الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرائق الطائفية في العراق...الجزء الثاني

شاكر الناصري

2007 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن تحول الطائفية وبتأثيرات سياسية أو دينية ، إلى ظاهرة اجتماعية هو من أكثر المخاطر التي تتفاعل في العراق الآن وتتزايد حدتها، بما يمكن الطائفية من فرض بصماتها على كل ما يدور في المجتمع ، الحياة العامة، العمل، العلاقات الاجتماعية، القوانين والتشريعات، الأدب والثقافة بكل مظاهرها ، التربية والتعليم، تزايد مظاهر التخلف الاجتماعي والديني وارتهان مصير الإنسان لقدرات غيبية كالسحر والشعوذة وإخضاعه الكامل لسلطة الدين وسلطة المرجعيات الدينية وجعله حبيسا ينتظر فتاواها وقراراتها في ما يتعلق بحياته وعلاقته بالدين و الآلهة وبمحيطه الاجتماعي، وبالتالي تفسير كل شيء وفقا لمنطق طائفة دينية معينة واعتبارها الأصح والأكثر أهلية لان تتحكم بحياة الإنسان.
لقد تمكنت قوى الإسلام السياسي السني والشيعي مدعومة بفتاوى وبمرجعيات دينية مختلفة، من حشد الملايين إلى جانبها، انطلاقا من أنها الممثلة لهذه الملايين والقوى الأكثر سعيا لإقرار حقوقها السليبة بما أحدث واقعا اجتماعيا أن تواصل فأنه سيؤدي إلى ترسيخ الانقسام الطائفي الهش القائم الآن. المسيرات المليونية التي يتم حشدها في كل مناسبة دينية، هي تعبير سافر عن مدى التأثير السلبي لقوى الإسلام السياسي والمرجعيات الدينية التي تمارس حضورا سياسيا طاغيا ، التي تريد من هذه المسيرات أن تستعرض عضلات القوة مقابل غرمائها السياسيين أو الطائفيين من أبناء البلد الواحد.
القوى الطائفية والقومية مارست كل ما من شأنه أن يعزز الانقسام والفرز القومي والطائفي داخل المجتمع العراقي( تهجير أو ترحيل قسري ، مصادرة ممتلكات وأراضي، ..الخ). أن دعواتهم لإقامة الأقاليم و المحميات القومية والطائفية لم تتوقف وان كل ما يسعون إليه الآن عبر ممارساتهم هذه هو محاولة فرض الأمر القائل بأن المجتمع العراقي منقسم طائفيا وعرقيا وان كل من يقول عكس ذلك هو شوفيني كما جاء في بيان لحكومة إقليم كردستان خلال الأيام الأخيرة. إن هذه القوى تدفع بالمجتمع العراقي لمزيد من التناحر والانقسام لان هذا من شأنه أن يحقق مصالحها ويعزز من قدراتها وإنهم في نهاية الأمر سيقولون انه مجتمع منقسم ومتناحر أصلا.
لمحة بسيطة إلى ما يحدث الآن في العراق تكشف لنا الآثار الاجتماعية والإنسانية السلبية التي فرضها التعصب القومي والطائفي، فكل ما يحدث ينطلق من تعصب قل نظيره وفقدان ثقة بالآخرين وتزايد الاتهامات و المخاوف مما يحمله الغد من مواجهات ستحرق ما تبقى. إن منطق مصالحنا ، سلطتنا، ثرواتنا حقوقنا القومية والطائفية واستحالة العيش في بلد واحد وان ثمة شر يستطير ليسحقنا في لحظة ما ، قد أصبح هو المنطق السائد الآن دون أي أخفاء للدور السلبي الذي تمارسه القوى المتصارعة من اجل السلطة والنفوذ في العراق. إن لغة الاتهامات أصبحت لا تخفى وليس هناك من يسعى لتخفيف حدتها فما أن تقول انك ضد فدرالية طائفية في جنوب العراق حتى يقال إنك من أعداء الشيعة وناكر لمظلوميتهم وما أن ترفض قرار بتقسيم العراق حتى يواجهك القادة الأكراد بأنك عروبي شوفيني. وما أن تقول إن علينا اختيار نظام سياسي لا يقوم على الاستبداد والعنف والدكتاتورية حتى يقال انك من أعداء العراق العربي وانك أمريكي صهيوني متآمر. إن تصاعد حدة الاتهامات هذه من شأنه أن يفرض تراجعا كبيرا على أية محاولة للتعبير عن الرأي وتعزيز للكراهية والتعصب في داخل المجتمع العراقي وان كل هذه الحروب والدماء والخراب الذي تعرض له العراق تحت شعار الخلاص من الدكتاتورية لم تعد ذات معنى.
القوى الطائفية عملت على أيجاد مؤسساتها وفكرها وأعلامها وثقافتها ومنظماتها المهنية. فزيارة بسيطة إلى إحدى مدارس العراق ستكتشف أن السائد في هذه المدرسة ومنهجها التعليمي خاضع للحزب الفلاني دون أي وجود للمنهج أو الأساليب التعليمية التي تقرها الدولة ويفترض أنها عامة وشاملة. كذلك فأن متابعة قناة فضائية ما من الفضائيات المنتشرة في العراق الآن تكفي لان تتلمس مدى التحشيد الطائفي والقومي الذي يمارس عبر هذه القنوات ومدى التشويه الذي تمارسه ضد الإنسان في العراق. إلى جانب هذه الفضائيات فليس من الصعب أن تجد فنا طائفيا لا يتوانى عن تكرار واقعة دموية ما ومن جوانب متعددة لتكون رمزا للانقسام الاجتماعي والديني. كذلك فليس من الصعب أن تجد أدبا طائفيا وقوميا يستلهم كل ما هو منحط ورجعي و لا انساني في الإرث القومي والطائفي بما عزز من حدة التعصب حد إلغاء من هم من قوميات وطوائف أخرى أو أنهم يحتلون مراتب أخرى اقل من المراتب القومية والطائفية لهذا الشاعر أو ذاك الأديب.
أن ما تسعى إليه القوى الطائفية ليس إقامة مجتمع منغلق على ما يحيط به، بل أيجاد مجتمع منغلق من داخله أيضا ولأقصى الحدود. الممارسات التي تقوم بها المليشيات الإجرامية ضد النساء في البصرة على سبيل المثال لا الحصر( قتل 15 امرأة كل شهر لعدم الالتزام بالضوابط الشرعية أو التقاليد الاجتماعية) ، الممارسات الإجرامية لنفس المليشيات في مدن العراق المختلفة من الأنبار إلى الموصل إلى البصرة وبغداد والناصرية والعمارة....ضد الأطفال، ضد الشباب وملابسهم وطرق قص شعرهم وما يستخدمونه من نغمات موسيقية في هواتفهم النقالة، ممارساتها ضد الفن والموسيقى والأدب والثقافة، ضد العلاقات الاجتماعية والإنسانية، تدخلها في الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة، تأسيس الجامعات الدينية لكل طائفة ولكل مرجعية بما يعزز من مكانة التعليم الديني الذي يشكل الأساس لقيام الدولة الدينية، كلها مؤشرات لإقامة مجتمعات منغلقة ومتخلفة. مجتمعات كهذه لا يمكنها أن تكون مجتمعات مسالمة وآمنة وفي نفس الوقت فأنها لا تصلح أن تكون مجتمعات قادرة على حفظ كرامة ورغبات الإنسان في العراق الذي أستلب منه العمر وهو يحيا على أمل العيش بحرية ودون استلاب لإرادته وأمانيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية