الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المذعور في قضية حجازي والبدري

أحمد عبد الرازق أبو العلا

2007 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الذي لفت نظري في المعركة الخائبة التي تدور رحاها بين الشيخ : (يوسف البدري) وعدد من المثقفين ، الذين دافعوا عن الشاعر :( أحمد عبد المعطي حجازي ) - المتهم بسبه والصادر عليه حكم استئنافي بدفع عشرين ألف جنيه تعويضا- هو ذلك الذعر والقلق ، الذي انتابهم لمجرد أن لجأ إلي القضاء في أمر أعتبره - من وجهة نظره - أمرا شخصيا ، حيث اتهمهم بسبه !! وذلك حين ذهبوا إلي مكتب النائب العام وقدموا بلاغا محتواه( أن الشيخ يوسف البدري دأب علي التحريض ضد المثقفين، واتخذ ذلك شكل مطاردتهم برفع الدعاوي القضائية ضدهم ، وضد كل فكرة يمكن أن تعتبر تجديدا في الفكر والممارسة الإسلامية.. وأضافوا: وكان يمكن أن تكون ممارسات البدري حدثا عابرا لايستحق التعليق أو التوقف عنده لولا أن خطورته تكمن في أنه يعبر عن ظاهرة أوسع: مطاردة الفكر الديني المتعصب للثقافة والمثقفين، وللإبداع بأنواعه في عالمنا العربي والإسلامي، فضلا عن أنها تتيح لأي شخص موتور أن يشهر سلاحه بهدف الدفاع عن الدين ضد هذا المثقف أو ذاك الشاعر..
وشددوا علي أن المدعو يوسف البدري لم يتخرج من الأزهر، وليس عضوا في مجمع البحوث الإسلامية أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وقالوا إنه رغم ذلك يحرص علي أن يسبق اسمه لقب الشيخ أو الداعية، وهذا مايضفي علي تصريحاته المعادية للمثقفين خطورة حيث يخلق مناخا عدائيا ورأيا عاما ضد أشخاص بعينهم، وهو ما يسبب خطورة علي حياتهم(.. .. وهذه الواقعة - برمتها- لا تكشف- فقط - عن حالة الفزع الذي أصاب المثقفين ، بل تكشف إلي أي مدي استطاع التيار الديني - بمن يمثله ، سواء كان شيخا أو غير شيخ - أن يربكهم ، وينهك قدرتهم .. هذا الإرباك ، وذلك الإنهاك يُعد مكسبا يُضاف إلي رصيدهم ، كما أضافوا من قبل عددا من المكاسب ،أثناء واقعة الحجاب التي ساقوا إليها وزير الثقافة نفسه ، فأربكوه ، وأنهكوا قواه ، و اضطر- في النهاية - للذهاب إليهم موضحا موقفه أمامهم ، معلنا أنه كان يمارس حقه في إبداء الرأي ، وأن الموضوع كله ليس إلا ممارسة لفعل الحرية .. ويصير الحديث عن ممارسة فعل الحرية ، مجرد كلام لا قيمة له ، لأن معظم هؤلاء المذعورين ، يملكون - منذ سنوات- منابر ومناصب يستطيعون من خلالها ، تبني تلك القضية ، بشكل فاعل ، لو أرادوا!! وممارسة فعل الحرية ( حرية الكاتب وحرية الكتابة) لا تعد - للأسف الشديد- من اهتمامات وزارة الثقافة ، ولا تُعد أساسا استراتيجيا تقوم عليه سياستها ، التي اهتمت- فقط- بعمليه تدجين المثقفين ، وتدريبهم علي انتهاج سياسة الإتباع !! والقضاء - نهائيا - علي فكرة استقلال المثقف ، تلك الفكرة لو كانت حقيقية وراسخة بحق ، لما تمكن الشيخ يوسف البدري أو غيره من المشايخ ، أن يمار سوا الترويع ، الكاشف عن ضعف وهشاشة قدرة المثقف علي المواجهة الفكرية والعقلية ، فهو لا يتحرك تجاه الأمور المتعلقة بالفكر ، إلا إذا مسته الأخطار مسا مباشرا وفرديا!! ، لكن أن يتعرض غيره ،لنفس الأخطار، فلا موقف ولا يحزنون و( أنا ومن بعدي الطوفان)!! والوقائع المتعلقة بأمر الحريات - في السياق الذي أشير إليه - وقائع كثيرة ، من الضروري أن نفتح ملفها ، لنناقش الانتهاكات التي تمارس ضدها ، ليس فقط من قبل التيارات الدينية ، ولكن من قبل النظام أيضا!
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هذا: لماذا صار المثقف مذعورا، وخائفا، ومرتجفا، ومتهافتا؟ في فترة تتطلب منه اليقظة ، والمواجهة ، وتحديد موقفه بوضوح تجاه كل مايحدث في واقعنا الآن، وليس تجاه ما يحدث من فرد واحد ،فالأمر - بهذه الصورة - يبدو أمرا شخصيا صرفا ، حيث إنهم يتهمونه بأنه ليس أزهريا !! وليس عضوا في مجمع البحوث الإسلامية ، وكأن تلك الصفة تُعطي الحق لصاحبها لكي يمارس سطوة الرأي الواحد ، والإرهاب الفكري، في حين أنني كنت أتخيل أنه لا ينبغي الوقوف علي صفة الشخص لكي نحكم عليه ، خاصة وأن مواقف بعض رجال الأزهر ، وبعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية لم تكن مواقف ايجابية بل كانت متشددة تجاه أمور وقضايا ثقافية وإبداعية ، ولعلنا نتذكر أزمة وليمة لأعشاب البحر ، وأزمة الروايات الثلاث ، لنؤكد علي أن هؤلاء - جميعا - هم الذين أشعلوا فتيلها ، فهل كان مطلوبا منا أن نتقبل موقفهم لكونهم من رجال الأزهر ،أو لأنهم أعضاء في مجمع البحوث ؟؟ ذلك التخبط سببه الذعر الذي أتحدث عنه الآن وبالطبع أنا لست مع موقف البدري أو غيره من الأشخاص الذين يتعرضون لأمور فكرية ، أو خلافية ، ولا يتقبلون الرأي المناهض لما يطرحونه ، فيمارسون الإرهاب باسم الفكر ، وباسم الدين ،!! وأيضا لست مع المثقفين - علي الطرف الآخر - الذي يمارس الإرهاب نفسه، باسم الدفاع عن الحرية!! في مواجهة شخص يظن أنه العدو الأول والأخير، ولست - أيضا- مع أحد حين يتجاوز في تعامله مع الآخر ، ولذلك أقول : إن الأدوات المستخدمة بين الطرفين، أدوات تكشف مقدار التهافت، والاضمحلال ، وتدني لغة الحوار الفكري والثقافي والسياسي في حياتنا الآن!!
أن الدفاع عن فكرة الحرية، لابد أن يستند علي أساس موضوعي مؤداه: أنه ليس من حق أي أحد أن يمارس حق منحها أو منعها، وهذا هو ما ينبغي أن يكون جديرا بالمناقشة، وجديرا بالاهتمام.. وليس تبادل الاتهامات التي ستجعل الجميع يقفون أمام القضاء ، الذي لا يفرق بين مثقف أو مثقف آخر ، ولا يفرق بين مثقف ورجل دين ، لاستناده إلي قواعد ينبغي أن يحترمها الجميع ، فمن حق البدري أن يعبر عن رأيه بالطريقة التي يراها ، ومن حق المختلفين معه أن يعبروا بالشكل الذي يرونه ، ولنتفق - جميعا - علي أن ممارسة الحرية حق مكفول للجميع . ومن التناقض - مثلا - أن يصدر بيان عن اتحاد الكتاب، يُذكر فيه أن الحكم لم يفرق بين قضايا السب والقذف، وبين قضايا حرية الرأي والتعبير !! علينا أن نحترم أحكام القضاء، و تنفيذ أحكامه أولا، وبعد ذلك نبحث ونناقش كل مايتعلق بالسياق الذي جاءت بسببه الأحكام.
ففي الوقت الذي نلجأ فيه إلي القضاء ، لكي يساندنا في قضايا الحريات ، وقضايا الديمقراطية - كما حدث أثناء الانتخابات الرئاسية - اعترافا بنزاهته ، وقدرته علي الدفاع عن حقوق المواطن ، نجد أنفسنا نقع في مأزق مناقشة أحكامه ، وتعطيل قراراته - حيث امتنع حجازي عن دفع مبلغ التعويض المحكوم به لصالح البدري- علي الرغم من أن دور المثقف في بناء المجتمع لايقل عن دور القضاء في حمايته وتنظيمه ، ولكن ما يحدث الآن يجعلنا نفكر في الأمر بموضوعية ونتساءل : هل استطاع المثقف المتهافت ، أن يقوم بدوره المنوط به ، وان يتخلص من ذلك الذعر ، وأن يلتم - مرة واحدة - لتصحيح المعوج في أمورنا السياسية والفكرية ؟؟ لو حدث هذا ، سنعرف – ساعتها- لمن نتوجه ، وكيف نتوجه ، ساعتها فقط ، نستطيع أن نتوجه للعدو الحقيقي الذي يريد أن يدخلنا في تلك الدوائر الجهنمية من المعارك التافهة ، التي تبعدنا عن مشكلات وطن يتآكل ، ويتهاوي ، ويذوب تحت وطأة الفقر ، والاستعباد ، والظلم ، والقمع ، والتنطع ، والتبعية ، والفساد ، وطن يحتاج إلي المثقف الواعي ، المتألق ، المضيء بمواقفه الفاعلة ، ابتعاد ا عن الذاتية القاتلة !!
هل ذهب المثقفون إلي النائب العام، أو إلي غيره من الجهات المسئولة، ليدافعون عن حقوق جماعية، وليست شخصية ؟؟ هل ذهب هؤلاء دفاعا عن رؤساء بعض الصحف المستقلة ، الذين صدرت ضدهم أحكاما بالحبس والغرامة ، علي الرغم من أن الأمر كان متعلقا - أيضا - بقضايا الرأي ، وقضايا حرية التعبير ؟؟ لماذا يقوم المثقف - الآن - باختيار ، مايريده هو ، وترك مالا يريده ؟ لماذا لم يعد المثقف فاهما لدوره الحقيقي الذي يخرجه من دوائره الضيقة، ويفتح له آفاق التحرر من الانغلاق والانعزال، والانبطاح ؟
إن الأمر المتعلق بقضية (حجازي ) كان من الممكن أن ينتهي ، في نفس الإطار القانوني ، الذي فرضه (البدري )حين لجأ إلي القضاء ، لو بذل بعض الجهد ، بتقديم دفوع تنفي عنه الاتهام الذي وجهه البدري إليه ..ساعتها كان سيحصل علي البراءة ، لكنه - علي مايبدو - تهاون ، ونظر إلي المسألة باعتبارها أمرا مفروغا منه!! ، في حين أن القضاء، لا ينظر إلي الأمور بهذه الطريقة التي تنطوي علي استهتار وعشوائية!! ، ينبغي أن نضع الأمور في
مكانها الصحيح، وليس في المكان الخطأ !! .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah