الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل سيتخلى الإسلامي عن السيففي حواره مع من يختلف معه(حول رد الطاهر إبراهيم على ياسين الحاج صالح)
صالح بوزان
2007 / 10 / 6العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1
قرأت مقال الكاتب والباحث السوري المعارض ياسين الحاج صالح(قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني) . كما قرأت رد الكاتب الطاهر إبراهيم عليه في موقع أخبار الشرق بتاريخ 18/9/2007.
بداية لا بد القول أنني أتحاشى الكتابة في الشأن الإسلامي، وذلك لسببين. الأول لكوني غير مختص في هذا المجال، والثاني لدي القناعة أن النقاش مع الكتاب والمثقفين الإسلاميين لا يضعك في مكان متكافىء معهم، لأنهم يحرضون مشاعر الجماهير ضدك عندما يصل الأمر إلى احتمالات متباينة، وبالتالي تجد نفسك أمام ممرات ضيقة، بحيث ترى التهديد جاهزاً في نهايتها. فتضطر عندئذ إلى السكوت أو التراجع لصالح من تناقشه. منذ سنوات، وأعتقد في الثمانينات جرى نقاش بين الدكتور طيب تيزيني والدكتور محمد رمضان البوطي في التلفزيون السوري. وعندما احتدم النقاش وبدأ الضعف في تفكير البوطي واجه منافسه بسؤال استفزازي: هل أنت تؤمن بالله أو بكتاب الله؟( لا أتذكر السؤال تماماً ولكنه كان بهذا المحتوى على ما أعتقد)، فماذا كان على تيزيني أن يجاوبه في التلفزيون وأمام عيون آلاف المشاهدين، فإذا قال ما يبين غير ما يفكر به البوطي فإنه سيُغتال أمام مبنى التلفزيون عند الخروج. وما كان من مفكرنا الكبير إلا أن يتخاذل في النقاش( لا أدينه في هذا التخاذل طبعاً) وانتصر البوطي عليه ليس بفكره، بل بتهديده المبطن بعامة الناس. وغالباً ما يلتجئ الإسلامي إلى هذا الأسلوب في نهاية المطاف، وينتقي من القرآن وأحاديث الرسول ما يستبيح به دم مناقشه. والخوف في هذه الحالة شعور إنساني ينتابنا جميعاً.
إن أخطر ما هو موجود لدى القسم الأعظم من رجالات الدين الإسلامي والكتاب والمفكرين الإسلاميين هو اعتبار أنفسهم أولياء الله على دين الله، ويعطون لأنفسهم السماح بأن يتكلموا باسم الله، ويأمروا وينهوا بأمره. فكل واحد منهم يجد نفسه في هذه الحالة"سيف الله المسلول" على من يخالفه في الرأي أو التفسير. وهذا ما ورد في متن رد الكاتب الطاهر إبراهيم على ياسين الحاج صالح، رغم سعيه الحثيث أن يضع هذا التهديد بلباس ديمقراطي وقبوله للرأي الآخر. لكن التهديد واضح حين يقول" لا أحد يحق له أن يفرض نفسه وصياً على الدين الإسلامي، وأن يعتبر رأيه هو الحق.."، ولا أدري إن كان دقيقاً في قراءته للمقال، وكيف استشف أن ياسين وضع نفسه وصياً على الدين الإسلامي. أن هذا الاستنتاج هو تعبير عن رأي مسبق لا علاقة له بما كتبه ياسين. ويحق لنا أن نتساءل من الذي جعل من نفسه وصياً على الإسلام؟ أ ياسين الحاج صالح أم الطاهر إبراهيم؟. وفي ختام رده يبرز التهديد أكثر وضوحاً عندما يقول:" واكتفينا بإبراز ثلاثة أمثلة في الاعتقاد والتشريع وتجاوز حدود الذات الإلهية بما لا يليق" ووراء كلمة" لا يليق" يقف السيف البتار لو كان الطاهر إبراهيم حاكماً. إنه يجعل من نفسه مربياً وقاضياً على ياسين الحاج صالح، ويطلب منه الحذر في أقواله وأن " يحتاط في كلماته" و إلا...، وأعتقد أن المواضيع التي أهملها في رده، قد أهملها عن دراية، لأنه لو أوردها لكان التهديد أكثر قسوة.
2
لا شك أن الطاهر إبراهيم كاتب سوري إسلامي معروف، وُيعتبر منفتحاً بالمقارنة مع غيره من النماذج الإسلامية، وهو يكتب في الشأن السوري كتابات قيمة. وأعتقد أنه ينتمي أو قريب من جماعة الإخوان المسلمين, وبالتالي فلديه إطلاع واسع على التطور السياسي والفكري في سوريا وفي العالم، ولا سيما منذ بداية القرن الماضي. وبالتالي فهو يدرك أن حزب البعث لم يكن حزباً معادياً للديمقراطية وحرية الرأي قبل استيلائه على السلطة عام 1963، بل كان ينتقد كثيراً الحكومات السورية المتعاقبة بعد الاستقلال في سبيل ترسيخ الديمقراطية والالتزام بالدستور وحرية الانتخابات وتداول السلطة. لكن هذا الحزب نفسه وبمجرد أن استولى على السلطة ضرب كل أقواله السابقة بعرض الحائط، بل كانت البداية خرق الدستور والسيطرة على مقاليد الحكم بقوة الدبابة. ومن ثم أقام نظاماً ديكتاتورياً شمولياً يعاني منه الشعب السوري ما يعانيه. فأين تكمن المسألة؟ هل في نزوات الأفراد والميل إلى الحكم الفردي واستعباد الناس، قد يكون في ذلك شيء من الحقيقة. لكن الحقيقة الأساسية تكمن في أن هذا الحزب يحمل نظرية قومية عنصرية شمولية، ويعتبر رأيه هو المطلق، وكل من يخالف ذلك يجب إما إركاعه أو تصفيته.
وبالمناسبة لو حكم أي حزب سياسي في سوريا في القرن الماضي، كان سيحكم بشكل ديكتاتوري، بما في ذلك الحزب الشيوعي السوري وحزب إخوان المسلمين والقوميين السوريين، لأن بنية هذه الأحزاب هي بنية ديكتاتورية، وفكرها فكر شمولي. وكما نعلم أن الاستبداد والتهديد، بما في ذلك الإرهاب الفكري كان وما زال يأتي من الفكر الشمولي سواء كان فكراً دينياً أو غير ديني.
لماذا يتخوف الكثير من الشعب السوري والكتاب والمثقفين السوريين من حزب الإخوان المسلمين؟ رغم أن هذا الحزب قدم وثائق جديدة لا يتعارض مع منطق العصر، ولا مع الديمقراطية، وقد أعلن زعيمه السيد بيانوني صراحة وأكثر من مرة في مقابلات تلفزيونية, قبوله بحرية الانتخابات وتداول السلطة وعدم إلغاء الآخر في حال استلامهم للسلطة بشكل ديمقراطي، ولن تكون الديمقراطية الانتخابية لمرة واحدة لتوصلهم إلى سدة الحكم وكفى الله المؤمنين شر القتال. إن هذا الخوف يأتي مما جاء في رد الطاهر إبراهيم.
3
هناك مسألتان لا يمكن إغلاق النقاش حولهما، بل سيبقى النقاش مفتوحاً طالما الحياة مستمرة. الأولى ما يتعلق بالعقيدة الإسلامية، والتي يحرّم رجال الدين الإسلامي النقاش حولها بالإطلاق وتحت حد السيف غالباً، سواء كانوا في السلطة أو خارجها, والتهم هنا جاهزة وكذلك العقوبة. ولهذا السبب بالذات ظل هذا الحوار مؤجلاً حتى يومنا هذا. ونتيجة لهذا التأجيل دخلت مجتمعاتنا في النفاق الفكري والسياسي والاجتماعي, وتظهر الازدواجية في شخصياتنا وفي إيماننا المعلن والمخفي، وكل واحد يتحجج بأسبابه.
نعلم أن المجتمع المسيحي مر بهذه المرحلة لغاية نهاية القرون الوسطى، بل كان مجرد القول بأن الأرض تدور حول الشمس، بعكس ما هو في الكتاب المقدس، كان يودي بقائله إلى المحرقة. وهكذا تراجع غاليليه عن نظريته العلمية لصالح الجهل الكهنوتي. لقد أراد رجال الدين المسيحيين أن ينتصر الجهل بالكون على حقيقته، لا لشيء، فقط لأن ذلك يحدث خللاً في تفكيرهم السكوني الذي وصل إلى حد القداسة. وكم من خيرة رجال العلم قتلوا في هذا الطريق ريثما انتصر العلم على الجهل.
لقد كانت المرأة أكثر اضطهاداً في تلك المرحلة التاريخية، ولكونها كانت كذلك، باتت هي العنصر الأكثر حيوية في هدم هذه النظرية الكهنوتية الاستبدادية. ولهذا السبب شن رجال الدين الدين المسيحي حملة شعواء على المرأة أكثر فظاعة. كانوا يجلبونها إلى محكمة التفتيش، ويجردونها من ملابسها أمام هيئة المحكمة، ويدس أعضاء المحكمة أنوفهم في حسدها العاري بحثاً عن شامة، وإذا وجدوها، فكان ذلك الدليل على استيطان الشيطان في جسدها. وعندئذ يجري تعذيبها لطرد الشيطان من جسدها أو حرقها في النهاية. كان من الصعب المرور بشوارع المدن لكثافة ريح اللحم البشري المحروق. لكن العقل البشري صمد أمام هذه الغزوات البربرية، وقاومت المرأة، وكانت العنصر الأكثر فاعلية في الثورة الفرنسية الكبرى.
لقد وضع رجال الدين المسيحي الكنيسة ضد المجتمع وضد العقل البشري. لكن العقل البشري هو الذي انتصر على تلك الكنيسة التي لم تكن للرب أية علاقة بها، بل كانت تجسد مصالح الطغمة الحاكمة والمتحالفين معهم من كبار رجال الكهنوت. واستمرت مقاومة العقل البشري لهذه الكنيسة حتى وصل الأمر عند كانط في القرن الثامن عشر ليقول جهاراً أن" الله قد مات"، لقد أراد أن يقول أن اله هذه الكنيسة التي تستعبد الناس قد مات.
ومع ذلك، وبالرغم من كل التطور الفكري والعلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، وبالرغم من حرية المعتقد وحرية تغير المعتقد، وحتى حرية الإلحاد في الحضارو الغربية لم تنقرض الديانة المسيحية، بل ظل الفكر اللاهوتي المسيحي أحد مصادر الفكر البشري الذي لا يمكن الاستغناء عنه. والسبب في ذلك أمر قد لا يفكر به العديد من رجالات اللاهوت، وهو إن الدين حاجة اجتماعية قبل كل شيء. وسيبقى حياً في الفكر البشري وفي حياة المجتمعات مهما جرت من تغييرات عليها نتيجة التطور واختلاف الأزمان والمكان.
نعم إن ترسخ حرية المعتقد وحرية تغييره في أوروبا لم تقض على الديانة المسيحية، بل نجد بابا روما اليوم لا يبيع صكوك الغفران، بل هو أحد المرجعيات العالمية الذي يقف ضد الحروب، ويعارض الوحشية الرأسمالية، ويناشد السلم، ويقف ضد توجهات بوش للهيمنة على العالم وافتعال الحروب، ويطلب الرحمة والمغفرة لكل البشر، دون النظر إلى لونهم ودينهم وعرقهم، وحتى لو كانوا وثنيين أو ملحدين. إنه يسعى أن يجعل الدين رحمة للناس وليس استعباداً لهم
4
لماذا يخشى الأستاذ الطاهر إبراهيم على الإسلام إذا سمح للمسلم في تغيير معتقده، أو حتى تركه. فجعل هذا الحق مصاناً من قبل المرجعيات الإسلامية لن يكون وبالاً على الإسلام، بل سيجدد قناعة الناس به، ويخلق الاطمئنان والراحة للعقل والضمير بأنه يحتفظ بهذا المعتقد بحريته. لقد ترك الكثير من المسجيين واليهود والبوذيين دينهم وانتقلوا إلى الإسلام، ولغاية اليوم تجري هذه الحركة، ولم ينظر أصحاب هذه الديانات إلى هذه الحركة بأنها ردة تستوجب القتل أو السجن. مع العلم أن في كل دين؛ سواء كان سماوياً أو وضعياً، توجد مؤشرات يمكن أن يستخدمها رجل الدين في استباحة من يغير معتقده. ولعل الأستاذ الطاهر إبراهيم سمع بحادثة الفتاة اليزيدية التي تزوجت من شاب مسلم في العراق، وما تعرضت له بسبب ذلك لأبشع أنواع القتل.
إذا كان رجال الدين وكتابهم من المسلمين والمسيحيين واليهود..الخ، لديهم تلك القناعة المطلقة أن هذه الديانات هي ديانات سماوية، وان هذه الكتب التي بين أيديهم هي من الله وحده، وإذا كانت لديهم القناعة المطلقة أن المنطق الإلهي هو أقوى بكثير من أي منطق بشري، مهما تطور وتعالى الأخير، فما الخوف عندئذ على الدين وتشريعاته السماوية؟ ولمَ الخوف من حرية تغيير المعتقد؟ ولا سيما أن هذا التغيير لا يشمل تغيير الرب، بل تغيير الانتماء الفكري والإيماني من أحد أنبيائه إلى الآخر؟
إن المعتقد الذي يصان بحد السيف، يدل على عدم ثقة المؤمنين به أنه غير قادر على الصمود أمام المنطق البشري. ومن ناحية أخرى يبين أن هذا المعتقد في حقيقة الأمر يجسد في نهاية المطاف مصالح البعض. والسيف لا يشهر عندئذ من أجل الله، بل لصون مصالح الذين يقفون وراء هذا المعتقد. وبما أن هذه المصالح تتضارب مع مصالح غيرهم، فإن هذا التضارب يؤدي إلى حروب دينية لا ناقة لله فيها ولا جمل. وهكذا تجري جرائم بشرية فظيعة باسم الدين(كما كانت الحروب الصليبية)، وهذه الحروب هي في واقع الأمر صراع المصالح المادية قبل الروحية.
والمسألة الثانية تتعلق بالإسلام وتطور المجتمع البشري منذ أربعة عشر قرناً. أقصد حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمستوى الفكري الذي توصلت إليه البشرية اليوم. لقد كان الاقتصاد في عهد الإمبراطورية الإسلامية العربية والإسلامية العثمانية اقتصاداً رعوياً- زراعياً، أو ما أطلق عليه علمياً بالأسلوب الآسيوي للنتاج. بمعنى آخر كان اقتصاداً إقطاعياً من نوع خاص. وفرض هذا النمط من الإنتاج نمطاً معيناً من العلاقات الاجتماعية والتفكير. وكانت السياسة هي الأخرى عبارة عن حكم السلالات التي استقوت بالدين على الناس. لم تكن في هاتين الإمبراطوريتين أي شكل من أشكال حرية الرأي والمعتقد، ولا حتى أمرهم شورى بينهم. كان استبداد الحاكم الإسلامي هو الطاغي(والاستثناءات هنا جداً قليلة). والقول أن هؤلاء الحكام خرجوا عن الشريعة الإسلامية، هو قول سطحي. فحياة جميع الخلفاء لم تكن تجسد النص القرآني، وانتقاء بعض القصص من حياتهم للبرهنة على التزامهم بالنص الديني، يقابلها الكثير من القصص التي فيها الخروج الفظ عن النص الديني. مع العلم أن هؤلاء الحكام كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء الرسول الأمناء. إن خروقات الخلفاء عن النص الديني في حياتهم وفي أمور الدولة لا تدل على ضعف إيمانهم بالله ورسوله، بل استوجبتها متطلبات تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية.
لقد خرج الإسلام من نطاق الجزيرة العربية إلى مناطق واسعة وشاسعة مليئة بتناقضات ومفارقات لم تكن موجودة في الجزيرة العربية في عهد الرسول، وتطلب الأمر عندئذ الخروج عن النصوص الإسلامية لصالح البراكماتية بكل حيثياتها في السياسة وفي الحياة الاجتماعية، وحتى في التفكير. وبالتالي فانهيار الإمبراطورية الإسلامية العربية والإسلامية العثمانية في نهاية المطاف لا علاقة له بالإيمان أو الخروج عن النص القرآني، بل مرتبط بتطور المجتمع الإسلامي الذي أصبح المنطق السائد فيه يشكل سجناً كبيراً للفكر وللسياسة والاقتصاد. لقد تطلب الأمر تغييراً جوهرياً على مختلف الصعد، وهذا ما لم يستطع إدراكه عندئذ، لا الخلفاء ولا السلاطين ولا المفكرين من حولهم. لقد كان الانهيار حتمياً، وما عادت قوة الجند قادرة على وقف التدهور.
كان رجال الدين في كل من هاتين المرحلتين التاريخيتين شركاء السلطان في كل شيء بما في ذلك في استعباد الناس. وكانوا يشرعون هذا الاستعباد من خلال فتاوى وتشريعات لا علاقة لها غالباَ بجوهر الدين الإسلامي، ولا بالله. ونلاحظ استمرار هذه الحالة في عصرنا الحديث، حيث نجد أن غالبية فتاوى المراكز الدينية الإسلامية في الدول الإسلامية تأتي لصالح الحاكم المستبد، ولم يخرج رجل دين واحد( حسب علمي) إلى الناس ليدعوهم إلى التظاهر والوقوف ضد الحاكم المستبد، بل ظل رجل الدين يردد بطريقة انتهازية، أطيعوا أولي الأمر منكم، وأهمل أطيعوا الله في الوقوف ضد الظلم والاضطهاد.
5
لا بد من الوقوف عند مسألة الطلاق قليلاً. أقصد حرية الطلاق للمرأة كما هي موجودة ومشرعة للرجل، هذه الحرية التي يقف ضدها رجال الدين الإسلامي ومعظم مثقفيهم. في الحقيقة لا أجد أي عدل أو منطق في العصر الراهن على مقولة للرجل مثل حظ الأنثيين، ولا في حق الزواج مثنى وثلاث ورباع، وما ملكت إيمانكم. عندما أرفض هذه القضايا، لا انطلق من موقف تجاه الدين الإسلامي، بل من حيثيات الأسس العامة للحرية الشخصية التي لا تضر المجموع، بل تقضي على أحد عناصر الظلم الاجتماعي، ورفع الحيف عن كرامة المرأة ككائن اجتماعي. إنه القضاء على شيء اغتصبه الرجل تاريخياً وتحول اليوم إلى إهانة للعصر وللعقل البشري. نحن لا نحكم هنا على أمور تاريخية بمفهوم عصرنا، بل نحكم على تلك الأمور التاريخية عندما تفرض بالقوة في عصرنا، وبعد أن انتهت مبرراتها التاريخية.
عندما يربط المشرع الإسلامي حق الطلاق بالرجل فقط لكون المرأة أكثر عاطفية وانفعالاً و" نقص دين وعقل" فإن العلم كشف بطلان هذا التفسير، والتجربة تبيين أن الرجل هو الأكثر انفعالاً من المرأة، بل مجرد أن يغضب، يطلق كلمته المشهورة" أنت طالقة بالثلاث" وفيما بعد يندم على فعله ويطلب من رجل الدين الفتوى لإعادتها، أو يذهب ليتزوج واحدة أخرى أصغر سناً دون أي تقدير لواقع ومستقبل أطفاله. بينما نجد أن غالبية النساء في المجتمع الإسلامي يتحملن اضطهاد الزوج(وأهل الزوج) ويقبلن الإهانة تلو الإهانة، ليس لأنهن فاقدات الكرامة، بل لخوفهن من أن يطلقهن الزوج السريع الغضب، وبالتالي يعيش أولادهن مشردين أو تحت ظلم زوجة الأب التي لم تكون في يوم من الأيام حنونة على أبناء زوجها من امرأة أخرى. ومن ناحية أخرى فلا مكان لدى المطلقة لتلتجىء إليه، خصوصاً إذا كان الوالدان قد أصبحا في رحمة الله. ولو كان الطلاق محصوراً في المرأة فقط، كما هي محصورة في الرجل حسب التشريع، لكانت مشاكل الطلاق أقل بكثير مما هي عليها الآن.
6
في الختام يتكلم الكاتب الإسلامي الطاهر إبراهيم بطريقة الحاكم بأمره، ويعتبر أن ما ورد في تحليلات ياسين الحاج صالح طال العقيدة ووصلت إلى" ما يتنافى مع كمال الله". وأتساءل هنا هل بإمكان الطاهر إبراهيم أن يحدد لنا حدود كمال الله؟ وهل العقل البشري وما يملك من أدوات معرفية قادر على تحديد التركيبة التفصيلية لكمال الله؟
مهما استخدمنا من مصطلحات بشرية فهي عاجزة للوصول إلى صياغة كمال الله الحقيقي. وعندما يتناول أحدهم هذا الكمال في بحثه، فهو يتناول مفهوماً بشرياً عن هذا الكمال، والقرآن نفسه قد جاء بلغة البشر، أي ما يتفق مع العقل البشري وإمكانية هذا العقل لاستيعابه من خلال منطقه الابشري، فلو جاء القرآن بلغة الله، لما استطاع أي عالم مهما أوتي من العلم والمعرفة على فك حرف منه، أليس هو القائل بأنه يعلم ما لا تعلمون؟ وحتى القرآن نفسه لا يستطيع تجسيد كمال الله، لأنه مصاغ بلغة البشر، وليس بلغة الله.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حريق ضخم وأضرار جسيمة في كنيس يهودي بأستراليا والشرطة تحقق ف
.. إعادة ترميم كاتدرائية نوتردام في باريس هل تم استخدام رموز شي
.. 107-Al-araf
.. 117-Al-araf
.. #شاهد يهود كنديون يقتحمون مبنى البرلمان ويردّدون شعارات مندّ