الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيانة ... خيانة الذات

عبدالجليل الكناني

2007 / 9 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حين تذكر الخيانة يتبادر إلى الذهن سلوك امرأة خارج أطر الأعراف السائدة للعلاقات الزوجية . ونادرا ما تتبادر صورة الرجل وفق ذلك . فمجتمعنا ألذكوري يبيح للرجل الكثير , بل أن أغلب الرجال يتباهون بأعمالهم في اصطياد النساء , وحين تخون المرأة بنظرة أو بالنية أو بالرغبة , فقد يمارس الرجل البغاء تحت مسميات عدة منها مشرَّعة كما هو السائد في التعددية الزوجية وزواج المتعة وما شاكله ومنها غير مشرعة تسمى جسارة أو شطارة . وتقتصر الخيانة على ذلك .
وأما خيانة الوطن فهي أن يعمل الرجل أو المرأة لصالح جهة أجنبية , بصورة مباشرة , مقابل المال , كالجاسوسية والتخريب , وبالذات إبان الحروب , فهل تجزأ الخيانة إلى خيانة وطن , خيانة زوج , خيانة صديق ؟. أم الخيانة هي واحدة وتنبع من خيانة الذات ؟
كنت مع زميلين لي حين دار بينهما الحديث عن الخيانة وقد أشاروا , أنموذجا , إلى زوجة فلان التي ألفت عشق الرجال برعونة , والعياذ بالله , حتى وصل حد أن أنجبت أبناءا لا يشبه أحدهم الآخر ولا ألأجداد . وفلان رجل مرموق , ميسور الحال , ذو مكانة اجتماعية ووظيفية , كما لا تنقصه , كما يبدو , الرجولة . ولكن المسكين نائم ورجلاه في الشمس , ولعل ذلك بسبب حسن ظنّه بزوجته . ويحمد الله زميلي على حالهم , فالستر من الله .
أنا أعرف فلان كما أعرف زميليَّ هذين الذين ذهبا الى أبعد من ذلك في الحديث عن خيانة الحكام والقادة العملاء الذين يبيعون شعوبهم إلى البؤس لينعموا بالترف والملذات .
أفكار نبيلة بدافع الحرص والشعور الإنساني والغيرة . ولكنني حين أتأمل فلان المخدوع أكتشف أمرا مختلفا . ففلان هو الخائن وزوجته ضحية خيانته . وقد يتبادر الذهن , مما أدَّعي , أن لفلان علاقات مع نساء أخريات , وزوجته إنَّما بريئة كل البراءة . كلا ليست لفلان علاقات بالنساء , وزوجته أعلنت ابتذالها مثل كلبة . وكم هو صعب أن تتحول المرأة المعززة المكرمة في علاقتها الزوجية إلى كلبة !! وهي خائنة ... ولكن لمن لزوجها أم لذاتها ؟؟
وفلان ذو المكانة الاجتماعية , يحب المال ومع أننا جميعا نحب المال , الاّ أنه يختلف عنّا في سعيه لذلك , حتى أنه لم يعد يخجل من الأساليب التي يمارسها لجنيه , وهي أساليب لا تخلوا من الشطارة والحنكة والجرأة , التي يحسده عليها الآخرون بمن فيهم زميليَّ . اذ هو لم يكن يوما بالسهل الذي يُخدَع ( فيما عدا تلك الكلبة التي طعنته في ظهره ) وهو مسؤول والمقاولون طفيليات يقتاتون المال العام بأعمال أدنى من أثمانها المدفوعة قيمة , ولكن ما باليد حيلة وهي تخضع لقوانين المناقصات !!! كذلك تشاء الظروف !!.. الاّ أن فلان يأخذ حقَّه منهم . وهو صعب عليهم وان تظلَّموا أو تباكوا , حتى ظلوا يشكون من أنه صار شريكا لهم .. وليس الأمر سهلا فذلك يتطلب جدالا وعراكا وشحذ فكر وهمم مؤرقة ومجهدة , حتى أن زوجته قالت لي ذات يوم ( ويبدوا أن تلك طريقتها في رمي الشباك ) :-الحياة متعبة ولكم يتعب فلان , المسكين , حتى إذا احلّ المساء استلقى إلى جانبي كجثة هامدة !!
وذات مرة أرسل( أحدهم ) إلى فلان رسالة قاسية جدا , وبالإشارة إلى بعض الأسماء والحالات , أن زوجته تخونه . لقد كانت الرسالة التي قرأتها قبل إرسالها ,اذ يبدو أن مرسلها قد حرص على أن يطلع عليها كل من يطاله , كانت رسالة ذات عبارات مزمجرة مريرة ساخنة تحث فلان أن يثور لكرامته لرجولته أن لا يظل سخرية للآخرين وشرفه يداس ويمرغ بالتراب , أن يصحو من غفلته ويتخذ قراره الصحيح ويغسل عاره والا فهو لا يستحق أن يسمى رجلا وأنه مجرد إمعة وتافه وسلبي وجبان .. و...و ..
ولم يهتز فلان بل أن (الاحدهم) قضى بالسكتة الدماغية وكان في الواقع سبب موته ذلك القهر والعذاب المتصلين جرّاء معرفته بخيانة زوجته ,هو , على مرأى ومسمع الآخرين دون أن تكون له الجرأة الكافية لاتخاذ أي قرار أو تجاهل ما ينغص عيشه فهو لا يملك كسبا بديلا يعزيه
وإما فلان فقد كان أكثر قوة وواقعية بل وعملية فلم تزحزحه توافه الأمور عن ولعه الكبير لينال احترام وتقدير الآخرين .
وحين أقلِّب تلك الصور فإنني لم أجد غير نوع واحد من الخيانة ألا وهي خيانة الذات . فأموال البلد هي أموالنا وأمانتنا , ووظيفتنا هي مكانتنا وقيمتنا وشرفنا , وزوجاتنا وأزواجنا هم نصفنا المتمم لنا فان فسدنا فسد
وزميليَّ , هذين , لم يتباكيا على فلان ذي المكانة الاجتماعية القانع بعلم بحاله , انما يبثان خوفهما , فالشك يتأكلهما , طالما هما لم يرعيا أمانة تجسد قيمتهما ومكانتهما , وقد بدأت تفوح رائحة نتنة عن علاقتهما بالمقاولات المشبوهة , وهما حين يتحدثان عن خيانة القادة والحكام انما يبغيان تخصيص فعل الخيانة إلى أبعد من سلوكهما . وحين يتحدثان عن الخيانة الزوجية فانما يخشيان أمرا صار واقعا طالما انهما يخونان بعفوية وسلاسة ويجدان تبريرا لافعالهما .
وقد يجرأ أي منهما بسؤال نفسه :- مثة دولار تكفي لخيانة المسؤولية وشرف الوظيفة وبالتالي البلد فكم من المبلغ يكفي ليسمح لزوجته بأن تصبح كزوجة فلان الذي لم يمت بالسكتة الدماغية انما مازال محترما وذي مكانة ؟؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آبل تقترب من اتفاق سيحدث ضجة في عالم الذكاء الاصطناعي


.. إسرائيل تحول مستشفى الصداقة التركي في غزة لقاعدة عسكرية




.. طقس العالم.. فيضانات أودت بأكثر من 300 شخص في أفغانستان


.. تفاعلكم | تطورات قضية عصام صاصا المتهم بالقتل، مفاجأة في نتي




.. حركة نزوح خامسة لسكان غزة إلى منطقة المواصي ومدينة دير البلح