الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى مسلم شاب - ترجمة : مازن كم الماز

طارق علي

2007 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صديقي العزيز ,
هل تذكر عندما اتصلت بي بعد مظاهرة كبرى مضادة للحرب في نوفمبر تشرين الثاني 2001 ( أعتقد أنها كانت في غلاسكو ) و سألتني فيما إذا كنت مؤمنا ؟ أنا لا أنسى الصدمة التي عبرت عنها عندما أجبتك بلا أو تعليق صديقك ( "لقد حذرنا آباؤنا منك" ) أو الأسئلة الغاضبة التي أخذتما ترشقاني بها كالسهام . كل هذا دفعني للتفكير و هذا هو ردي عليك و على كل الآخرين أمثالك الذين طرحوا علي أسئلة مماثلة في أماكن أخرى في أوروبا و أمريكا الشمالية .
عندما تحدثنا , أخبرتك أن نقدي للدين و لأولئك الذين يستخدمونه لأغراض سياسية ليست قضية أن أكون دبلوماسيا أمام الجمهور . لقد استخدم المستغلون و المتلاعبون الدين بصورة صحيحة بالنسبة لهم للوصول إلى أغراضهم . من الصحيح أن هذا ليس كل القصة . هناك طبعا أشخاص مخلصين في أعماقهم من أتباع الأديان في أماكن مختلفة من العالم يحاربون بشكل حقيقي إلى جانب الفقراء لكنهم عادة في نزاع مع الدين المؤسسي هم أنفسهم .
تضحي الكنيسة الكاثوليكية بالقساوسة العمال أو الفلاحين الذين ينظمون أنفسهم ضد الاضطهاد . تعامل الملالي الإيرانيون بقسوة مع المسلمين الذين بشروا لصالح الراديكالية الاجتماعية . إن كنت مقتنعا بالفعل أن هذا الإسلام الراديكالي هو طريق التقدم بالنسبة للإنسانية فأنا لن أتردد بأن أعلن ذلك على الملأ , مهما كانت النتائج . أنا أعرف أن كثيرا من أصدقائك يحبون ترديد اسم أسامة و أنهم ابتهجوا في 11 أيلول سبتمبر 2001 . إنهم لم يكونوا وحيدين . فقد حدث ذلك في كل مكان في العالم و لم يكن لهذا أية علاقة بالدين . أنا أعرف طلابا أرجنتينيين غادروا الصف عندما انتقد المعلم أسامة . و أعرف مراهقا روسيا أرسل رسالة الكترونية من كلمة واحدة "مبروك" لأصدقائه الروس الذين كان أهلهم قد استقروا خارج نيو يورك و ردوا عليه هم " شكرا , لقد كان عظيما". لقد تحدثنا كما أذكر عن الحشود الكبيرة في مباريات كرة القدم الذين رفضوا الوقوف لمدة دقيقتين حدادا تفجعا على الضحايا بأمر الحكومة و عوضا عن ذلك خرقت الصمت بشعارات معادية للأمريكان .
لكن كل هذا لا يبرر ما حدث . ما خلف هذه الفرحة المكتملة ليس إحساس بالقوة لكن بالضعف المريع . لقد عانى شعب الهند الصينية أكثر من أي شعب مسلم على يد الحكومة الأمريكية . لقد تم قصفهم مدة 15 عاما كاملة و قتل منهم الملايين . فهل فكروا حتى بقصف أمريكا ؟ و لا حتى الكوبيين و لا البرازيليين أو التشيليين . لقد قاتل الأخيران ضد أنظمة عسكرية مفروضة أمريكيا في الوطن و انتصرا أخيرا .
يشعر اليوم الناس بالعجز . و لذلك عندما ضربت أمريكا أقاموا الاحتفالات . هم لم يسألوا ما الذي سيحققه فعل كهذا و ما هي نتائجه و من المستفيد منه . إن ردة فعلهم كانت تماما كالحدث ذاته رمزية .
أنا أعتقد أن أسامة و مجموعته قد وصلوا إلى طريق مسدود سياسيا . لقد كان مشهدا عظيما , لكن ليس أكثر من ذلك . أمريكا في ردة فعلها على الهجوم بشنها الحرب زادت أهمية الفعل الذي جرى و لو أنني أشك أنه حتى هذا سينقذه من النسيان في المستقبل . هذا الفعل سيبقى على هامش تاريخ قرننا . سواء بالمقاييس السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية فبالكاد يمكن اعتباره حدثا مهما .
ما الذي يقدمه الإسلاميون ؟ طريقا إلى الماضي , الذي رأفة بشعوب القرن السابع لم يكن موجودا أبدا . إذا كانت "إمارة أفغانستان" هو نموذج ما يريدون فرضه على العالم إذا فعلى مسلمي العالم أن يثوروا في وجوههم بالسلاح . لا تتخيل أن أسامة أو الملا عمر يمثل مستقبل الإسلام . ستكون كارثة كبرى على الثقافة التي نتشارك بها كلانا إذا كانت هذه هي القضية . هل تريد فعلا أن تعيش تحت هذه الظروف ؟ هل تتحمل أن تخبأ أختك أو أمك أو المرأة التي تحب عن عيون الناس ملفوفة كالجثة ؟
أريد أن أكون صريحا معك . أنا أعارض الحرب الأخيرة في أفغانستان . أنا لا أقبل بحق القوى الكبرى في تغيير الحكومات عندما و كيفما يوافق ذلك مصالحها . لكني لم أذرف أية دمعة على طالبان عندما حلقوا ذقونهم و عادوا إلى بيوتهم . هذا لا يعني أن أولئك الذين قبض عليهم يجب معاملتهم كحيوانات أو أن يحرموا حقوقهم الأساسية وفق معاهدة جنيف , بل كما سبق أن قلت في أماكن أخرى إن أصولية الإمبراطورية الأمريكية لا يعادلها أي شيء اليوم . يمكنهم أن يتجاهلوا كل القوانين و المعاهدات حسبما يشاءون . إن السبب في أنهم يسيئون علنا معاملة السجناء الذين ألقوا القبض عليهم بعدما شنوا حربا غير شرعية على أفغانستان يكمن في أنهم يريدون تأكيد قوتهم أمام العالم – و من هنا فإنهم يهينون كوبا بأن يقوموا بعملهم القذر على أرضها – و يحذرون الآخرين الذين يحاولون أن يغضبوا الأسد أن العقاب سيكون شديدا .
أنا أذكر , أثناء الحرب الباردة , كيف قامت المخابرات المركزية الأمريكية و عملائها السريين بتعذيب السجناء السياسيين و اغتصابهم في أنحاء كثيرة من أمريكا اللاتينية . أثناء حرب فيتنام خرق الأمريكيون معظم معاهدات جنيف . عذبوا و قتلوا السجناء , اغتصبوا النساء , ألقوا بالسجناء من المروحيات ليلقوا حتفهم على الأرض أو ليغرقوا في قلب البحر و كل هذا طبعا باسم الحرية .
لأن الكثير في الغرب يصدق هذا الهراء عن "التدخلات الإنسانية" فقد صدموا من هذه الأفعال , و لكن هذا محدود نسبيا مقارنة بالجرائم التي ارتكبتها الإمبراطورية في القرن الأخير . لقد التقيت الكثير من مواطنينا في أماكن مختلفة من العالم منذ 11 سبتمبر أيلول . سؤال واحد يتكرر باستمرار : "هل تعتقد أننا نحن المسلمين أذكياء بما يكفي للقيام بهذا ؟" إنني أجيب دوما "نعم" . عندها أسألهم عمن يعتقدون أنه المسؤول يأتي الجواب دون تغيير " إسرائيل " . "لماذا ؟" "للإساءة إلينا و دفع الأمريكيين لمهاجمة بلداننا" . أنا أدحض بلطف أوهامهم التواقة لكن واقع هذه المحادثة يبعث فيٍ الحزن . لماذا ينحط مسلمون كثيرون لهذه الدرجة من البلادة ؟ لماذا ينغمسون في رثاء الذات إلى هذا الحد ؟ لماذا دائما سماءهم ملبدة ؟ لماذا يجب أن يكون هناك دوما شخصا آخر يجب لومه ؟
أحيانا عندما نتكلم يتولد لدي الانطباع أنه لا يوجد أي بلد مسلم واحد يفتخرون به . أولئك الذين هاجروا من جنوبي آسيا إلى بريطانيا يعاملون بطريقة أفضل بكثير منها في العربية السعودية أو دول الخليج . إنه هنا تحديدا حيث يجب أن يحدث شيء ما . في العالم العربي حاجة ماسة للتغيير . خلال سنوات و في كل نقاش مع العراقيين و السوريين و السعوديين و المصريين و الأردنيين و الفلسطينيين , تطرح نفس الأسئلة , تتكرر نفس المشاكل . إننا نختنق . لماذا لا يمكننا التنفس ؟ كل شيء يبدو راكدا : اقتصادنا , سياستنا مثقفينا و قبل كل شيء ديننا .
تعاني فلسطين كل يوم . الغرب لا يفعل شيئا . حكوماتنا ميتة . سياسيونا فاسدون . شعبنا جاهل . هل من المستغرب أن بعضهم يتجاوب مع الإسلاميين ؟ من يقترح أي شيء آخر هذه الأيام ؟ الأمريكان ؟ إنهم حتى لا يريدون الديمقراطية , و لا حتى في قطر الصغيرة و ذلك لسبب بسيط جدا . إذا انتخبنا حكوماتنا فقد تطالب الأمريكان بإغلاق قواعدهم . فهل سيفعلون ؟ إنهم حقيقة يكرهون تلفزيون الجزيرة لأن لديه أولويات مختلفة عنهم . كان الأمر جيدا عندما كانت الجزيرة تهاجم الفساد في النخبة العربية . خصص توماس فريدمان على الدوام عمودا في النيو يورك تايمز لامتداح الجزيرة . لقد رآها علامة على الديمقراطية القادمة إلى العالم العربي . لقد انتهى كل هذا . لأن الديمقراطية تعني الحق في التفكير على نحو مختلف , و لأن الجزيرة عرضت صورا عن الحرب في أفغانستان لم يسبق للشبكات الأمريكية أن عرضتها لذا قام بوش و بلير بالضغط على قطر لإيقاف البث غير الصديق .
بالنسبة للغرب تعني الديمقراطية الإيمان تماما بنفس الأشياء التي يؤمن بها . هل هذه حقا ديمقراطية ؟ إذا ما انتخبنا حكوماتنا فقد ينتخب الشعب في بلد أو اثنين الإسلاميين . هل سيتركنا الغرب ؟ هل تركت الحكومة الفرنسية الجيش الجزائري لوحده ؟ لا . لقد أصرت على أن تعتبر انتخابات 1990 و 1991 لاغية و باطلة . وصف المفكرون الفرنسيون الجبهة الإسلامية للإنقاذ ب"الفاشيين المسلمين" متجاهلين حقيقة أنهم قد فازوا في الانتخابات . لو أنهم سمحوا لهم بتشكيل الحكومة لطفت الانقسامات داخلهم إلى السطح . كان بإمكان الجيش أن يحذرهم من أن أية محاولة للتلاعب بحقوق المواطنين التي يحفظها الدستور لن يتم التسامح معها . فقط عندما استبعد القادة الأساسيين للجبهة الإسلامية للإنقاذ تقدمت العناصر الأكثر تشددا إلى المقدمة و بدأت التمثيل بالقتلى . هل علينا أن نلومهم على الحرب الأهلية أو أولئك في الجزائر و باريس الذين سرقوا منهم انتصارهم ؟ إن المجازر في الجزائر رهيبة . لكن هل الإسلاميون وحدهم هم المسئولون عنها ؟ ما الذي حدث في بنت الله على بعد 10 كم جنوبي الجزائر العاصمة ليلة 22 سبتمبر أيلول 1997 ؟ من ذبح 500 رجل و امرأة و طفل في تلك المنطقة ؟ الفرنسي الذي يعلم كل شيء , برنار هنري ليفي واثق من أن الإسلاميين هم الذين ارتكبوا ذلك العمل المرعب . لماذا إذا امتنع الجيش من تسليح الأهالي ليدافعوا عن أنفسهم ؟ و لماذا أبلغوا الميليشيا المحلية بالمغادرة تلك الليلة ؟ لماذا لم تتدخل قوى الأمن و هي ترى ما يحدث ؟ لماذا يرى السيد ليفي أن على المغرب أن يخضع لحاجات الجمهورية الفرنسية و لماذا لا يهاجم أحد هذا النوع من الأصولية ؟
يقول العرب : نحن نعرف ما الذي علينا فعله , و لكن في كل مرة يتدخل فيها الغرب تتراجع قضيتنا لسنوات كثيرة . لذا إذا كانوا يرغبون بالمساعدة فعليهم أن يبقوا بعيدا . هذا ما يقوله أصدقائي العرب و أنا اتفق مع هذه المقاربة . انظر إلى إيران . تحول الموقف الغربي إلى موقف خيري محسن أثناء الهجوم على أفغانستان . لقد كانوا بحاجة لإيران في هذه الحرب , و لكن ليبق الغرب متفرجا من بعيد . يتحدث الأصوليون الإمبراطوريون عن "محور الشر" الذي يضم إيران . إن تدخلا هناك سيكون مهلكا . لقد عرف الجيل الجديد هناك قمع رجال الدين . إنهم لم يعرفوا أي شيء آخر . إن القصص عن الشاه هي جزء من ما قبل تاريخه . هؤلاء الشباب و الفتيات واثقون من شيء واحد على الأقل . إنهم لا يريدون لآيات الله أن يحكموهم أكثر من ذلك . رغم أن إيران في هذه السنوات لم تكن بسوء العربية السعودية أو "إمارة أفغانستان" لكنها لم تكن أبدا جيدة بالنسبة للناس .
دعوني أسرد عليكم قصة . قبل سنتين قابلت صانع أفلام إيراني شاب في لوس أنجلوس . كان اسمه مسلم منصوري . لقد تمكن من الفرار مع عدة ساعات من المقابلات المصورة لفيلم وثائقي كان يعكف على إنجازه . تمكن من كسب ثقة 3 من مومسات طهران و قام بتصويرهن لأكثر من سنتين . لقد عرض علي بعض تلك الصور . لقد تحدثن إليه بصراحة كبيرة . وصفوا له كيف قابلن أفضل زبائنهم أثناء الاحتفالات الدينية . لقد كونت نكهة خاصة عن الفيلم من النسخ التي أرسلها إلي . أخبرته إحدى النسوة : "اليوم الجميع مكرهون على بيع أجسادهم ! على نساء مثلي أن تتحمل رجلا مقابل عشرة آلاف تومان . يحتاج الشباب إلى أن يكونوا معا في السرير و لو لعشرة دقائق...إن هذا يمنحهم الهدوء" .
"عندما لا تسمح الحكومة به , ينمو البغاء . إننا لسنا بحاجة حتى للكلام عن البغاء , لقد حظرت الحكومة حق الكلام مع الجنس الآخر عموما في العلن...في الحدائق , في السينمات , على الطرقات لا يمكننا الحديث إلى الشخص الجالس إلى جانبنا . إذا تحدثت إلى رجل في الطريق فإن "الحرس الإسلامي" سيستجوبك إلى ما لا نهاية . اليوم في بلدنا لا يوجد أي شخص راض ! لا أحد يتمتع بالأمان . ذهبت ذات مرة إلى شركة أبحث عن عمل . نظر مدير الشركة , و هو رجل ملتحي , إلى وجهي و قال "سوف أوظفك و أدفع لك عشرة آلاف تومان أكثر من الراتب المفروض" . "قلت له "على الأقل يمكنك أن تمتحن مهاراتي في استخدام الكومبيوتر لتر إذا كنت جيدة أم لا..." , لكنه قال "لقد استخدمتك لمظهرك !" أدركت أنني إذا عملت هناك فعلي أن أمارس الجنس معه و لو مرة في اليوم" .
" حيثما تذهب فالأمور هي كذلك ! ذهبت في الماضي إلى محكمة عائلية خاصة – من أجل الطلاق – و رجوت القاضي , و هو رجل دين , أن يمنحني حضانة أطفالي . قلت له "أرجوك , ...إني أرجوك أن تمنحني حضانة أطفالي , سأكون خادمتك ...( هذا تعبير فارسي يعني أساسا "أرجوك , إنني بائسة جدا" ) ما الذي تعتقد أن هذا الرجل أجابني ؟ لقد قال "أنا لا أريد خادمة ! إنني بحاجة لامرأة ! ما الذي تتوقعه من الآخرين عندما يتحدث رجل الدين , رئيس المحكمة , هكذا ؟ عندما توجهت إلى الضابط لأحصل على وثيقة طلاقي بعد توقيعها , قال لي بدلا منذ ذلك أنه علي ألا أتطلق بل علي أن أتزوج ثانية بدون طلاق , بشكل غير شرعي . لأنه كما قال سيكون من الصعب الحصول على عمل بدون زوج . لقد كان محقا , لكن لم يكن لدي ما يكفي من المال لأدفع له...هذه الأشياء تجعلك تتقدم في العمر بشكل أسرع...تصاب بالاكتئاب...تصاب بالكثير من التوتر الذي يؤذيك . ربما هناك وسيلة للخروج من كل هذا ".
لقد ذهل مسلم لأن أيا من الشبكات الأمريكية لم ترغب في شراء الفيلم . إنهم لم يرغبوا بهز استقرار نظام خاتمي ! مسلم نفسه هو ابن الثورة . بدونها لم يكن ليصبح صانع أفلام . لقد جاء من عائلة فقيرة جدا . كان والده مؤذنا في جامع و كان شديد التعصب للدين في نشأته . إنه الآن يكره الدين . رفض مسلم القتال في الحرب ضد العراق فاعتقل . لقد غيرته هذه التجربة . "كان السجن تجربة قاسية و لكن جيدة بالنسبة لي . كان ذلك في السجن عندما شعرت أنني بلغت مرحلة النضج الفكري . كنت أقاوم و تمتعت بالإحساس بالقوة . شعرت أنني أنقذ حياتي من العالم الفاسد لرجال الدين و كان هذا الثمن الذي دفعته . كنت فخورا بذلك . بعد سنة في السجن أخبروني أنهم سيطلقون سراحي بشرط أن أوقع على أوراق أتعهد فيها بالمشاركة في طقوس أيام الجمع و الفعاليات الدينية . و عندما رفضت أن أوقع أبقوني في السجن لسنة أخرى ".
باشر العمل بعدها في مجلة عن الأفلام كمراسل . "اعتقدت أن العمل في الصحافة سيساعدني كتغطية لمشاريعي الخاصة , و هي توثيق الجرائم المخفية للنظام السياسي نفسه . علمت أنني سوف لن أكون قادرا على صنع نوعية الأفلام التي أريد حقا أن أصنعها بسبب قوانين الرقابة . أي سيناريو سأكتبه لن يحصل أبدا على ترخيص مكتب الرقابة الإسلامي . علمت أن وقتي و طاقتي سيهدران . لذا قررت أن أصنع 8 أفلام وثائقية سرا . و هربت الصور خارج إيران . بسبب مشاكل مالية تمكنت من إنهاء تحرير فيلمين فقط . الأول هو صورة أقرب , صورة طويلة و الثاني هو شارنلو , قصيدة الحرية .
"الفيلم الأول عن حياة حسين سابزيان , الذي كان الشخصية الأساسية لدراما عباس كياروزتامي الوثائقية المسماة صورة أقرب . عدة سنوات بعد فيلم كياروزتامي ذهبت لزيارة سابزيان . كان يعشق السينما . أصيبت زوجته و أولاده بخيبة الأمل منه ثم تركوه أخيرا . إنه يعيش اليوم في قرية في ضواحي طهران و قد توصل إلى استنتاج أن عشقه للسينما لم يجلب عليه سوى المصائب . إنه يقول في فيلمي "الناس أمثالي يتعرضون للتدمير في مجتمعات كالذي نعيش فيه . لا يمكننا أبدا أن نعرض ذواتنا . هناك نوعان من الموتى : الممددين و الذين يمشون . إننا الموتى الذين يمشون !".
يمكننا أن نجد قصص كهذه و أسوأ في كل دولة مسلمة . هناك فرق كبير بين مسلمي الشتات – الذين هاجر آباءهم إلى الأرض الغربية – و الذين ما زالوا يعيشون في ديار الإسلام . الأخيرون هم أكثر انتقادا لأن الدين ليس ضروريا لهويتهم . إنهم يأخذون كونهم مسلمين على سبيل التسليم . أما في أوروبا و أمريكا الشمالية فالأمور مختلفة . هنا يؤدي التعدد الثقافي إلى التشديد على الاختلاف على حساب سائر البقية . إن صعوده يرتبط بتراجع السياسة الراديكالية مثلا .
إن "الثقافة" و "الدين" هي بدائل ألطف لفظيا عن انعدام المساواة الاجتماعي الاقتصادي – كما لو أن الاختلاف عوضا عن التسلسل الهرمي هي القضية الأساسية في المجتمع الأوروبي أو الأمريكي الشمالي اليوم . سبق أن تحدثت إلى مسلمين من المغرب ( فرنسا ) , من أنطوليا ( ألمانيا ) , من باكستان و بنغلاديش ( بريطانيا ) من كل مكان ( الولايات المتحدة ) و مزيج آسيوي جنوبي في اسكندينافيا . لماذا , طالما تساءلت ,
هناك الكثير جدا ممن يشبهوك يا صديقي ؟ لقد أصبحوا أكثر تزمتا و تعصبا من فلاحي كشمير و البنجاب الأقوياء و النشيطين الذين اعتدت أن أعرفهم جيدا .
إن رئيس الوزراء البريطاني مؤمن كبير بالمدارس وحيدة المعتقد . ينهي الرئيس الأمريكي كل خطاباته بعبارة "لينقذ الرب أمريكا" . يبدأ أسامة و ينهي كل مقابلاته التلفزيونية بتمجيد الله . للثلاثة الحق في فعل ذلك , تماما كما أن لي الحق في الالتزام بمعظم قيم عصر التنوير . هاجم عصر التنوير الدين – المسيحي غالبا – لسببين : أنه مجموعة من الأوهام الإيديولوجية , و أنه كان نظاما للاضطهاد المؤسسي , مع سلطات هائلة من الاضطهاد و التعصب . لماذا علينا اليوم أن نتخلى عن أيا من هذه الوصايا ؟
أنا لا أريدك أن تسيء فهمي . إن نفوري من الدين لا يقتصر بأي حال من الأحوال على الإسلام وحده . كما أنني لا أتجاهل الدور الذي لعبته الإيديولوجيات الدينية في الماضي في دفع العالم قدما . كانت الاصطدام الإيديولوجي بين تفسيرين متنافسين للمسيحية – الإصلاح البروتستانتي مقابل مضاد الإصلاح الكاثوليكي – قد قاد إلى انفجار عنيف في أوروبا . هنا لدينا مثال على خلافات فكرية قاطعة كحد الشفرة أوقدتها العواطف الدينية , و قادت إلى حرب أهلية , تبعتها ثورة .
كانت ثورة القرن 16 الهولندية ضد الاحتلال الإسباني استثارها اعتداء على صور مقدسة باسم تصحيح الاعتراف . كان إدخال كتاب صلاة جديد إلى اسكتلندا واحدا من أسباب ثورة الطهريين في انكلترا في القرن 17 , و كان رفض قبول الكاثوليكية قد أثار خليفتها في عام 1688 . لم يتوقف الهياج الفكري و بعد قرن كانت أفكار الأنوار تذكي نار أتون فرنسا الثورية . تتشارك اليوم كنيسة إنكلترا و الفاتيكان لتحاربان التهديد الجديد , لكن أفكار سيادة الشعب و الجمهوريات أكثر قوة من أن تطمس بسهولة .
يمكنني تقريبا سماع سؤالك . و ما علاقة كل هذا بنا ؟ الكثير جدا يا صديقي . لقد ألهبت أوروبا الغربية بالعواطف الدينية لكن كل هذا قد تم تجاوزه اليوم . كانت الحداثة هناك في الأفق . كانت هذه ديناميكية لم يمكن للثقافة و الاقتصاد العثمانيان أن يقلداها . ظهر الانقسام السني – الشيعي باكرا جدا و قد تجمد في دوغما ( عقائد ) متنافسة . كانت المعارضة حتى ذلك الوقت قد محيت من واقع الإسلام . كان السلطان محاطا بعلماء الدين يحكم دولة الإمبراطورية التي سوف تذبل و تموت .
كانت هذه القضية في القرن 18 , و ما هو أكثر صحة هو الوضع اليوم . ربما أن الطريقة الوحيدة التي سيكتشف فيها المسلمون هذا هو عبر خبرتهم الخاصة كما في إيران . إن صعود الدين يمكن تفسيره جزئيا بغياب أي بديل آخر للنظام العالمي لليبرالية الجديدة . هنا يمكنك أن تكتشف أنه طالما كانت الحكومات الإسلامية تفتح بلدانها أمام التغلغل العالمي سيسمح لها فعل كل ما تريده في المجال الاجتماعي السياسي .
لقد استخدمت الإمبراطورية الأمريكية الإسلام سابقا و يمكنها فعل ذلك من جديد . هنا يكمن التحدي . إننا جميعا في أمس الحاجة لإصلاح إسلامي يكنس المحافظة المهووسة و رجعية الأصوليين لكن أكثر من ذلك يفتح عالم الإسلام لأفكار جديدة ترى على أنها أكثر تقدما من الأفكار التي يطرحها الغرب علينا اليوم .
هذا يشترط فصل صارم بين الدولة و المسجد , انحلال طبقة رجال الدين , تأكيد المفكرين المسلمين على حقهم في تفسير النص كملكية مجموعية للثقافة الإسلامية ككل , الحق في التفكير بحرية و عقلانية و حرية التخيل . ما لم نتحرك في هذا الاتجاه فإننا محكومون بإعادة إحياء تلك المعارك القديمة و التفكير ليس بمستقبل أكثر غنى و إنسانية بل كيف يمكننا أن ننتقل من الحاضر إلى الأمس . إن هذه رؤية غير مقبولة . لقد تركت قلمي ينساب معي و بشرت بهرطقتي أطول من اللازم . إنني أشك في أنني سوف أتغير لكنني آمل أنك ستفعل .

ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن : http://www.newleftreview.org
و منشورة أيضا فيtariqali.org
بعنوان Tariq Ali : Letter to a Young Muslim

* يساري غربي من أصل آسيوي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي