الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاجات الجسد أطهر من حاجات الروح

سعدون محسن ضمد

2007 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا أعرف لماذا فوجئت وأنا أشاهد التراب قبل أيام حيث كنت أتجول بمنطقة زراعية. ومع أنني أُدرك أن قسماً كبيراً من تلك المفاجأة راجع للزمن الطويل الذي مرَّ علي ولم أشاهد فيه الوجه الطبيعي للأرض. لكنني من جهة أخرى أعرف أيضاً أن جانباً آخر من هذه المفاجأة راجع لانشغالي آنذاك بالتساؤل عن معنى الجسد... وحقاً ما معنى الجسد؟ كيف نُعرِّفه وأين نقف من حاجاته؟
مع أن هذا السؤال شغل مفكري الحضارات الأخرى منذ زمن طويل، إلا أننا لا نزال نقف على التل منه. بالنسبة للآخرين كان محل جدل واسع بين مدارسهم الفلسفية التي وصل الأمر عند بعضها حدَّ اختصار الوجود الإنساني بالجسد فقط، وعند بعضها الآخر حدّ تهميش الجسد لدرجة مساواته بِمَرْكَب نهري لا يفعل شيئاً أكثر من نقل راكبه من ضفة الى اخرى.
مشهد الوجه (الترابي) للآرض نقل التساؤل عندي من حدّه البشري إلى حدّه الكوني، وكان الجواب لحظتها بسيطاً لهذه الدرجة:
فبمجرد أن لمست التراب أدركت بأن الجسد هو الواقع، هو الحقيقي، وهو التراب الساخن، المادة التي اقشعر بدني لحظة تحسسها، البعيد في وضوحه ومباشرته. الخارجي والمكشوف والنافع والقابل للتحكم هو الجسد.
الجسد هو المسؤول عن إدامة البقاء وتمويل الحياة بكل ما هو ضروري ونافع. الجسد كل شيء، وليس وراءه إلا الفراغ. البقاء وصراعه، البناء بكل جدله، الديمومة بنبضها الجامح... الجسد كل هذه الأشياء.
مع ذلك نـحن نتعامل مع الجسد بمنطق آخر. أي بمنطق النفي، فنحن ننفي الجسد، ونتبتل بمحراب الماوراء. ربما لذلك يسهل علينا جداً أن نذبحه أو نفخخه. نـحن لا ندرك معنى أن الجسد مملكة، كما أننا لا ندرك بأن فرصة الحياة داخل هذه المملكة لا تتكرر أبداً. وهذا ما يسهل علينا تدميرها.
العلاقة بيننا وبين الجسد محكومة بمنطق الثأر فبيننا وبين الجسد ثأر الخطيئة ربما، الوجود الجسدي عندنا خطيئة يجب التكفير عنها بالتجرد عنه. رداء نستعجل نزعه، لكن علينا أن نتساءل: ماذا سيبقى من الإنسان إذا نزع لحمه وعظمه ودمه ونبضه ووعيه ووووالخ.. هل سيبقى منه شيء غير الفراغ؟
لأننا تجاوزنا الجسد لماوراءه صارت منجزات حضاراتنا ما ورائية وليست جسدية. لدينا أنبياء وأولياء ولدينا سحرة ومنجمون وروحانيون، لكن ليس لدينا مخترعين، والسبب كما قلت أننا منهمكون باستكشاف ماوراء الواقع على حساب الواقع. والمشكلة أننا لم نـحقق على صعيد استكشاف الماوراء شيئاً ذي بال. نعم النبوة إنجاز، وهي إنجاز خاص بالحضارات الشرقية. هذه حقيقة، ومن المؤكد أن الحضارات الغربية لا تزال مُخْتَرقة بالنبوة الشرقية وخاضعة لأديانها. لكن المخيف، أننا لدينا ثلاث أنبياء فقط، منذ أكثر من خمسة آلاف سنة لم تنجب حضارات ماوراء الواقع أكثر من ثلاثة أنبياء فقط، بينما أنجزت حضارات الواقع آلاف المخترعين، وهذه حقيقة مضحكة مبكية بنفس الآن. من جهة أهم نجد بأن المتبتلين بمحراب الروح ـ بالأخص منهم الذين يحاولون التنكر للجسد بالتجرد عنه ـ ومنذ آلاف السنين لم يحققوا شيئاً ذي بال أكثر من الارتفاع عن الأرض لعدة أمتار أو المشي على الجمر، أو ما إلى ذلك، حسناً لنعترف بأنها إنجازات، لكنها إنجازات غير مفيدة من جهة ومن جهة أهم هي غير متطورة، هذه الإنجازات تتكرر بشكل بائس. غير أن الأمر على خلافه بالنسبة للمتبتلين بمحراب الجسد، فهؤلاء طوروا من عملية ارتفاعهم عن سطح الأرض حتى أنهم وصلوا المريخ. فأية مقارنة مخزية بين التبتلين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية