الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دياليكتيك الوجدانات : الحب كرمز مكثف لفراريتنا من حتمية الموت! .

نجيب المغربي

2007 / 10 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بموازة وجوداتنا المادية تنتصب وجودات اجتماعية - وجدانية تتحايث معها منذ الطفولة وتتطور في حركة ذائبة لا تتوقف على شكل صراع متناقضات ينبثق من الحس العذري اولا في مرحلة التكينن الطفولي حيث بداية صياغة الارتباط الوجداني - الحسي باللا كينونة / اللا انا ( العالم ، الغير ) الذي يحركه الخوف منذ اللحظة الاولى كميكانيزم يحرض باقي الاحاسيس و يحفز على بناء اولى المعارف الحسية تجاه الاشخاص (الام كاول مفعل مثيرلحواس الطفل) و الاشياء (الطبيعة) . في الحقيقة يمكننا اعتبار الخوف اب كل المشاعر! بما هو الدافع وراء الحب الامومي( المصدر الاولي لاحاسيس الحنان / القسوة والالفة / الفقدان وخزان مختلف الاشباعات البيولوجية ) بنفس الشكل الذي نستطيع به ان نعده عامل اتصالنا الاول و المستمر مع العالم المادي ، اذ انه ( الخوف ) يسبق مختلف الوجدانات و يتقدم عملية المعرفة التي تتخلف عن الوجود بكثير ، هذه العملية التي توجد في صلب كل تفكير يوجه في البداية نحو المحسوسات و يتطور بالتدريج نحو المعقولات ، ليتشعب بعد ذاك داخل مختلف عمليات التخييل و التذكر و التمثل . و في عمق تلك الدينامية الوجدانية التي تولد مختلف الاحاسيس و تهيؤ تشكل الفكر تقف ارادة الارتباط بالعالم (تطور الوجدان والوعي محدد دائما كمعطى لاحتياجات وخبرات الانسان الوجودية، فيصيرين تبعا لذلك صورتين منعكستين لوجوده المادي في الواقع الموضوعي ) اساسا لكل تعلم ، فمعركة الخروج من الانقطاع داخل الفردية الخاصة المستقلة هي ما يقود الى استبطان ترميزات تواصلية تبدؤ من الايماءات و الاشارات الحركية و الصوتية و تتطور الى اكتساب اللغة عبر المحاكاة و احلالها شيئا فشيئا محل لغة الاطفال! . لا تتوقف هذه الصيرورة الوجدانية بل تسير قدما على شكل انتقالات تطورية جدلية ، متاثرة بشروط الكينونة الوجودية التي تتحكم بها كبحا و تحفيزا .
من المفهوم تماما ان في صلب نشاط هذه الدينامية الوجدانية يوجد اساس انطولوجيا الكينونة (المتساوق معه) وهو القائم على وعي متطور باستمرار للتناقض بين الارتباط و الانفصال للذاتية مع العالم الخارجي ( الموضوعي) ! بين القطبية الاجتماعية الاصلية و الهوية الخاصة المتناهية ! . تبعا لهذا يتعارض مركب التناقضات بين الداخل و الخارج و تتحكم شروط عيش كل كينونة في التثبيتات و التراجعات التقدمات والانحطاطات ، و من هنا تنشؤ ارضية الوعي و اللاوعي الشخصي المتفرد تلك التي تجعل من الانسان مشروع وجود لا يتكرر ابدا في التاريخ ! .
يتعمق تشكل الوعي الفردي شيئا فشيئا و تتواصل عملية جدل تطور الكينونة بدءا بالوجود المحدد اولا بالحس والمطور باستمرار بحركية الوجدانات !. تظل هذه الاخيرة محورالتفاعل بين الكينونة المتشكلة الخاصة و كل ما هو غيري ، بل انها اشد ايغالا في كل اوضاع تاثر الانسان بشروط عيشه المادية و تاثيره فيها - على اساس قوانين سببية حتمية - اكثر حتى من دور الفكر / الوعي الذي لا يتجسد كفعل الا بقوة الدفع الوجداني ذاتها .
تتطور دينامية الوجدان الانعكاسية هذه مع تقدم الانسان في العمر بداءا من مرحلة التكينن الطفولي الاولي وصولا الى مرحلة الشيخوخة العليا حيث يحصل تشبع نسبي و تكاد عملية صراع التناقضات الوجدانية و الوجدانية - الاجتماعية تصاب بالفتور بفعل استفاذ طاقة الدفع البيولوجي و العاطفي و الفكري مع استحكام الياس فيحصل استقرار نوعي في النضج العاطفي ، و هي المرحلة الاخيرة التي تنهي النشاط الاقصى الذي يندفع بقوة خلال مختلف اطوار مرحلة الشباب ! .
تبدو اذن دينامية الجدل الوجداني كتوسط غير فطري ( مكتسب انعكاسي ) بل كنتاج صراع الذات مع وجودها الخاص و مجمل الوجود الخارجي الغريب عنها . انها الرحلة التي يخوضها كل واحد منا لفك العزلة وحصار النقص عن فردياتنا الخاصة بنسج علاقات اجتماعية ومعرفية / فكرية و وجدانية ، وفي الان ذاته اشباعها ( الفردية الخاصة ) بمقاومة الارتباطات و العلاقات الضرورية بالاغيار او محاولة انهائها بلا اغتناء حتى. تتقوم هنا جدلية الانسان الوجدانية بين تناقضات عديدة من قبيل : الانية / الغيرية ، الحياة/ الفناء ، الامتلاء/ الانفراغ ، النقص/ الكمال ،الانفتاح / الانسحاب ، البناء / الهدم ، الاستقلال / الاتكال……..
تقود هذه العلاقات الوجدانية-الاجتماعية الى تمييع تفردن الانسان الخاص الاصلي ، لصالح انفراغ غير محدود في الغيرية ( كون الانسان مشترك في انتماءات اجتماعية مع مختلف الافراد و الكتل ) يحصد معه اشباعات جزئية و احباطات كثيرة لا تحد ! . فيظل قابعا بزنزانة فرديته التي يشيدها داخل سجن المجتمع متوهما امكانية التحرر من كل سقوط قد يقود الى حدية الوجود / الموت . يؤرقه الصراع بين الداخل و الخارج : بين انيته المنقسمة ، - تلك التي تفتقد على الدوام لكلية مستقلة خاصة مكتفية - ، و بين ذاته الاجتماعية المشروخة باندغامات وجوده و وجودات الاخرين بها وفيها ! . مما يسبب بالنهاية وعيا شقيا بتلاشي كل امكانية وجود فعلي خالص للذات و بنفس الوقت استحالة اي ذوبان كلي في و مع الاغيار. ما يخلق ارادتين تتنازعانه بعنف هما ارادة الانوجاد عبر و داخل الاخرين ومعهم و ارادة الانوجاد داخل الذات الخالصة كانكفاء و هجران . وتظل كلا الارادتين فاقدتين لاي قدرة تحقق و تجسيد ما يصنع بالنهاية ماساوية الانسان ككائن وجداني يبدأ اول ما يبدا بالالم و الخوف و ينتهي بهما !.
عبر هذه السيرورة ايضا تحول المرارات المتتالية و قساوة الواقع و انتهاكات الاغيار، الفرد الى جثة متصلدة تتعقبها شتى انواع الاخصاءات و العقابات !. لكن الاستعداد للحياة و ضغط المعيش القائم و اشعاع الحوافز الخارجية و شمولية وجوده الاجتماعي المكتسب ، تدفعه ( الفرد ) الى معانقة كل طيف امل عبثا مهما كان خاذعا . لتتوقد داخله حركية سريان وجود وارادة حياة لا متناهية ، تتقدمان دونما توقف باتجاه مصيرحتمي هو الموت / العدم ! . ضمن هذه الدينامية الكلية نجد ان اي انطواء تسببه اكراهات و معاكسات الواقع المادي - الاجتماعي و تثبيطاته في الخارج يعوض باستمرار بانبساط تلقائي للحاجات و الرغبات / النزوعات بالداخل ،على هيئة مركبات عاطفية و تمثلات فكرية وسلوكات اجتماعية اوعبر أشكال ترميزات استبدالية اخرى كالتخيلات ، و المعتقدات والاستيهامات الميتافيزيقية الناتجة عن تجارب التدين و التامل/ التصوف الذهني. و الذي يجمع كل هذه الرموز الانطولوجية المختلفة هو كون الانسان يحاول من خلالها تنفيس ضيق فرديته اللا مكتفية وجدانا و فكرا و حسا خارج نطاقها المتناهي، عله يحقق ذاته الخاصة خارج ذاتها كانا متعين في الوجود الواحد الكلي ! و يستكمل نقصها الاصلي الذي يعيه بشقاء بما هو انعكاس لهشاشة وجوده الفيزيائي و الاجتماعي على شكل وجدانات و افكار و سلوكات . و يتاسس هنا صراع بين ارادتين متناقضتين هما : ارادة الانصهار في الغير ( كون الانسان فاعل و منفعل اجتماعي اساسا على قاعدة الحاجيات المجتمعية والمصالح المشتركة مع بعض الاغيار او ضمن نطاق اداء مباشرللخدمات التطوعية كون فرديته تتكامل و تتحررجدليا مع وعبر كليته المزدوجة على قاعدة شمولية الواقع المادي ) وارادة استبعاده عن الذات ( الغير/ الاخر ) في نفس الوقت. يظهر هنا ان الروابط الاجتماعية الوجدانية ليست سوى اسقاطات و توسطات لتحقيق التكينن الفردي الخالص الذي يعكس الوجود المادي و شروطه التي تعتقل الانسان داخلها فينزاح بمحايثته ( الوجود المادي ) عبر التجربة المباشرة الى ترجمة ذلك في تمثلات فكرية و سلوكات و وجدانات تشبع كلها توقه اللامحدود الى تحقيق كلية كينونته الاجتماعية .
و بهذا المعنى لن يكون الحب مثلا شيئا اخر غير ارادة اتحاد لتعويض ما على شكل صراع ! . وعلى نقيضه يبرز الكره لا كفعل حر موجه نحو حاجة ، بل اساسا كانفعال بها ( حاجة ) ، لذلك يتمظهر كانفصال في شكل اقصى للنبذ او كرد فعل مشق و مزعج للغير. لكن كون الحب اتصالا والكره - في مقابله - انفصالا ، لا يعني أبدا انهما لا يتشكلان و يتولدان في اعماق الوجدان كوحدة صراع للنقيضين !. حيث ان كليهما يستوعب شيئا من الاخر ويحاول بالوقت ذاته افناءه ، داخل صيرورة الصراع التي تفضي الى وحدة تسيد مؤقتا سيطرة تناسبات غير متوازنة، تكون لصالح احد الاحساسين مع كل وضع جديد ينشا عن تغير نوعي!. و ما يحصل هنا يعمم على باقي الازواج /النقائض الوجدانية .
ان جذر الماساة كما يتبدى لنا دائما كامن في قدرية انوجادنا ككائنات مقذوف بها الى هذا العالم بلا حرية ، فهذا هو اصل كل هشاشة لاحقة لوجوداتنا. فاغترابنا المؤسس على شعورعميق بالضعف و التمزق لا يمكن فهمه الا بالتقرب من مبدأي الفوضى و الفجيعة !. هذين المبدأين الاساسيين الذين يكادان يفسران رحلة الحياة بما هي رحلة سقوط و تيه ، كابة وعبث لا تستقر ابدا الا بختم الموت !. و على هذا الاساس يمكن ان ننظر الى الحب و الصداقة وكل التعلقات الوجدانية الاخرى كمحاولة يائسة لانتشال الذات الخاصة من الاحساس بالعجز والفقر الانطولوجي! . لذلك فمهما بدا الحب والصداقة كلاهما يختلف عن الاخر ، الا انهما معا ليسا سوى تعويضين عن النقص الاصلي كمبدأ اساس يؤرق طمانينة اكتفائنا و يجر كينوناتنا الى اللجوء الانطولوجي للاخر لملء بعض فراغاتنا و سد مؤمل لكثير من الحاجات ، فنجد انفسنا ازاء كل علاقة يسدد لنا وهم على شكل تسوية زائفة ، فيبدو كما لو اننا تتحررنا نهائيا من التشظي و وجدنا في الاخر حتما اشباعا تاما لما نفتقده في ذواتنا ، لكن النتيجة تنتهي بتحقق سعادة نسبية مؤقتة تتعقبها خذلانات واحباطات مختلفة في الدرجة و العمق . فتدفع تنازعية الالم / السعادة الفرد الى ارتداد اعمق يحول انفتاحه في كل مرة الى انحسار/ انطواء او اقلاع /عزلة ! .
ان جوهرية هذا الديالكتيك العاطفي بما هو وحدة صراع بين تخارجات و تداخلات لا تنتهي و لا تتغير الا كنفي في الجوهر (المضمون) ، تكمن في الواقع في عملية التحول من الكم الى الكيف فهنا بالضبط يتقوض مبدأ السعادة و تنتعش حرقة الالم و يتفجركل الشقاء الوجودي ! . فالاحاسيس المسورة بالغربة و الضياع تتحول مع مرور الوقت الى سؤال الجدوى من الاستمرار الوجودي ذاته! بعد انحدار الانسان الى قعر السقوط و اليأس !. وتسبب هذه الاحاسيس ( الضياع و الغربة ) فيما يسببه تفاقمها تحولا / تغيرا مباشرا - ينتقل من التراكم الكمي الى التطورالنوعي - عبر دينامية صراعها مع نقائضها : الشعور بالامان و الاصالة ، قتلا لكل اغراء . بما فيه وهم نفي استحالة الاستطاعة والتعويض ، وتلك الثقة الكاذبة بكفالة و كفاءة الهجران الوجودي الى الغير! . و يطبق هذا اليأس الجذري تبعا لذلك على كل امكانية خلاص من الضعف والتهديد. و يصل في مرحلة الشيخوخة اقصى تمثلاته عبر هيمنة الاحساس بالوهن على الانسان ، وتعمق فكرتي الفزع من المصير والقلق ازاء حتمية التحطم و الموت !. فيبدؤ معنى الحياة تبعا لذلك في التلاشي ، لتعوضه احاسيس عميقة بالقسوة و الحيرة والوحدة و الخوف .
لا يمكننا ان نفهم تأسيسا على كل هذا ، مختلف العلاقات الغيرية التي تمنع و تعطل التفردن الانساني الكامل، الا كاحتماء من عدو وحيد أعلى و هو الموت كونه السالب الاقصى للحياة الذي تفيض عنه كل الاوهام بما فيها : وهم فكرتي الله والبعث (/الخلود) !. و تبعا لهذا تصبح الصداقة و الحب و الجنس وو … مجرد هروبيات مفروضة كثرات سلوكي جمعي تستدمجه انياتنا جميعا قسرا وتعيد انتاجه داخل انساق الانتظام الاجتماعي التاريخي المختلفة التي تفرضه كصراع على الدوام . و تتكشف هاهنا مجمل الوجدانات في مظاهرها المتعينه اجتماعيا و بيولوجيا كقرابين رمزية نضعها ورودا لموت نأمل بكل سذاجة تأجيله اوعلى الاقل نسيان زمنيته القاهرة تلك المنذرة باجثتات مشاريع وجوداتنا ! . فتكون السعادة المذعورة بالقلق والارتباطات الكلية المهددة بالارتخاء والانفكاك مجرد تصالح مؤقت مع جذرية الهشاشة !. وعلى نفس المنوال ايضا يمكن تفسيراشباعية الجنس مثلا - الذي يبدأ كميول عاطفي / شهوي - ومحتواه اللذوي خصوصا ، كرغبة يائسة لارواء نقص الغريزة ظاهريا فيما هو في الباطن ميل خفي لقهر الموت ( تحقيق ديمومة الوجود عبر الانبعاث في الغير بالتجسد اللاوجودي فيه ) عبر الاكتفاء بالاغتباط المؤقت بالقدرة على منح الحياة !.
يدفع نمو جدل الانطولوجيا الوجدانية الى الوقوف امام حقيقة استحالة وجود فعلي للذات الا في الارتباط مع الاخر الذي يهدد باستلابه ( الفرد / الجماعة /الطبقة /المجتمع ) عبر صراع وجداني (ايجابي او سلبي ) من جهة، و مع مجمل الشروط المادية للحياة المشتركة التي يحقق فيها كليته / هويته الجماعية ( صراع اجتماعي - اقتصادي وايديولوجي - سياسي ) . لكنه بالرغم من كل هذا، يبقى وجودا لفردية تظل معلقة ابدا بين التفردن كاساس وجودي اصلي للكينونة والمغايرة / الكلية كافق رئيسي للعيش !.
بخلاف كل الاحاسيس تقريبا ! ، يبدو الحب كاقصى رحيل وعودة للذات من والى الاخر. لذلك سيظل برمزيته المكثفة اعظم تجل وجداني لانطولوجياتنا على الاطلاق باعتباره تماهيا وجوديا لامتناهيا في الغير / اللاكينونة يتغيا خلاصا مفترضا من حتمية الموت !. حيث يستعيد معه الانسان جزءا من المصالحة مع انقسام كينونته و تفردنها عبرالتوحد الاقصى في الاخر ، و بعضا من الانسجام مع وضع اغترابه المستمر في عالم كلي مطبوع بالغربة و البطلان ! ، الا انه ( الحب ) رغم كل هذا ، ينتهي بالانسان كغيره من الوجدانات الاخرى - مرة اخرى - الى الوقوف امام لا تناه عائب لانيته الخاصة و انفصال اصلي لها عن كل الاغيار!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا