الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية و التعليم 2

نادية المفتى

2007 / 9 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


لفت نظرى فى الآونة الأخيرة مادتين مما ينشر بالميديا، الأولى إعلان إخبارى حكومى مما يذاع بالتليفزيون المصرى، و الثانية خبر نشر بصحيفة "الأهرام" المصرية بتاريخ 26/09/2007 ، المادتان تتعلقان بالتعليم و سوق العمل. أما الإعلان فهو واحد من إعلانات حكومية كثيرة حفلت بها الشاشة التلفزيونية، أغلبها يتحدث عن إنجازات الحكومة المتعددة فى هذا العهد!! و ما ينتظرنا، نحن الشعب المصرى "العصفورى" ، نسبة إلى القول المصرى الشهير "داقق عصافير" من رخاء زيادة على ما نحن ننعم به "آلريدى" من رخاء!! كل هذا على أنغام موسيقى "الأمل البسام" كما أدعوها، و هى موسيقى رائعة دون شك، تبعث فيمن يسمعها الأمل و الفخر، و لكنها فى غير موضعها على الإطلاق. الإعلان الذى أقصده، عن شاب من شبابنا المصرى العاطل، جالسا فى أحد المقاهى الشعبية يلعب "طاولة" كما نطلق عليها فى مصر، لا أدرى ما إسم تلك اللعبة بالغة الفصحى، "النرد" ربما، أو "تريك تراك" كما تطلق عليها خالتى، بأى حال، يدور حوار بين ذلك الشاب و صوت "ناصح أمين"، و لنطلق عليه هذه التسمية بما أن أحدا منا لا يرى وجهه، فقط صوته و "الدرر" التى ينطق بها، ينصح "ناصح" الشاب الذى جلس يمضى الوقت فى المقهى يلعب "التريك تراك" حيث أنه لا يجد عملا بعد تخرجه بشهادة جامعية، أن يبحث عن عمل فى "مصنع" ك "عامل" ، فيجادله الشاب أنه "عنده شهادة" فكيف يعمل عاملا، و هو ما لا يتطلب حسب معلوماتنا جميعا أكثر من شهادة دبلوم على الأكثر، و فى الكثير من الأحوال تعليما إلزاميا أو حتى شهادة محو أمية، و لا أجد هنا داع لشرح إيمانى بأهمية العمل و العمال و الصنايعية و إكبارى لهم، فهذا لا يحتاج إلى تأكيد و قد سبق أن أكدته فى مقالات سابقة، المهم، يجيبه ناصح أنه من الأفضل أن يعمل "أى عمل" و يكسب منه بشرف من أن يضيع وقته فى الجلوس فى المقهى، فيتساءل الشاب ماذا يكون موقفه إذا تقدم للزواج من فتاة تحمل شهادة جامعية بدورها، و هل يقبل أهلها أن يزوجوها من "عامل" أيا كان مكسبه؟! فأجابه ناصح متسائلا كيف يرفضونه و هو يعمل و يكسب، و هل يمكن أن يقبله أحدا ما زوجا لإبنتهم و هو على هذا الحال بدون عمل أو نقود فى جيبه، ثم يأتى السؤال الأخير، فيسأله الشاب و ماذا لو إستغنوا عنه، بمعنى إدارة المصنع، فيأتى جواب ناصح المغرق فى الحكمة و الأمانة " إبقى إرجع أقعد على قهوتك"! و يا لها من حكمة! و سوف أتناول ما سبق بالتعليق بعد أن أسرد المادة الإعلامية الثانية التى إسترعت إنتباهى، نشر فى "الأهرام" اليومية فى الصفحة الأولى خبر بعنوان "كليات مجانية للمتميزين و القبول بها بمعايير خاصة"! أمال إيه إللى كنا فيه العمر إللى فات ده كله و عمالين دلوقت يكسروه حتة حتة؟! ما هوه كان تعليم مجانى. يتلخص الخبر فى أنه سوف يتم إنشاء كليات "داخل الكليات" الحكومية، شايفين الإفتكاسات؟! "للمتفوقين فقط"! يخرب بيت كده! داحنا عندنا ف هندسة القاهرة كان دفعتنا فيها أول الثانوية عامة رياضة و أول دفعته كل سنة ف الكلية بامتياز، و كان عبقرى، مش متفوق، وكان زى أخو واحدة صاحبتنا من ثانوى و كانت هى كمان من أوائل قسم رياضة و الثانوية العامة ف نفس السنة، كان جينيوس، وده بشهادة الدكاترة كلهم إللى كانوا بيذهلوا من إجاباته ف الإمتحانات و الوقت القياسى إللى بيجاوب فيه لدرجة إنهم قبل ما يكتشفوا هوه مين شكوا ف تسرب الإمتحانات و هما بيصححوا الأوراق، و على حسب ما سمعت، أنه بعد التخرج خرج من مصر راح أمريكا و إتخصص ف ال "أرتيفيشال إنتليجانس"، المهم، هذه الكليات "ذات الطبيعة الخاصة" ستبدأ من العام القادم فى الكليات الحكومية و يمكن القبول بها "بمعايير أخرى غير مجموع الدرجات"! كلام جميل جدا، بس يا ترى من تلك المعايير حيكون كشف الهيئة و المستوى المادى لأسرة الطالب زى ما أصبح يحدث فى كليات الشرطة فى مصر؟! أو زى الدستور إللى بأه كل تعديل فيه يعمل حفرة تفوت جمل؟! للأسف المعايير عندنا لما بتتساب لتقدير المسؤلين دون تحديد بتكون دايما فى مصلحة أصحاب الحظوة، المهم، التقيل جاى، "و قد وافقت الحكومة على تخصيص مبلغ "500 مليون جنيه" خمسمائة مليون جنيه مصرى، لإنشاء تلك الكليات ذات الطبيعة الخاصة" إيه الحلاوة دى! و هذا الخبر كله مكتوب أنه من تصريحات وزير التعليم، يعنى مش "صرح متحدث باسم وزارة التربية و التعليم" و السلام، و آخر الخبر عشان يجيبونا بالضربة القاضية، مش يسيبونا و فينا شوية نفس، "الوزارة تسعى خلال المرحلة المقبلة إلى إستيعاب 40% من الشباب فى الشريحة العمرية (18-23عاما) فى التعليم و "تغيير ثقافته تجاه التعليم الفنى"! إنتهى تلخيص المادتين. الآن إلى التعليق، تندرج هاتين المادتين تحت نظرية "دس السم فى العسل" و أول تعليق يتبادر إلى ذهنى، و النبى وفرولنا فلوس الإعلانات دى و إصرفوها ع الناس إللى دفعوا تمنها ضرايب من دم قلبهم، ما حناش داقين عصافير، لا بيشوفها و لا بيصدقها غير إللى عايزين يعملوها، كان بان على حياتنا اليومية لو كل حاجة بتتحسن زى ما الإعلانات دى بتطنطن، ده أسعار الحاجة عمالة تغلى و المرتبات بتزيد ملاليم، لولا إن الناس هنا بيؤثروا السلامة بدرجة رهيبة كان زمانهم كرروا مظاهرات رغيف الخبز ف السبعينات. المهم إن الحكومة مازالت تلعب بالكلام وتتكلم يمين و تعمل شمال. سمعت مقولة فى حلقة "الإتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة أمس على لسان من كان يدافع فيهم عن الموقف الإيرانى، و هو موقف مشرف يدعو للفخر أيا كان موقفى من الدول التى تتخذ الأديان أساسا لتشريعاتها، و للأسف لا أذكر إسم هذا الأستاذ تماما و لكن كان لقبه "الحسينى" و يمكن أن أبحث عنه فى موقع الجزيرة لاحقا، و قد يكون الكثيرين قد سمعوا هذه المقولة من قبل و لكنها كانت المرة الأولى التى أسمعها فيها، و كأننى كنت أبحث عنها فى كوم من القش، فالطالما تحدثت عن هذا المعنى كثيرا و بكلمات عدة و لكنه كان قولا موجزا فى غاية الحكمة يلخص حال العديد من الدول مع النظام الأمريكى الآن، و منهم مصر، "تخلفوا تسلموا"، يالعبقرية هذه العبارة، أوليس هذا هو حالنا الآن؟ حكومة تلح على شبابها بالتعليم المهنى دون وجود صناعة أو نهضة إقتصادية ما تحتاج كل هؤلاء العمال، كأنما التمسك بالتعليم العالى أصبح ترفا أو نظرة متخلفة تعيب صاحبها، أو كأنه عندما يرغب الشباب الحاصلون على مؤهل عال فى العمل فى أى عمل يناسب دراستهم التى على أقل تقدير إستغرقت الستة عشر عاما من أحلى سنوات عمرهم يكون هذا مما يستوجب اللوم و التأنيب! و بدلا من أن تؤدى الحكومة واجبها و تعمل على الإرتقاء بالإقتصاد لتوفير فرص عمل للشباب يكون الحل فى "فلبنة" مصر، أى تحويل مصر إلى فلبين أخرى! مصر التى علمت الشرق الأوسط كله و كانت دائما نبع الثقافة و العلم فى الشرق الأوسط! و كأنهم يعملون على محو الطبقة المتوسطة، و التى غالبا ما تعبر عن و تعمل على الحفاظ على المستوى الثقافى و الديمقراطى للمجتمع، بأستيكة، حتى يعود مجتمع النصف ف المائة من جديد، أغرقوا الناس فى التخلف تارة باسم "تغيير ثقافة المجتمع تجاه التعليم المهنى" أو بردة دينية أخلى فيها الدين من مضمونه، و هو الأخلاق و الإلتزام و العمل الجاد و أصبح هو زواج الأربعة و إطلاق اللحى و لبس الحجاب و النقاب و بقاء النساء فى البيوت، و لننظر إلى مسلسلات التليفزيون، فبدلا من تغيير نظرة المجتمع لظاهرة تعدد الزوجات التى تفشت فى المجتمع، أصبح كل مسلسل به أكثر من شخص يتزوج على زوجته التى كانت سببا فى سعة رزقه و يستبدلها بزوجة "من دور أولاده" ثم يفاخر بعد ذلك "بحقه الشرعى"! أليس من المنطقى أن تحارب الميديا تلك الظاهرة كمؤشر على تخلف المجتمع بدلا من دغدغة غرور الرجل الشرقى بتحويل مثل هذه المآسى إلى مواقف كوميدية مثل "خناق الحريم" عليه، أو كأنما صراخ زوجته الأولى التى أفنت عمرها معه مشهدا يستدعى الضحك؟ بدلا من هذا نجد كل المسلسلات حافلة بهذه الظاهرة كما لو كانت المرأة ليست أكثر من متاع يجب إستبدالها لو "إتكرمشت حبتين"! عودة إلى الإعلان، فعندما يسأل الشاب عن مصيره إذا ما رضى بالهم و تخلى عن أحلامه و جهد العمر و عمل كعامل فى مصنع كما ينصحه "ناصح"، لا يرضى الهم بيه و يكون الرد العبقرى إنه يرجع قهوته! إيه الإستهبال ده! ماهوه ده المنطق إللى بيه إتحرق القطر و القصر و فضلت كل حاجة على حالها و لا كأن حاجة حصلت، و غرقت العبارة و صاحبها فص ملح و داب! و إيه يعنى راح وزير ف حكاية القطر، ده كان عشان تصريحاته مش عشان إللى حصل، فعلا "ناصح"، "ناصح" بجد يعنى. و آدى حال العمال، بيكسبوا ملاليم و كل يوم إضرابات، خلاص، خللى جيش العاطلين يروح يشتغل ف المصانع و ينضموا للإضرابات، زيادة الخير خيرين، أفيد من لعب الطاولة. آدى إعلانات التليفزيون، كله بأه و الخمسميت مليون جنيه عشان "كليات داخل الكليات"! يا حلاوة! يا دى العبقرية! و مالها أما تصرفوا النص مليار دول على تجديد معامل الكليات الحكومية الموجودة آلريدى و أهو نبقى بنرتقى بمستوى التعليم الجامعى ككل و يرجع للتعليم الحكومى مستواه العالى بتاع زمان، و بعدين يا عم متفوقين إيه و الكليات دلوقت ما بتقبلش ياعينى أقل من 95% !! إيه يا عالم، عايزين إيه أكتر من كده! 150% ! و لا ناويين تلغوا التعليم المجانى لأقل من التسعينات فما فوق! و معايير خاصة إيه، طب ماهوه الناس كلهم حسهم إتنبح من مليون سنة عشان حكاية القبول ف الجامعات على أساس المجموع دى عايزين نغيرها، إيه دخل النص مليار بأه فى الموضوع؟! مش فاهمة؟! ما تغيروا نظام القبول و تصرفوا الفلوس على تجديد الجامعات الموجودة و خلصنا، إيه "كليات داخل الكليات" و تانى تغيير النظرة للتعليم المهنى و لف و دوران و ودنك منين يا جحا، و على بال ما تيجى السنة الجاية يكونوا الخمسميت مليون بح و الكليات كمان بح، يظهر من كتر سكوت الشعب ده العصافير كترت أوى.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة