الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف الديني والفراغ الفكري

سلام خماط

2007 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان جوهر الدين هو الابتعاد عن الخطيئة، وذلك عن طريق الوعي والارادة والتقيد بشريعة الله، والانتصار على نوازع النفس، التي تتم عن طريق اماتت الوحش الكاسر في داخل الانسان، والابتعاد عن الاهواء والاطماع، فتكون العبادة خالصة وخالية من اي غرض، كما عبر عنها الامام علي(عليه السلام)، عندما خاطب ربه (( ربي عبدتك لا خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، لكني وجدتك اهلا للعبادة، فعبدتك))، فالدخول الى الجنة يتم عن طريق الايمان المطلق، لا عن طريق قتل الابرياء، استنادا الى فتاوي المتخلفين ممن يدعون أنفسهم بالفقهاء، ومتناسيين الاية الكريمة (( من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا)). ان الايمان هو ارادة وثبات، والاختلاف بين الامم والشعوب هو عامل اساسي في بناء المجتمعات الحديثة المتقدمة، وبفقدان هذا العامل لا يصبح للحياة معنى، وعندما اقول الاختلاف فأعني به اختلاف الوعي الفكري، ويختلف هذا الوعي عن غيره، بأختلاف التركيب السليم في النبوغ والمعارف الاخرى، كالثقافة والابداع، الذي يتناقض مع التركيب المريض المنعكس في الوعي الفكري، وصفاته في الشر والطغيان والتحجر الملازم له.
ان القتل الذي يمارسه الارهابيون قد اضفى على الروح صفات شريرة، عكست الواقع المزري، المتمثل بالتطرف والفراغ الفكري المتأصل والمتوارث جيلا بعد جيل، والذي جعل من المجتمعات عدوه الاول، بسبب امتلاك هذه المجتمعات للتعليم والثقافة، التي تتعارض مع الحالة المرضية لهؤلاء الحثالات، لهذا انزوت في الاماكن التي يعشعش فيها ذلك السلوك، الذي انبثقت منه مجموعات وحشية شرسة ومتمردة، لم يكن امامها إلا الفكر الشاذ والسلاح الذي يحمل القتل، والذي توارثوه من الايديولوجيات القديمة، التي تتلاقى مع افكارهم المريضة في العنف غير المبرر، والارهاب الاسود، ان الذي يطلع على أيام المحنة، ومارافقها من قتل، وتهجير، وحرق دور ومحلات، ومطاردات، سيعرف تماما بان التاريخ، يعيد نفس هذه الاحداث التي مر عليها اكثر من 1000 عام، اي قبل ان تكون الولايات المتحدة استغلت نقطة الضعف هذه، المتجذرة في نفوس المرضى ووعاظهم المتخلفين، واستطاعت ان تغذي اعمال العنف، التي تعصف بالعراق منذ سقوط الدكتاتور، الذي اسهم بدور رئيسي، وكان السبب المباشر باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
ان اصحاب الفكر والثقافة مدعون الى سحق هذه الفئات الضالة، حتى لا تستفحل وتنتشر، وحتى لا تعيدنا الى حكم وافكار التعصب المقيت، فالواجب يحتم علينا جميعا اعلاميين وتربويين ان نقف ضد الاوضاع السيئة، بكل ماتحمله من اغراق وتعصب قومي ومذهبي وسياسي، وما يخلفه هذا التعصب من عزلة وبطالة وفساد اداري واقتصادي، واستئثارا بالسلطة والمحسوبية، ووضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، ان اهدار الموارد المالية وانعدام الثقافة، وعدم تواجد النوادي الترفيهية والعلمية والادبية، ستساعد على الانغلاق الفكري والتحجر العقلي، واللجوء الى التطرف في العادات والتقاليد، وخاصة تلك التي يدعونها بالتعاليم الاسلامية، والاسلام منها براء. لانهم غرزوا تلك التعاليم الخاطئة في كوامن الوعي الفكري المنعكس على المدركات الحسية، مثل قتل الناس بحجة الارتداد عن الدين، وبسبب تلك المفاهيم اللااخلاقية، اصبح هؤلاء المجرمون كارهون للمجتمع، الذي يعيشون فيه، والمجتمع الانساني كذلك، معتبرين الثقافة والانفتاح على الحضارة الانسانية عدوهم الاول. من جانب اخر اعتبر وعاضهم ومشايخهم المتخلفين، ان الشباب المغرر بهم، هم السند الاول في هذه المعركة، وبهذا اصبح هؤلاء (الفقهاء)، السبب المباشر للارهاب. من هنا استطيع القول بان هؤلاء المفتين وما يحملونه من عقد مرضية ونفسية، لم تسمح لهم الظروف في شبابهم بالتمرد على المجتمع، اصبحت الان مهيئة لان تجعل منهم ثوارا ومجاهدين في نظر انفسهم، ونظر اتباعهم، الا ان الحقيقة تقولغير ذلك، فهم متمردي يعشقون الدماء والقتل، ليثبتوا وجودهم بهذا السلوك الاجرامي المنحرف. وبما انهم لا يستطيعون وحدهم محاربة المجتمع، فقد عمدوا هذه المرة الى ان يستعينوا على اصدقائهم القدامى من المجرمين وخريجي السجون من اللصوص والسفلة المنبوذين، ليشكلوا مجاميع شاذة لأثارة النعرات الطائفية من خلال قتل الابرياء من السنة والشيعة على حد السواء، هذه الاساليب اصبحت مكشوفة للجميع، ولا يمكن ان تنطلي على احد. من هنا أود ان أذكر تجربة عشتها بنفسي، عندما كنت اعمل في بغداد قبل ثلاث سنوات، ففي هذه الفترة نشأة علاقة صداقة بيني وبين الاخ عمر ، وهومسلم من الطائفة السنية ، وكاتب هذه السطور مسلم من الطائفة الشيعية، ومن سكنة جنوب العراق، كانت العلاقة حميمية الى درجة الاخوة، وكانت الثقة بيننا مطلقة، ولم تتولد لدينا اي نظرة مبنية على اساس مذهبي، بل كان مايدعم صداقتنا هو الاحترام المتبادل والتقدير العالي، استمرت هذه الصداقة حتى بعد خروجيمنبغداد، ولازالت الى هذه اللحظة، رغم كل ما يثار ويروج له من ان هنالك بغض وتعصب مذهبي وطائفي، سيؤدي الى حرب اهلية، حتى يهيئوا الناس نفسيا لتقبل هكذا افكار قذرة، بعيدة عن طبيعة الانسان العراقي وطيبته ودماثة خلقه، رحم الله الشاعر حيث يقول:
ياقاصداً قتلَ الاخوة غيلة
لِمَ الشباك فطيرنا لا يخدعُ
سلام خماط
منتدى الشطرة الابداعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي