الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسائل تخص العقل والإيمان

عصام عبدالله

2007 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حدد "بوسويه" في مؤلفه الشهير "مقال عن التاريخ العالمي" المدة التي انقضت بين خلق العالم وميلاد السيد المسيح بأربعة آلاف سنة، لكن ما نسف حدود هذا التاريخ كان المصريون والصينيون، الذين زعموا أن تاريخهما لا يقف عند أربعة آلاف سنة، فهي حقبة من التفاهة بمكان، إذ يمتد بهما إلى عشرات بل مئات الآلاف من السنين.
وتولد عن هذا الارتباك والحيرة، ارتباك آخر لا يقل عنه قسوة، لقد قال "بوسويه": "لما خلص الله شعبه من ظلم المصريين وقاده إلى الأرض التي أرادهم ليعبدوه فيها، عرض عليهم قبل أن يثبت أقدامهم هناك، الشريعة التي ينبغي عليهم أن يتبعوها. فكتب بيده تعالى على لوحين أعطاهما لموسى على قمة جبل سيناء أساس هذه الشريعة، أعني الوصايا العشر التي تتضمن المبادئ الأولى للدين وللمجتمع الإنساني ، وأملى على موسى قواعد أخرى...".
والفكرة التي ساورت الأذهان على الفور هي: إذا كان المصريون يمثلون العراقة الأصيلة والحكمة العميقة، وإذا كان العبريون قد عاشوا زمنًا طويلاً تحت حكم المصريين، فإنه من المنطق بل ومن الضرورة أن هناك مدنية مزدهرة كبيرة قد أثرت في مدينة بسيطة صغيرة، إذن فالمصريون أثروا في العبريين.
وتلك هي النظرية التي دافع عنها أولاً "جون مارشام" ثم "جون سبنسر" رئيس المجلس المسيحي بكامبردج عام 1685. وينسب كلاهما للمصريين، الذين يعجب بهم كثيرًا، تأثيرًا قاطعًا على القانون والنظم والعادات الدينية: فالختان والعماد والمعابد والرهبنة والقربان والمراسيم الدينية، كلها مأخوذة عن المصريين، وحينما صنع موسى، لإنقاذ شعبه من الحيات، حية من النحاس تشفي كل من نظر إليها:فما كان ذلك معجزة بل كان نقلاً عن سحر مصري قديم.
إذن لقد ورث الشعب المختار – كما يقول بول هازار – معتقداته الأساسية من شعب وثني. إذن لم يمل الله وصايا على أحد على جبل سيناء، إذن لم يفعل موسى إلا أن نقل عن أساتذته المصريين.
وأراد الأب الطيب "هويه" أسقف أفرانش، ذلك الشغوف بالعلم: الذي يروي عنه أنه ملأ منزله بالكتب حتى انهدم على رأسه ذات يوم؛ أراد أن يرد لموسى مكانه الحق، مكان الصدارة، واتخذ على عاتقه تبيان أن ديانة الوثنيين تصدر عن أفعال موسى وعن كتب موسى، وأن آلهة الفينيقيين والفرس والمصريين، والجرمان والرومان والغال والبريتان، مصدرها كلها موسى، وأنها ليست غير تحويرات أخذت عن موسى.
ذلك هو ما ذكره في كتابه Demonstratio Evangelica عام 1672، وفي كتابه Quaestiones Alnetanae de Concordia Rationis et Fidei وترجمته (مسائل تخص الاتصال بين العقل والدين).
ولم يدر بخلده لحظة واحدة أن الحجة يمكن أن تنقلب إلي ضدها من أيسر السبل : فإذا كان هناك أوجه شبه بين العقيدتين الموسوية والوثنية، فهل موسى هو الذي أوحى بها إلى الشعوب الأخرى، أم أن الشعوب الأقدم قد أورثت موسى عاداتها؟ .. فقد جره نجاح كتابه إلى زمرة الملحدين!!
قال عنه "لويس راسين": "لم يوافق أبي على ما كان يريده هذا العالم من استخدام علمه اللا ديني الواسع في صالح الدين".
أما "أنطوان أرنو" فقال عنه في قسوة: "إنه لمن الصعوبة بمكان أن يؤلف الإنسان كتابًا أحفل بالإلحاد من ذلك الكتاب، كتابًا يستطيع أن يقنع شباب المتحررين بأنه لا غنى عن الدين وأن الأديان كلها صالحة، حتى الوثنية منها يمكن أن تكون موضع مقارنة بالمسيحية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah