الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناولات العربية الراهنة للعلمانية

محمد سيد رصاص

2007 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكاثرت الطروحات العلمانية بالآونة الأخيرة في العالم العربي،ويلاحظ صدورها الآن،بعد عقود من الصمت عنها مارسه اليساريون والقوميون العرب،من قبل الليبراليين الجدد،فيماكانت ليبرالية النصف الأول من القرن العشرين محابية ومتحالفة أوغير متصادمة مع الاسلام والاسلاميين،كما رأينا في تجربتي حزب الوفد المصري أوحزب الشعب السوري وخاصة بعد أن وُصمت العلمانية في البلدان الاسلامية بالعداء للدين بسبب التجربة الأتاتوركية،فيماجاء الطرح العلماني العربي آنذاك من أناس أتوا من التيار القومي العربي مثل ساطع الحصري وقسطنطين زريق.
يلاحظ الآن أن الطرح العلماني العربي الجديد هو متصادم مع الدين وقريب من الطبعة الأتاتوركية للعلمانية،ويأتي من ليبراليين جدد،هم في حالة تماه مع المشروع الأميركي المطروح للمنطقة مع احتلال العراق،الشيء الذي لايمكن عزله عن حالة التصادم القائمة بين واشنطن والحركة الاسلامية العالمية،بعد انفضاض التحالف الذي كان قائماً بينهما ضد السوفييت في زمن الحرب الباردة.
فمن الواضح هنا أن مايحكم النظرة الليبرالية العربية المعاصرة إلى العلمانية ليست هي العوامل الفكرية،بل هي العوامل السياسية المتعلقة بالاسلاميين المواجهين بغالبيتهم الكاسحة للمشروع الأميركي،حيث إذا أخذنا الجوانب الفكرية فإن مايحكم العلمانية الأميركية منذ استقلال 1776 ليس نظرة علمانية قريبة من الأتاتوركية تريد فصل الدين عن السياسة والدولة(=secularism)،كماكان الأمر في التجربة الفرنسية منذ عام1905،بل نظرة علمانية أنكلو- ساكسونية(=laicism)آتية من التراث البروتستانتي -أثَرت فيمابعد في نشوء التيار الديموقراطي المسيحي عند الكاثوليك والبروتستانت-فصلت المؤسسة الكنسية الكهنوتية عن السياسة إلاأنها لم تضع عائقاً أمام نشوء تيارات سياسية من متدينين مدنيين(=laic)استلهموا ايديولوجيتهم السياسية من الدين ليضعوا برامجهم وحركاتهم السياسية في مجرى المعاصرة والقوانين المدنية القائمة،وهو مارأيناه منذ تجربة الحركة البيوريتانية التي حكمت انكلترا عبر كرومويل في خمسينيات القرن السابع عشر ثم قادت ثورة1688 الدستورية وصولاً إلى انجيلا ميركل وحزبها الديموقراطي المسيحي في ألمانيا.
لايمكن عزو هذه المفارقة إلى نقص الثقافة عند الليبراليين العرب الجدد(وإن كان هذا هو حال بعض مثقفيهم)وهم يتكلمون عن العلمانية وكأنها هي"فصل الدين عن الدولة والسياسة"ليضعوا بعد هذه العبارة نقطة على السطر،في وثوقية فكرية تذكرنا بوثوقية السلفي الاسلامي بذاته عندما يطلق أحكامه.فمن الجلي أن ذلك نابع من هدفية سياسية يرى الليبرالي العربي المعاصر في"العلمانية"وسيلة لنزع الاسلامي من الساحة السياسية ولإقصائه عنها(أكثر منها تعبيراً عن انشغالات فكرية وثقافية حقيقية)في عملية ايديولوجية واضحاً فيها كم أن"الطلاء المعرفي"قليل السماكة ليقبع تحته الهدف السياسي.
ولكن الملفت للنظر،في هذا الصدد،أن معظم الليبراليين العرب الجدد،المحولين أنفسهم نحو القبلة الأميركية،قد أتوا من أوساط يسارية ماركسية،كانوا يرون آنذاك في الماركسية،على الأقل فكرياً إذا عزلنا الضرورات والتكتيكات السياسية ،النقيض العدائي للدين،ويبدو أنهم مازالوا يحملون هذا النفس في طورهم الليبرالي الجديد.إلاأن الملاحظ هنا-إذا عزلنا الحالتين اللبنانية والعراقية-أن غالبية هؤلاء هم من أبناء أقليات دينية وطائفية وقومية،حيث الاسلام هو الدين السائد، أوهو "يتماهى "في تلك البقاع مع السُنة،أوهو مرتبط بالعروبة في شكل عضوي كما في الجزائر إلى درجة أن البربري القومي هناك يجد نفسه من خلال نزعته العلمانية المرتبطة بميوله القومية- المطلية بالفرانكفونية- في ضفة أخرى مضادة للتعريب والاسلاميين،وهي حالة لم تكن موجودة في زمن بومدين،قبل بداية المد الاسلامي السياسي بنهاية الثمانينيات،لما كان العداء للتعريب يرتبط بالتصادم مع جناح مهيمن بالسلطة الجزائرية.
يقود ذلك،كله،الليبرالية العربية الجديدة إلى نزعة فيها الكثير من الرهاب الفكري-السياسي الذي يختلط فيه العداء للاسلاميين بالعداء للاسلام،وهي تصل إلى حدود من العدائية(التي يتحدد فيها الإتجاه السياسي عبر الآخر والسلب)تشبه الكثير مماكان موجوداً في مكارثية الخمسينيات ضد الشيوعية.وهذا الرهاب يقود هؤلاء إلى تفضيل الديكتاتوريات،المتحالفة مع الأميركي كما في الجزائر وتونس ومصر،على فتح نوافذ العملية الديموقراطية،خوفاً من أن يفوز الاسلاميون بالسلطة عبر العملية الديموقراطية الإنتخابية،مفضلين الإقصاء والتهميش لقوى أساسية في الخارطة السياسية العربية،وهو ماقاد إلى حرب أهلية دموية في الجزائر وكاد أن يقود لذلك في مصر بالتسعينيات،وهومالم يستطعه عسكر تركيا الأتاتوركيون وعلمانيوها مؤخراً،بفضل قوة حركة اسلامية معتدلة مزجت نزعتها الدينية-المدنية-السياسية مع الديموقراطية والليبرالية،لتمنع عبر ذلك-وماقدمه لها المجتمع التركي من دعم في الانتخابات الأخيرة- تكرار تجربة انقلاب الجزائر العسكري في عام1992 الذي صفقت له باريس وواشنطن والعلمانيون الجزائريون والعرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة