال والحركة المسلحة التي قاتلت ذاتها أكثر من العدو. وفي الفترة نفسها ظهر صوت آخر للمثقف الكردي الذي كان يقف على الضفة الثانية للمشهد وهي ضفة المدينة وتمثلاتها التي استلبتها الكاريزما وأشباه دولة المراهقة السياسية أو الفنتازيا الصدامية بالأحرى.انهمك هذا النموذج الثاني من المثقف بتأسيس مركزية القول المعرفي من جانب والنضال ضد التدجين السياسي والثقافي من جانب آخر .والضفتان كانتا في موقع واحد ضد شمولية سلطة الحزب " البعث".
                                                    *    *    *
أدت انتفاضة آذار(1991) الى توزيع جديد للأدوار بين فئات المجتمع الثقافية والسياسية وظهرت أشكال اخرى للمطالبة بحرية الرأي والفكر بعيدا عن تلك الأشكال السائدة (قبل ذلك التاريخ ) التي تجسدت في التطلع الى حرية الجميع .أما الأشكال الجديدة لاشتغال المثقف وتمثلاته في المجتمع الكردي فتتجسد في قراءة جديدة لمستويات الوعي الكردي (الوعي السياسي منها) وتقريب آلياته الانتاجية من حدود النقد والتحليل . وظهر بالتالي رأيً آخر حول نظرة الكرد للذات والعالم  غير الرأي الرسمي المتمثل بالمواقف الحزبية والسلطوية.واستطاع الدخول الى المفاصل العضوية للمجتمع الكردي واختراق الفضاءات المقدسة التي فرضت علىالحياة الثقافية و السياسية، واستطاع الرأي نفسه كشف جانب مهم في لاوعي السياسة الكردية وهو توجيه الأنظار نحو الرموز التي تكيل بالذات ، وكانت الأحزاب الكردية تحتل مساحة واسعة من بين تلك الرموز وحاولت باستمرار انتاج نموذج كردي لتقديس ممارساتها اليومية من خلال تغييب الوعي النقدي وتكريس خطاب البقاء ضمن الممكن وإرادة الواقع الجيوبوليتيكي الذي يعاني منه الوجود الكردي .

                                                  *    *    *
اليوم وفي كردستان هناك آراء تتجاوز الرأي السياسي الكردي المتعلق بمستقبل كردستان، فإذا قرأنا تلك المقالات والدراسات التي تنشر في الصحافة الصادرة في كردستان، نلاحظ ان هذا الرأي لم (يستنقع )كما يقول بعض من الصحفيين الكرد الذين لا يستطيعون الاضطلاع على الثقافة الكردية باللغة الأم ، بل تَشَكّل في رحم الأحداث وتطور الى مستوى الاستشهاد به واعتباره مقولة من مقولات تحليل العقل الكردي ، لأنه رأي يتشكَّل أساساً في مشهد موزاييكي كوردي يتميز بالاختلاف والمغايرة ، وهو بالتالي شكل من أشكال مقاربة الذات من المساحات التي تقع خارج (المألوفية) للبحث فيها عن مصائر الانسان الكردي .
فهناك مجلات ودوريات كردية الآن في كردستان أو المغترب تُعبرّ عن اتجاهات فكرية وايديولوجية مختلفة وموزعة بين السلفية والقومية والتقدمية والحداثية والحزبية أيضاً ، منها يُقدّس الأشياء ومنها يفكّ رموز التقديس ويقترب من حدود المجتمع الكردي المُحرّمة . وموقف المثقف هنا والذي يتمخض عن ولوجه المفاصل " القدسيّ " هو الموقف من الذات أولاً طالما أنه يشكّل جزءاًً من البيئة الاجتماعية والدينية والسياسية المتخلفة التي يحللها وينقدها .
ووصلت الجدالات الفكرية حول هذه الإشكالية الى مستوى الصدام والتهديد بين المثقف الناقد والحركات السلفية من جانب وبينه وبين السلطة المتمثلة بالأحزاب القومية من جانب آخر . وفي وقت حاولت هذه الأخيرة – الأحزاب القومية _ استقطاب الأقلام الحرّة الى جانبها واسكاتها من خلال المال والمواقع ، تقدمت الأُولى – الحركات السلفية – لإغتيالها واستئصالها من المجتمع .
رغم كل هذا لم يختف نموذج المثقف الذي يقدم نموذجا إنفتاحيا للذات والآخر حول آليات إعادة انتاج نموذج السلطة المقدس في المجتمع الكردي وآلية نقده في الوقت عينه . فمن المجحف ان نقلل من شأن حرية الرأي والفكر لدى المثقف الكردي دون الاضطلاع على انتاجه الثقافي ومجمل الحركة الثقافية التي لا تخلو من الضدية المنهجية أمام السلطة والمال و " السلفية " المعاصرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل