الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم المرأة، باب الأفراد

سمير قصير

2002 / 3 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



في اعلى الصورة لافتتان، واحدة لكل مدخل: الى اليسار "العائلات" والى اليمين "الافراد"، وعلى كل واحدة رمز مطاعم "ماكدونالدز" للوجبات السريعة. الصورة أفردتها "لو موند" وسط سلسلة التحقيقات التي خصصتها لـ"اللغز السعودي"، وهي ربما اكثر افصاحاً من اي تحقيق. تفصح اولاً عن ان المجتمع الاستهلاكي المعولم ليس له بالضرورة المفاعيل التي افترضها مبشّر العولمة توماس فريدمان، وقد كثر الحديث عنه في الايام الاخيرة لاسباب اخرى، وان تكن تتعلق هي ايضاً بالسعودية. فبخلاف ما يقوله على حد سواء دعاة العولمة والمرابطون على ارض المواجهة مع "الغزو الثقافي"، لا تهدد ثقافة ماكدونادز منظومة القيم السائدة في مجتمع معيّن. لكن اهم ما في الصورة هو تأكيدها تحوير معنى الكلمات لملاءمتها في الآن نفسه مع الاقتصاد الاستهلاكي ونزعة المحافظة على التقاليد.

ليست عادة تخصيص بعض المطاعم لـ"العائلات" محض سعودية. العبارة معهودة في العالم العربي، وفي لبنان لم يمض وقت طويل منذ كانت القاعدة عدم استقبال الرجال وحدهم في بعض المطاعم والمقاهي. وحتى يومنا هذا يحدث ان يرفض ملهى دخول الرجل او الشاب وحده. الا ان مبدأ الفصل بين "العائلات" وما هو غير ذلك يكون نابعاً في معظم الاحيان من خيار صاحب المطعم، وربما ايضاً من ضغط المجتمع. وفي جميع الاحوال، يكون الفصل كاملاً او لا يكون. اما مطعم للعائلات، واما مكان مفتوح للجميع.

ماكدونالدز في العالم اجمع مفتوح للجميع، مثل كل مطاعم الوجبات السريعة. صحيح ان هناك احياناً ركناً خاصاً بالاولاد، وقد يكون مفصولاً عن الاماكن التي يُسمح فيها بالتدخين (اذا سمح)، الا ان هذا الركن لا يزوّد مدخلاً خاصاً، وتظل منصة الخدمة مشتركة للكبار والصغار، النساء والرجال من دون تمييز. ماكدونالدز في السعودية اراد ايضاً ان يبقى مفتوحاً للجميع، وأين ستكون المردودية إن لم يفعل؟ كل ما فعله انه "طور" مبدأ الفصل، حتى يتمكن من استقبال الجميع، الكبار والصغار، الرجال والنساء، كل على حدة، فأوجد منصتين للخدمة ومدخلين... ولافتتين. المشكلة هي خصوصاً في اللافتتين.

"الافراد"، تقول اللافتة، وهي تقصد غير ما تقول. فكلمة الافراد هنا لا تحيل على الفردانية الملازمة للحداثة، بما هي انعتاق الشخص الفرد، اي شخص، اي فرد، من بوتقة الجماعة. والفرد ليس اي فرد، هو فقط الرجل اذا لم يكن مصطحباً زوجة او اولاداً. لا فردانية ضمن العائلة، والنساء لسن افراداً. ولا خطر تالياً ان تقرأ احداهن خطأً اللافتة وان تلج المدخل الخاص بـ"الافراد".

كان لا بد من مثل هذه الصورة وسط احتفال التلفزيونات الفضائية العربية (ذات التمويل السعودي) بيوم المرأة العالمي.

II

يوم المرأة اختراع مفيد، رغم كل شيء. لا، ليس "8 آذار" اختراعاً، والأدق القول انه مناسبة سنوية لمكافحة التمييز الجنسي او، على الاقل، للتنديد به. لكن التعامل الرسمي والاعلامي العربي يهدد باعادة "اختراعه" حتى يصبح مجرد تنويعة على نمط الاحتفالات الموسمية مثل عيد العشاق او عيد الأم. بل ان الكثير من الكلام العربي الذي يقال في يوم المرأة يترجح بين عيد العشاق وعيد الأم، وهذا طبعاً لم يكن الهدف المرسوم له. ولعل افصح تعبير عن الالتباس في معنى هذا اليوم قول احدهم على شاشة التلفزيون، كما حدث هذا الاسبوع، ان على الرجل ان يقدم الزهور الى زوجته احتفاء بالمناسبة.

جميلة فكرة تقديم الزهور الى النساء، ويا ليتها تصبح قاعدة في العالم العربي. من يدري، قد نصبح اكثر انسانية. لكن هناك كل سنة 364 يوماً لتقديم الزهور، ويوم واحد يفضّل فيه الامتناع. فيوم المرأة العالمي مخصص للمرأة بصفتها كائناً اجتماعياً مهضوم الحقوق، وليس زوجة او عشيقة او أماً او اختاً. وهو لا يعني النساء وحدهن، بل يبقى منقوصاً إن لم يشكل حافزاً لتوعية الرجال.

وأوّل الوعي ان يدرك جميع الرجال، وتدرك جميع النساء، ان وضع المرأة العربية مثل احوال العرب عموماً، عنوانه التراجع. طبعاً، هناك اشياء تحسّنت يمكن رصدها في الاحصاءات وفي القوانين. لكن الصورة العامة تبقى بعيدة جداً عن الوعود التي اطلقتها بدايات الحركة النسائية يوم كانت هدى شعراوي تتحدى المحظور وتعلن على الملأ تحررها.

لنتصور لحظة ان هدى شعراوي عاشت ما يكفي لتستسيغ الوجبات السريعة على الطريقة الاميركية، وأن خطاها اوصلتها الى حيث مطعم ماكدونالدز الذي في صورة "لو موند". لنفترض حتى انها قبلت، بعد ثمانين عاماً على خلعها الحجاب في العلن، ان ترتديه مجدداً منعاً لاحراج "العائلات". اي صدمة كانت ستعانيها لو اكتشفت انه لا يحق لها الدخول من باب الافراد؟

كل عام وانتن بخير.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من بقايا جاءت من العراق.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمر


.. العربية ويكند | معايير السعادة لدى الشباب.. و تأثير وسائل ال




.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز


.. الصحفية غدير بدر




.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟