الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من المعتقل بكفالة المنفى(3)

هاتف جنابي

2007 / 9 / 19
سيرة ذاتية


في كركوك الملونة، بسهولها ومرتفعاتها وشعلتها الدائمة وموزائيكيتها الاجتماعية والثقافية وعبقها الخاص، توثقت علاقتي بالأقليات الدينية والأثنية التي اغتنيتُ بفضلها روحيا وصرتُ أدافع عن كينونتها. بفضل كركوك أخذت أعود إلى أحضان الطبيعة التي افتقدتها لسنوات. هناك توثقت علاقتي ببعض الكتاب من أمثال جليل القيسي وجان دمو(نشرَ في العام 1975 في جريدة التآخي جزء من حوار طويل أجراه معي والظاهر أنه قد أضاع القسم الأهم منه!، أنظرْ تذييل قصيدتي "ذكريات شقة فارغة"). كان جليل(أبو أميمة) يستقبل ضيوفه القلائل عادة في غرفته-مكتبه المحاذي للباب الخارجي، بحيث لاترى من العائلة أحدا سواه. كان عادة ما يجلس قبالة منحوتة-بورتريه للسياب، وكلما نظر إليه شكا لي من ألم في رجليه، كان يخفف من وطأته بالمشي اليومي. تكررت لقاءاتي به في العامين 1975/ 1976، زارني في شقتي مرتين والبقية فضلها أن تكون في بيته حيث كنا نتناقش في امور حياتية وثقافية شتى، تتوجت في حوار طويل أجريته معه ونشر فيما بعد. أما المرحوم جان دمو فكان يرى في شقتي ملاذا له من "لهيب نفط كركوك" كما كان يكرر ذلك على مسمعي مقهقها. كنتُ أنا ألوذ كذلك من نفطها متنقلا بين محلة آزادي والقلعة والسينما وبيوت بعض الأصدقاء الخاصين. كما كنتُ أدخل بيوت الكلدو-آشوريين والأرمن مدعوا فأحتسي من نبيذها الزلال. لم أشربْ بعده نبيذا بهذه الكثافة والمذاق أبدا. كان يعمل في البيوت بوصفات مجرّبة عبر قرون، ويوضع في دنان زجاجية أو جرار خاصة ويقدم للضيوف أحيانا.
أعادت لي تلك المدينة بعضا من الطقسية الغائبة في بغداد، منحتني قسطا من حرية الحركة لكوني خارج العاصمة، إلا أنها زادت من همومي وقلقي الذي اتضح لي فيما بعد بأنه جزء من الحيرة العامة والخوف من المجهول الذي أخذ يعمّ العراق مثل كابوس وقدر لافكاك منه إلا بالمحق الشامل. على أن كل ذلك لم يمنعني من الشعور بفقدان ما أسماه ذات يوم الشاعر البولندي (تشيسواف ميووش) "بفقدان الأرض تحت القدمين".
حينئذ، تسربتْ إلى قاموسي الشعري هواجسُ وهلوسات وكوابيسُ وأحلامٌ ورؤى، جرى التعبير عنها في شعري، بمفردات وتراكيب وعناوين من قبيل: العزف على الجمجمة، عثرات، خيانات، أشباح، خذلان، المحق، الخراب، الكابوس، التراب، الغبار، الحجر، الحجارة، الجبروت، الغياب، الانسلاخ، مشاعية محبطة، التشظي، الأبالسة، الوباء، المُلاحَقة، شيخوخة العشب، مرثية العقل، أنياب السماء، جبل البلوى، حسرة الماء، تلويحة الذئاب، أرصفة مهجورة، رحيل، سيول، المكر، وردة الرمل، مديح المحبة، حذاء الوردة، خطوات الصحراء، الحسك، السراب، السديم، العماء، العَمَى، المجهول يستحضرك، نشيدُ العدم، الجحيم، من هنا البحر إنني بانتظاركم، أقنعة، رثاء الطبيعة، أحراش، مستنقعات، ذكرى المعادن، قلاع، ذاكرة الآتي ماضيا، أسمعك ولا تصغي إليّ، استغاثة النخيل، تهدل الكشح الفتي، غضون الطفولة، تلويحة الجبل، المجد للابتسامة، سراب، صداقة القسوة، ياعدوتي المحبوبة، أبوّة الجحيم، بسالة الوحشة، تلويحة الأفعى، الأنا المبجلة، احتضار، الطمي، أحلام وأباطيل، وهلمّ جرا. كلها تعابير وكلمات تشير إلى عالم تلقائي، وإيقاع حياتي- اجتماعي- سياسي وثقافي موروث يحتضر. طفولة ضائعة، جهد مشكوك فيه، تجربة شمولية قاسية ذات عواقب جدّ وخيمة، مستقبل تعبث به الرياح، منطقة ستشهد ظلامية ماحقة. زعزعة المفاهيم والقيم، ثمت دخول الحقيقة والحق والقانون إلى العالم السفلي، إضافة إلى اندحار مفهوم الشخصية المتفردة وخصوصية الفرد واستسلامهما لقبضة شمولية ماكرة بحق.
في العام 1973، بناء على تشجيع من بعض الأصدقاء شعراء ونقادا، قدمتُ مجموعتي الشعرية الأولى "من هنا البحر إنني بانتظاركم" إلى وزارة الإعلام العراقية بغرض نشرها ضمن سلسلة "كتابات جديدة". فصدرت أخبار في الصحافة تشير إلى قرب صدور "المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الشاب الواعد هاتف الجنابي". لكنني وبعد نصف سنة فوجئت برفضها "لأسباب لاعلاقة لها بالجوانب الفنية"، كما ذكر لي عبد الرحمن الربيعي في الوزارة بحضور الكاتب برهان الخطيب القادم من موسكو آنذاك الذي التقيته فيما بعد، مطلع التسعينيات، في مدينة بلومنغتن في الولايات المتحدة الأميركية فأصبحنا أصدقاء. أثارَ الموضوعَ متسائلا ومستهجنا حينئذ الشاعر شاكر لعيبي في مقالة مقتضبة له نشرت في إحدى الصحف العراقية. ما زلتُ محتفظا بها في أرشيفي الخاص. بعدها بسنة أخذ مني أحدُ النقاد العراقيين الأحياء مجموعة شعرية أخرى بعنوان "المحاولة الثالثة" للمساعدة في نشرها، ولم يُعرفْ مصيرها حتى اليوم. كان ذلك الحدث بمثابة إنذار مبكر لي بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر. على أن من مفارقات القدر، وكما اتضح آجلا، أنه بسبب قلة لقائي المنطقي والمعقول بالوسط الثقافي والأدبي على الخصوص، وعدم انتمائي للحزب الحاكم، قد تكوّنتْ عني فكرة وانطباع خاطئان وساذجان، بأنني ناشط في صفوف المعارضة مهم وخطير! لحقتني هذه السمعةُ المُضللة إلى منفاي الأوروبي، فاستأنستُ بها لفترة!
لكركوك الفضل الأول في رحيلي في (آب 1976) عبر معبر زاخو الحدودي الذي وصلته من بغداد في حافلة كبيرة عند الغبش، خوفا من المطار، بجواز سفر كان يُمنح لمدة أربع سنوات، لكنه اخْتُصِر لي بسنتين فحسب، بحقيبة صغيرة وبعض الكتب وحفنة من الدولارات ودموع أبي الذي ودّعني وكأنه أحسّ بأنني لن أعود سريعا. يبدو أنني كنتُ مراقبا بدقة رغم حذري الشديد وتحركاتي غير المريبة. كانت عيونُ السلطة في كل مكان، بحيث أصبحَ لها قسط لابأس به من أحلامي!
اجلسْ في المقهى ترَ مَنْ يتلصصُ عليك، اجلسْ في الحانة تجدْ مَنْ يرفع كأسَه محييا. نديمك القلقُ فالأرقُ:
"مرحبا أيها الأرقُ فرشَتْ أُنسَا لكَ الحدقُ
لك منْ عينيّ منطلقٌ إذْ عيونُ الناس ِتنطبقُ
لك زادٌ عنديَ القلقُ واليراعُ النضوُ والورقُ"(الجواهري، مرحبا أيها الأرق)
اكتشفتُ بعد الخروج من القمقم العراقي ودخولي الأراضي التركية أن عليّ الشروع بترتيب أوراق حياتي وتبويب فصولها من جديد. غفوتُ طويلا، فأيقضني جاري في أنقرة، استيقظ يا رَجل، وكلْ من فاكهة الترك، تعارفنا وإذا به الكاتب المصري ( رؤوف مسعد) الذي جمعتني وإياه الصدفة فصرنا أصدقاء عن بعد. كان رؤوف متجها إلى بولندا فقلتُ له: وأنا سأسافر إليها كمان. ضحكنا وتناقشنا حتى أغلقَ أفواهَنا النومُ. حينما دخلنا بخارست، قال لي: سيسافر إلى بولندا عبر الاتحاد السوفيتي، كانت لديه تأشيرة مرور أخذها وهو في بغداد حيث كان يعمل في المؤسسة العامة للسينما والمسرح العراقية ولم تكنْ لي مثلها، فذهب معي بغرض المساعدة إلى سفارة الاتحاد السوفيتي طلبا لتأشيرة المرور فرفضوا منحي إياها بعد نقاش عقيم مع القنصل. كانت تلك أول صدمة لي كلفتني عدة أيام إضافية وخسائر لم أكنْ مستعدا لتحملها. دخلتُ وارسو بالقطار بعد توقف في بلغراد لمدة يومين، قضيتهما لدى سودانيين لطفاء جدا قد أعانوني في حيرتي البلغرادية.
من وارسو بدأتْ رحلة المنفى الحقيقية بقطار من الدرجة الثانية. حصلت فيها على منحة لدراسة الأدب واللغة البولندية ومن ثم التخصص في مجال المسرح. بعد مرور عشر سنوات على إقامتي أخذتُ أكتب باللغة البولندية كذلك، فأصبحتُ عضوا في اتحاد أدبائها ونادي قلمها وأصبحت منغمسا تدريجيا في حياتها الثقافية والأدبية. لكنني كلما مضيتُ فيها خطوة إلى الأمام تراجع اسمي خطوة في بلادي من حيث التعتيم وانعدام النشر حتى اصبحت في عداد الأدباء المفقودين! كتبت وبحثت وترجمت ونشرت وكُرّمتْ، وتعرفتُ على أسماء شعرية وأدبية بارزة بولندية وعالمية. وحينما دخل اسمي في قواميس الكتاب وأنثولوجيات الشعراء أصبحتُ أكثر غربة من ذي قبل وخوفا من نفسي. شكلت سنوات الثمانينيات البولندية تجربة ودرسا بليغين لي.
أتذكر، مرة أثناء افتتاح مهرجان الخريف الشعري العالمي في وارسو منتصف الثمانينات(أحد أكبر مهرجانات الشعر في أوروبا آنذاك)، كيف وقفَ الشاعر (رسول حمزاتوف) بمعية زوجته دون أن يكترث بهما أحد! كان ينظر عبر شبّاك نادي الاتحاد وكأنه يرتقب رسولا من سماء أخرى. اقتربتُ من أحد أصدقائي المنظمين وقلتُ له: أتعرفُ ذلك الشاعرَ الفارعَ القامة؟ فأجابني: لا، ومنْ يكون؟ قلتُ: مؤلف "داغستان بلدي". لا، للأسف، لم اقرأ هذه الرواية!
الظاهر، لقد تمتْ دعوته من قبل أحد أعضاء اللجنة المركزية لحزب العمال البولندي الموحد كعضو لجنة مركزية للحزب الشيوعي السوفياتي أولا وكشاعر ثانيا، ثم تم نسيانه، أو تجاهله، لأنّ مَنْ دعاه لم يحضْر! شعرتُ حينها بالخيبة والتقزز، وانتابني إحساسٌ غريب، بأن شيئا ما سيلوح في الأفق القريب، مُغيّرا وجهَ العالم. يا لها من دلالة على زوال منظومة سياسية- فكرية- ثقافية لم تنجُ من دهاقنة ومتزلفين ودعاة فارغين وَأدوها قبل أن تفعل شيئا له فعل الأثر الأركولوجي. لكن، هل كان بإمكانها حقا أن تنجز مثل ذلك الأثر الموعود؟ كنت ُأشك في ذلك، ويا ليتني كنتُ مخطئا.
في فترة الطفولة والمراهقة كان الخاص طاغيا على العام بحيث جاءت مقولة النفري: "إذا لم يعمل الخاص على أنه خاص هلك" مطابقة لمنطق حياتي. أخذ الخاص يتقهقر بدء من الجامعة وحتى أواسط الثمانينيات تحت وطأة العمل الجماعي وسطوة الأفكار الاشتراكية والدينية والشمولية.
الكل: الدين والقبيلة والحزب والأيديولجيا السائدة في السوق، تفوح منها رائحة الشمولية ووجوب خدمة منطق العمومية لا التفرد والخصوصية. من يخرج على ثقافة الجماعة يهلك. عليك أن تبقى جنديا مطيعا ووفيا للجميع، باستثناء ذاتك. من بين المفارقات في حياتي الأدبية، أن أول ديوان شعري يصدر لي متأخرا، كان باللغة البولندية/ مترجما من العربية! وأول مختارات شعرية صدرت لي كانت باللغة الإنجليزية أولا، ومن ثم بالبولندية وبعدها جاء دور العربية! وارسو ليست لندن ولا باريس ولا ولا، إذ لايوجد فيها أية مكتبة عربية ناهيك عن دور النشر العربية. كتبت تحت تأثير حالتي ذات يوم ما يلي:
"ابك، ابكِ، أيها الشاعر
لعل دموعك تصير لآليء"
في 1986 صدر في وارسو كتيب هام للغاية للشاعر (تشيسواف ميووش) بعنوان: "شهادة الشعر – ست محاضرات عن مواجع قرننا" لفتت انتباهي الفكرة التالية: " التعميم عدو الإنسان الحقيقي". لقد أيقظتْ تلك العبارةُ في نفسي شرَهَ العودة إلى الخصوصية، فشرعتُ بمواجهة التعميم باللجوء إلى التكثيف ومتابعة التفاصيل والجزئيات والغور في الداخل أكثر من ذي قبل. حتى بلغتُ مرحلة يصلني فيها صوتُ الناس بمقدار ما أريد. إذا اردتَ أن تفعل شيئا جماهيريا ينبغي أن تختلط بالجماعة، لكن إذا نويت كتابة شيء ذي قيمة فما عليك سوى إيجاد فسحة لعمل ذلك خارج العمومية.
المنفى يبدأ منذ اللحظة التي تُضْطَرّ فيها للمغادرة ويستمر حتى تزول أسبابه. المنفى يمنحك الحرية وسعة النظر وقوة الإرادة، لكنه لن ينقذك من مصير مواطن من الدرجة الثانية، والسفر بقطارات الدرجة الثانية. ولكل قاعدة استثناء!
من أين أنت يا حبيبي؟ أنا من الكوسموس أو الأسكيموس، لا فرق. سؤال يتردد على لسان الأغلبية التي لاتعرفك، يلسَعكَ شتاءً ويشويك صيفا. أذكر، حينما كنتُ مدعوا لإحدى الحفلات الطلابية في كامبوس جامعة إنديانا، رقصتْ معي فتاة وسألتني ذات لحظة: منْ أينَ أنت؟ قلتُ محرجا ومتهيبا وخائفا من ذكر اسم العراق: من بولندا(كان ذلك مباشرة بعد عاصفة الصحراء)، حدجتني بنظرة ازدراء، وقالت لي: ألستَ عربيا؟! نعم، قلتُ، لكنني قدمت من وارسو لأنني أعيش فيها، ثم ما للعرب والعجم بالموضوع؟ فتركتني فورا واختفت في زحمة المحتفلين. سالَ عرَقي وعِراقي فشعرتُ بلزوجة العار تغطي كياني. نعم، كان للعرب دور في تلك الحادثة الصغيرة، لأن طالبة عربية قالت لزميلتها -تلك الفتاة: انظري لهذا العربي الحقير الذي أهملني!
في العام 1979 وصلتني لأول مرة دعوة للمشاركة في مهرجان شعر الشباب المنعقد في مدينة (غنيزنو) – أول عاصمة لبولندا. كانت الفعالية مهمة للغاية، لأنها جلبت لي علاقات شعرية وأدبية كنتُ بأمس الحاجة إليها. وصلنا إلى مكان المهرجان بحافلة أقلتنا من وارسو. كان جالسا خلفي (بيوتر كونتسيفيتش) وزوجته، كان بيوتر أحدَ أشهر النقاد البولنديين، أصبح فيما بعد رئيسا لاتحاد الأدباء البولنديين. بادرني بأسئلة استفزازية، من قبيل: هل تعرف ماذا يفعل السائحون العرب في وارسو؟ ولماذا دولة صغيرة مثل إسرائيل قد هزمت أمة كاملة؟ وما هو دور العرب في الحضارة الحديثة. قلتُ له: سأجيبك عن السؤال الأخير بسرعة وأقول لك: لاشيء. أما السؤال الأول فهو سخيف لأنه من الضروري أن تسأل عن الطرف المضيف، وهل هؤلاء السواح الفاسدون يلتقون بعائرات وقوادين وسماسرة من كوكب آخر أم من بولندا ذاتها، وفيما يتعلق بالسؤال الثاني فمن الأفضل أن تقول لي: لماذا هذه الدولة تتحكم بكم أنتم الأقوياء المتحضرون قبل غيركم؟ كانت إجاباتي قاطعة ولكن بأسلوب تغلب عليه الفكاهة. حينئذ، طبطبَ على كتفيّ ودعاني بعد عودتنا من المهرجان لزيارته في وارسو. كان هذا الناقد هو الذي قدم أمسيتي الشعرية الأولى(1980) في نادي(هبردي) الشهير آنذاك والذي سُمِّيَتْ حركة شعرية بولندية حداثوية مؤثرة باسمه. وقام بنشر مقدمته فيما بعد مع مجموعة من قصائدي في المجلة الأسبوعية البولندية المعروفة آنئذ(رازم)، مشبها دوري على الصعيد البولندي بدور كونراد البولندي الأصل على الصعيد الإنجليزي، فضحكت لهذه المفارقات العجيبة والحياة الخرافية. مات صديقي مؤخرا وانتهت مرحلة كانت تنتمي إلى أدب وثقافة السنوات المنصرمة: موت النظام السابق، حتى أن غالبية المجتمع البولندي لم تعدْ تتذكره. لقد ماتَ كبار ممثلي تلك الحقبة من الكتاب والفنانين والسياسيين. مَنْ ينظر إلى الوراء باستمرار يُصِبْهُ الصدأ وتلتف حول عنقه الخيبة.
كنتُ انتظرتُ العودة إلى العراق حوالي خمس عشرة سنة، بجواز سفر غير صالح، وأوراق مؤقتة تُمَدّدُ كلّ نصف سنة بفضل محاضراتي في جامعة وارسو. لم أطلب الإقامة خلالها ولا الجنسية. والآن أشهدُ قُربَ نهاية العام الحادي والثلاثين، فلم يَعُدِ العراقُ لي، ولم أتمكنْ حتى اليوم من هضم كل ماجرى. إنها حجارتي تسّاقط من فمي.
كانت أمي، بعد موت أخي الأكبر في مهده(لا اسم له)، وأختي الصغرى(أمل)، وأخي الرضيع (عادل)، وأخي (محمد) المضرج بدمه على الرصيف، قد دأبتْ على تعليق ثلاث صور في البيت: للمسيح، ومريم العذراء والإمام علي. وَلدَى تساؤل الفضوليين، كانت تجيب: درْءا لغفلة الحياة!

سمعتُ أنها قد أضافتْ إليها صورة ابنها الذي لم يَعُدْ من غيبته*

ما هي أخبارك أيها المنفى الخرافي؟ ألمْ نكنْ نديمينِ وخصمينِ معا في في أربع قارات: في العراق وبولندا والجزائر وأميركا؟
مقاربة ذلك في الفصول اللاحقة.
* لقد سقط هذا الهرم الحياتي بموتها في 31 آب 2007.
* شهادة الشاعر هاتف جنابي التي كان من المزمع المشاركة بها في مؤتمر الكتاب العرب في المهجر المنعقد في الجزائر في الفترة مابين 24 -28 حزيران 2007. لم تلقَ بسبب انسحابه من المؤتمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث