الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد أركون ونقد العقل الديني

سليم بن حيولة

2007 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أطلق المفكر والمؤرخ للفكر الإسلامي الجزائري محمد أركون منذ ما يزيد عن أربعة عقود مشروعه الفكري الحداثي في نقد العقل الإسلامي والذي يقصد به ذلك الفهم الديني الجامد للنصوص الدينية التي ما تزال تسيطر على الفكر الإسلامي إلى اليوم بل نجد أنها في السنين الأخيرة عادت بقوة لتشغل حيزا هاما من النقاش الفكري في البلاد الإسلامية والغربية على السواء، هذا الفهم انجر عنه غلق باب الاجتهاد فحصل ما حصل من تخلف وفقدان لبوصلة التقدم الحضاري والابتعاد عن الغرب وحداثته ؛ التي هي سر تقدمه ومن قبلُ كان الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني قد اعتبرا أن مظاهر التقدم والتطور في أوروبا إنما كانت أثرا من آثار حركة التنوير التي قادها المصلح الديني الألماني مارتن لوثر والتي هي أيضا نقطة بداية الحداثة الغربية رغم أن المصطلح لم يظهر سوى في الخمسينات من القرن المنقضي.
يرى محمد أركون أن الباب الذي يجب على الفكر الإسلامي الحالي الولوج منه من أجل الدخول في الحداثة هو نقد العقل الديني أسوة بما حصل في أوروبا كما مر معنا، ولا بد من تحديد لمفهوم العقل أولا؛ فهو موقف يقود إلى السعي إلى المعرفة ويرتبط بأنماط التنظيم الاجتماعي الذي يختلط فيه الدين بالسياسة وبالاقتصاد والأخلاق، وهذا النقد ينبغي أن يشمل النصوص الفقهية والأصولية التي يمثلها أقطاب هذا العقل من أمثال الشافعي وابن تيمية وابن القيم وكذلك أصحاب التفاسير ؛ كل هؤلاء توقفوا عند معنى واحد للنص القرآني ورفضوا استخدام عقولهم في فهم الخطاب الإلهي الموجه للبشر مثلما فعل المعتزلة الذين كان اختفاؤهم من الساحة الإسلامية انتكاسة كبرى للفكر الإسلامي وبداية للانحطاط ، رغم أن مدارس تفسير القرآن عديدة يمكن إجمالها في، أولا: "مدرسة الأثريين" والتي يمثلها ابن كثير والطبري وتفسيرها فقهي ، وثانيا: "مدرسة التفسير الكلامي" ويمثلها أبوبكر الرازي صاحب "التفسير الكبير" وأخيرا "مدرسة التفسير البياني" ونصادف فيها الزمخشري وأبا السعود البيضاوي؛ وهي اتجاهات تكوِّن لب المدارس القرآنية ولا يمكن إغفال دورها في فهم النص القرآني وسياقه التاريخي.
وهكذا- وبإهمال الجوانب الأخرى- طغى "العقل الإسلامي" الذي يرى أركون أنه عقل تاريخي له نقطة بداية ونهاية والذي تحدد بالضبط كما ذهبنا من قبل منذ رسالة الشافعي ويستند إلى الخطاب القرآني كما فهمه الأولون أو البعض منهم، وكما أرادوا منا أن نفهم الخطاب القرآني وسيرة الرسول (ص) بالنسبة لأهل السنة وسيرة الإمام علي والأئمة لدى الشيعة.
فنقطة البداية في نقد العقل الديني تبدأ بالنسبة لأركون من "الرسالة" التي تحدد دور العقل في البحث عن الأحكام الموجودة في النصوص المؤسِّسة للدين ( القرآن وما صح من سنة الرسول (ص))، والتي تحاول تكوين عقل إسلامي منغلق تحده قوانين فقهية استنباطية صارمة وفي خلال كل هذا يكون دور العقل في قراءة واحدة ووحيدة لتلك النصوص ونغدو بذلك نفهم الخطاب القرآني كما فهمته عقول الموتى، ومن أجل تخليص التراث الإسلامي من القيود التي يرفل فيها يقترح أركون مفهوم "الإسلاميات التطبيقية" من أجل قراءة نقدية تنطلق بالأساس مما تعانيه المجتمعات الإسلامية الحالية من مشكلات فعلية واقتراح الحلول المناسبة وذلك وفق مسار علمي عصري.
وللوصول إلى نتائج مُرضية تقلب المجتمعات الإسلامية من التخلف إلى التقدم يقترح محمد أركون منهجية صارمة تتمثل في نقاط ثلاثة هي فيما يلي :
- اعتماد مقاربة سيميائية ألسنية حديثة لمعرفة كيفية تولد الدلالة في النصوص الدينية وكيفية تولد المعنى، ويظهر من خلال هذا استثمار أركون لكل المنهجيات الغربية الحديثة التي أثبتت- حسبه- فاعليتها في استخراج المعاني والدلالة من النصوص من اللسانيات والهرمنيوطيقا ونظريات القراءة الحديثة، غير أنه- ورغم ما يراه أركون في علمية تلك المناهج- فإن المهم في استعمالها في فهم النص يجب أن تستتبعه خطوات مهمة تبدأ من وضعها في سياق مشكلتنا الثقافية باعتبار أنها مناهج منطلقة من أسس غربية وتُخفي وراءها أبعادا إيديولوجية.
- مقاربة تاريخية وأنثروبولوجية واجتماعية من أجل إضاءة تلك النصوص والكشف عن أنها كانت نصوصا مرتبطة بسياق تاريخي ومن شأن هذا العمل أن يقود إلى اعتبار الدين ظاهرة من الظواهر الاجتماعية يمكن دراستها وتحليلها مثل سائر الحالات الاجتماعية عبر تاريخ البشرية.
- وثالثا مقاربة تيولوجية ( علم دينية) من أجل كسر الاحتكارالتراثي القديم في فهم النصوص الدينية وتفسيرها والوقائع الاجتماعية التي تحتويها، مما يترتب عنه بناء لاهوت جديد وتكوين منظومة عقائدية مختلفة وأقرب إلى اهتمامات المؤمنين.
ومن شأن هذه الخطوات الأركونية الممنهجة أن تبني لاهوتا جديدا وأن تكوِّن منظومة عقائدية جديدة ومن ثم تفسح المجال أمام المجتمعات الإسلامية لدخول عالم الحداثة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا


.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد




.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي