الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاصدوا الشر

محمود جابر

2007 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع بداية شهر رمضان الجاري لاحظت أن لافتات وملصقات جماعة الإخوان المسلمون – وكالعادة – ملئت جدران الحوائط وأعمدة الإنارة لكن الملفت للنظر أن هذه الملصقات اختلفت في محتوياتها عن الأعوام الماضية ، فهذه الملصقات ركزت وبشكل اساسى حول المال وجمعه أو تحصيله من الناس وكان نص الحديث الشريف الذي استندت عليه الجماعة هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره ) والسؤال المبدئي المستحق للإجابة وأين يذهب هذا الشر وهو ما سوف نجيب عليه في نهاية المقال ، بيد أن هذا السلوك وأن كان سلوك أساسي لدى الجماعة غير أن وضوحه على هذه الملصقات هو الذي يدعوا للدهشة والتحليل .
منذ مطلع العام 2005 والحوار بين الإخوان و الحكومة المصرية أخذ وتيرة متصاعدة في حدتها وخاصة بعد أن حصد الإخوان المسلمين 88 مقعد في البرلمان المصري ولتصبح الجماعة صاحبة اكبر كتلة برلمانية بعد الحزب الحاكم ، بعد أن تداعت الحياة السياسية واضمحلت اضمحلا شديدة بسبب التضييق والتصفية التي قام بها كلا من النظام السياسي الحاكم بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين كجماعة أساسية وبعض الجماعات التي لعبت دورا ثانويا فترة من الزمان ثم ما لبثت أن تلاشت أو خفت بريقها .
الحاصل أن الأوضاع السياسية المصرية وكذلك الأوضاع السياسية الإقليمية تشهد تغيرات هائلة رغم استاتيكية الأوضاع في كثير من أقطار الإقليم نظرا لافتقاد الإرادة السياسية للعديد من القوى الإقليمية والقوى الداخلية وعدم امتلاكها لمشروع ما أو رؤية للتغيير ، حتى باتت التغيرات في المنطقة مرتهنة بالاستقطاب الحاصل بين المحور الأمريكي الصهيوني صاحب التحالفات العربية والإقليمية . ومحور الإسلام السياسي المتحالف على المستويات عديدة مع الإمبريالية الغربية والمتشابه عنصريا مع الصهيونية - وأن تناقض الشبيهين - في الهدف التكتيكي والاستراتيجي على السواء . ومحور التمدد الشيعي المندفع بدافع مظلوميته التاريخية والمحتمى بكيان الدولة الإيرانية .
وعودة على بدء ... وهو موضوع حاصدوا الشر .
جماعة الإخوان المسلمون والتي كعادتها تحسب أن الهمس رعدا ، وتظن أن مازال في مصر دولة وهى تحسب حساباتها على هذا وتبنى تصوراتها على اليوم الذي تنهار هذه السلطة فجأة فتقوم هي بسد هذا الفراغ منفردة أو متحالفة مع الطرف الأقوى المتصارع .
حين جمعتني الصدفة قبل أمس الأول بأحد أعضاء الجماعة والذي تربطني به علاقات عائلية ولأمر ما حدثني هذا العضو العامل عن رسالة المرشد التي جاءت إليهم الاربعار الذي سبق أول أيام رمضان والتي تحمل عنوان ( الجهاد والخلافة الإسلامية ) كان الرسالة متممة لفهمي حول هذه الدعاية والملصقات التي ملئت الجدران ووجدت أن الرسالة إضافة للملصقات تهدف إلى أهداف ثلاثة هي :
- الهدف الأول : استخدام المناسبة الدينية لحصد أكبر قدر من المال لا بهدف حاجة الجماعة إلى هذا المال ، لكن تحت قاعدة الأكثر حصدا للمال هو الأكثر شعبية وانتشارا في الأوساط الاجتماعية المختلفة خاصة الطبقة الوسطي البرجوازية والطبقي العليا الرأسمالية ، كذلك منع هذا المال للوصول إلى أى قوى سياسية أو اجتماعية للاستفادة منه وتوسيع من قاعدة نفوذها على حساب قاعدة و نفوذ ووجود الإخوان المسلمين وبذلك فالجماعة تعمل على تجفيف منابع الجماعات الأخرى بمنعها من الوصول إلى مصدر من أهم المصادر التمويلية الغير مكلفة والبعيدة عن مخاطر القانون نظرا لان الجماعة تجمع هذا المال تحت غطاء ممتد وكبير من الجمعيات وكذلك العلاقات والاتصال الشخصي بين أعضاء الجماعة ودعاته وجمهور الناس .
- الهدف الثاني : التمويه والتخفي وهى خطة اعتمدتها الجماعة بعد الضربات الأمنية المتلاحقة للشخصيات القيادية في الجماعة وأصحاب الشركات الذين يكونون في مجموعهم الحافظة المالية للجماعة ، وبذلك فقد إرادة الجماعة أن ترسل رسالة إلى النظام متمثلا في (جهاز امن الدولة ) ، والذي أثبتت قضايا المحاكم العسكرية فشل قيادته على المستوى الامنى الفني والمهني ، فكانت رسالة الجماعة لهذا الجهاز (الذي أصبح ليس أرقى من جهاز البصاصين لدى السلاطين في الأزمنة الغابرة ) إن رأس مال الجماعة أغلبة أو أكثرة أو مجملة على حد سواء يأتي من تبرعات أهل الخير ومن الزكاوات التي يخرجها المسلمون في المناسبات العديدة وخاصة شهر رمضان ، وليس تمويلا من الخارج ، وهو الأمر الذي تعلمه القيادات الأمنية في مصر دون أن تمتلك القدرة الفنية أو الأمنية وربما الإرادة السياسية على ضبط التحولات التي تنهمر على الجماعة من دول الخليج أو غيرها .
- الهدف الثالث : تعظيم تيار الجماعة : وحيث أن تنظيم الجماعة يقوم على الأخ العامل والأخ المنتسب والأخ المحب وهو (تيار جماعة الإخوان ) ،وهو الذين يميلون إلى سلوك الجماعة والجمهور المؤيد لمواقفهم ، وبما أن عملية الزكاة أو جمع هذا المال في الغالب تتم من خلال الاتصال الشخصي أو بعد الوعظ في مساجد الجماعة أو المساجد المتماسة مع منهجهم هنا يتحول الدافع لهذه الأموال من فرد متزكي لتطهير ماله ( وفق أوامر الشريعة الإسلامية ) إلى فرد يدفع مال مقترن بموقف سياسي ومؤيد للجماعة وبهذا تستطيع الجماعة أن تحول المجتمع أو الجمهور المسكوت عنه من جمهور عام إلى فضاء أو تيار مساند لها يمكن أن تحشده في ساعة الصفر التي تنتظرها الجماعة ثم لا تأتى هذه الساعة لماذا ؟
لسبب بسيط هو أن هذه الجماعة لا تملكك الإرادة السياسية للحكم وخاصة في بلد المنشأة رغم أن الحكم أحد أهم أهدافها الاستراتيجية لكن وبما أن هذه الجماعة كانت ومنذ البداية جماعة وظيفية قامت لخدمة غيرها ، فأن الشروط الموضوعية لوجودها ما تزال متوفرة رغم تغير بعض المظاهر السياسية غير انه تغييراً شكلياً وليس تغييراً موضوعياً ، من هنا فإن الفترات القادمة التي ستشهد حشدا سياسية ومعنويات وتراكما ماديا داخل الجماعة ، مع التذكرة بان الجماعة ليس لديها القدرة أو الإرادة السياسية للوصول للسلطة الملقاة على قارعة الطريق اليوم مثلما كانت قبل الثورة ، لهذا فإن هذه الذي تملكه الجماعة وغير قادرة على الاستفادة منه سوف تكون قوة مضادة للمجتمع سيظهر أولا في شكل انتشار المزاج العام المتعصب دينيا والمشجع للعنف والإرهاب ، وسوف تشهد الأيام والسنون القادمة تولد تيارات و جماعات راديكالية أو أكثر راديكالية ، وعليه فان المجتمع المصري مرشح لموجة جديدة من العنف الذي ستنتجه هذه الجماعة وحاصدوا الشر .


* باحث وكاتب مصري متخصص في الإسلام السياسي والمشرف على منتدى الفكر بمركز يافا للدراسات – القاهرة – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa