الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين المجاملة والتقية و النفاق؟

غازي الجبوري

2007 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يضطر الكثير من الناس في أحيان ٍ كثيرة ٍ إلى ممارسة سلوكيات بعضها مرفوضة والبعض الآخر منها مقبولة أو مبررة . ومن أبرز هذه السلوكيات ما يطلق عليها "المجاملة والتقية والنفاق" . ف "المجاملة" نوع من السلوك أو التعامل الذي يلجأ إليه الإنسان عندما يلتقي بأحد الأشخاص أو يستقبله في مكان عمله أو في داره أو في مكان عام وهو كاره له إما لسوء سلوكه أو سمعته أو لأسباب نفسية أو لإختلاف ما حول موضوع معين ، ولكنه ليس لدرجة إلحاق الضرر، فيضطر الشخص إلى استقباله أو ملاقاته بترحاب مصطنع وتمثيلي أو حقيقي ، بل وحتى القيام بواجبات الضيافة السائدة في ذلك المجتمع أحيانا ، أما حياءا ً أو تأدبا ً أو لياقة ً أو لمصلحة عنده . ويدعم هذا المعنى ماروي عن الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صحيح البخاري الحديث - 6101 ـ : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَجُلاً، اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ " بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ" ‏‏‏.‏ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ" يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ ‏"‏‏.‏
أما "التقية" فتعني التقوى ، والتقاة ، والوقاية من ضرر ما وتطلق على سلوك الشخص الذي يظهر موقفا مناقضا ً بشكل كلي أو نسبي لما يضمره ويخفيه تجاه قضية أو موضوع أو شخص أو مجموعة ما ، خشية أن يقدم المخالفون لرأيه على إيذائه و إلحاق الضرر به ، واتقاءا ً لشرهم أو لمصلحة عندهم ، بشرط أن يكون هذا الإخفاء غير مقرون بعقد العزم على التخطيط بنية الإضرار بالمخفي عنهم والعدوان عليهم . ومثال ذلك ما قاله عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وقد انزل الله تعالى في محنته ما فيه عذرا له في قوله الحق ، بسم الله الرحمن الرحيم : { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } النحل 106. وكذلك ما يفعله بعض علماء الدين والسياسيين والمواطنين العاديين مع الحكام والمسئولين ورؤسائهم في العمل ومع كل من يخشون منه على أنفسهم أو لديهم مصلحة تجري على يديه .
في حين نجد أن "النفاق" يعني إظهار شخص لموقف ما تجاه شخص آخر أو مجموعة أشخاص بشكل يناقض تماما موقفه الحقيقي ليس لمصلحة عندهم أو اتقاءا ً لشرهم ، وإنما تمهيدا لتمرير مخططا تآمريا أو تنفيذ عدوانا ضدهم لإلحاق الأضرار بهم وإيذائهم . وهذا النوع من السلوكيات من أكثرها سوءاً ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى جعل موقعهم في الدرك الأسفل من النار في الحياة الآخرة . وحدد الرسول الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلوات والسلام ثلاث خصال للمنافق وهي:" إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان". وقد اشتهر كما يروى عبد الله بن أبُي على عهد الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكونه كبير المنافقين .
نخلص مما تقدم إلى أن النماذج الثلاثة التي اشرنا إليها تتشابه من ناحية في عملية الخداع والتضليل من خلال إظهار مواقف ومشاعر كاذبة ومناقضة للمواقف الحقيقية بنسب ودرجات متفاوتة وفقا للأهداف التي تقف وراء ها ، وتختلف من ناحية أخرى بالأغراض التي وجدت من اجلها . ففي حالة "المجاملة" فان الغرض ايجابي ومشروع ويتسم بالمشروعية الأخلاقية والدينية وليس منه ضرر بل فيه شيء من المنفعة المقبولة . وفي حالة " التقية" فان الغرض ليس ايجابيا ولا سلبيا ولكنه يتسم بالمشروعية الدينية لأنه وسيلة اضطرارية للدفاع عن النفس ضد أي عدوان متوقع قد يصدر من الخصم المستهدف بالتقية . أما في حالة "النفاق" فان الغرض سلبي ولا يتسم بأية مشروعية لما يخلفه من أضرار كبيرة عند ممارسته قد يذهب ضحيته أعداد كبيرة من البشر فضلا عن الخسائر الأخرى . لقد دفعنا للكتابة حول هذا الموضوع الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" التلفزيونية الأمير كية ، لما وصفها بالسياسة المزدوجة التي تنتهجها إيران حيال بلاده ، و إنها تدعم الحكومة العراقية من جهة وتساهم مع بلدان أخرى بالتدخل في شؤون العراق من جهة أخرى . وانه سيواجه جيرانه بأدلة ووقائع عن هذا التدخل خلال اجتماع دول الجوار المقرر انعقاده في إسطنبول مطلع الشهر القادم "لكي يحترموا التزاماتهم ويقرنوا القول بالفعل". فيما أكد مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن في الثامن من الشهر الجاري ، إن إيران وسوريا تؤديان دورا سلبيا في العراق وأن تدخلهما في الشؤون الداخلية العراقية يهدد عملية المصالحة الوطنية . إلا أن اتفاق كلا من زيباري والربيعي على دور إيران السلبي يجعلها أكثر المعنيين بالأمر من بقية الدول المجاورة من خلال الأدلة التي أعلنت عنها القوات الاميركية فضلا عن تاريخ العلاقات الإيرانية من جهة والعراقية العربية من الجهة الأخرى الزاخر بالاعتداءات الصادرة من إيران على مر العصور التاريخية وكذلك تصريحات المسئولين الإيرانيين حول استعدادهم لسد الفراغ في حالة انسحاب القوات الأجنبية من العراق وكأن أبناء العراق قاصرين أو أيتام وليس أولئك الرجال الأشداء الذين تصدوا بأرواحهم للرياح الصفراء القادمة من الشرق في مرات عدة ليحمون العراق والعرب وأراضيهم من شر الأعداء لكونهم حراس البوابة الشرقية قولا وفعلا . والأمثلة على ممارسة مثل هذه السلوكيات على مستوى الأفراد والجماعات والدول الصغرى والكبرى أكثر من أن تحصى . إلا أن ما يهمنا كعراقيين وعرب ومسلمين هو أن نعرف من يمارس النفاق ضدنا من غيره لأنه السلوك الوحيد من السلوكيات موضوع بحثنا التي تشكل مصدرا كبيرا وخطيرا للضرر لنا ولبلادنا في وقت اختلطت فيه الأوراق بحيث لم نعد نعرف العدو من الصديق . ومهما كانت تعني هذه المصطلحات والمفاهيم فان الحد الفاصل بين ماهو مشروع وماهو غير مشروع دينيا وأخلاقيا هو وجود الضرر من عدمه فأينما وجد ضررا ً للنفس أو للآخرين فهناك المحرم والغير مشروع وماعدا ذلك فكل شيء مباح ، بل لأننا مسلمون فاننا مأمورون بالقيام بما يجلب المنفعة أو يدفع الضرر والامتناع عن القيام بما يمنع المنفعة او يجلب الضرر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah