الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حل الازمات على طريقة الدبلوماسية الكردية!

ريبين رسول اسماعيل

2007 / 10 / 23
القضية الكردية


يوما بعد يوم نقترب من مواجهة كارثة قادمة لامحالة، اذ ان دخول الجيش التركي لاقليم كردستان ناهيك عنه خرق للقانون الدولي، فهو تحد واضح وصريح لارادة الشعب الكردي في الاقليم ومحاولة اجهاض كل ما تحقق من الحلم الكردي خلال السنوات الماضية عقب سقوط صنم الطاغية في بغداد. ان مواجهة كوارث من هذا النوع تتطلب اكثر من القول و التصريحات، تتطلب العمل الدبلوماسي والسياسي بعيدا عن التشنجات والتعصب من قبل اطراف القضية، سواء كانت الاطراف المسببة للمشكلة، ونقصد بها حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، او الاطراف التي تتلاعب بالمشكلة بهدف تحقيق اهداف واجندة سياسية كالطرف الامريكي والكردي في الاقليم. فمن الناحية السياسية الدولية وفي ضوء محاولة الكونكرس الامريكي للتصويت على قضية ابادة الارمن في تركيا واعتبارها ابادة جماعية، يعني ان تركيا قد تسبب مشكلة جديدة للرئيس الاميركي جورج بوش، الذي يعاني اصلا من مشاكل داخلية وخارجية جمة. فإذا دخل الجيش التركي إلى اقليم كردستان العراق، وهو عازم على الدخول الان اكثر من اي وقت مضى، خصوصا بعد الضربة الكبيرة الذي تلقاها من حزب العمال الكردستاني داخل الحدود التركية، فان الإيرانيين الغير راضين من حكومة اقليم كردستان بسبب تحركات حزب الحياة الحرة على الحدود الايرانية، سيؤيدون الأتراك سرا او عنا، وكذلك السوريين الذين اعلنوا صراحة عن حق تركيا في الدفاع عن نفسها، وهكذا سيتمزق وضع العراق أكثر فأكثر مما سيؤثر بشكل مباشر على الوضع العراقي العام.
إن دخول الجيش التركي إلى اقليم كردستان، سيعّقد الأمور أكثر في العراق وسيؤدي إلى اعادة وصياغة التحالفات في المنطقة، وهو قد يعني اكثر ما يعني خنق اقليم كردستان اقتصاديا وفرض حصار اقتصادي عليها من قبل دول الجوار واجهاض المحاولات التي تقوم بها حكومة اقليم كردستان لانتاج النفط والغاز في المنطقة، خصوصا بعد ان ظهر الحصار الايراني المحدود اثارا اكبر مما كان متوقعا، فاقليم كردستان لم تتحمل اغلاق الحدود الايرانية اكثر من اسبوعين، وهي لن تتحمل اغلاق الحدود التركية اكثر من يومين.
ان هذا الضغط الاميركي ـ الكردي من قبل حزب العمال الكردستاني على تركيا، أجبر حزب العدالة والتنمية على الخضوع لضغوطات الجيش التركي الذي و منذ زمن، يطالب بالحصول على الضوء الأخضر للقيام بعمليات عسكرية في اقليم كردستان، ومن المؤكد بان مشكلة حزب العدالة والتنمية مع المؤسسة العسكرية التركية ستظهر لاحقاً بوضوح وبشكل صريح اكثر مما هو ظاهر الان، فهو بإعطائه الجيش حرية دخول اقليم كردستان، حاول بناء علاقة جديدة مع المؤسسة المتنفذة في السياسة التركية، ولكن هذه العلاقة يعني ان الحزب والحكومة التركية ترتكب نفس الاغلاط السابقة التي وقعت فيها الحكومات الماضية وصار بهذا العمل رهينة للمؤسسة العسكرية، وقد يواجه لاحقاً رئيس الوزراء اردوغان مشاكل حادة وكبيرة يصعب السيطرة عليها وقد تتحول الى صراع داخلي كبير، ولكن الان مادام هناك مشكلة حزب العمال الكردستاني، فأن المشاكل الداخلية سوف تخبو لمدة وجيزة.
كلنا نعرف ان هدف الجيش التركي ليس فقط القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل الصب والوعر، وهو ما لم تستطع هذا الجيش عمله منذ نهاية الثمانينات الى الان رغم تنفيذ اكثر من (24) عملية عسكرية كبيرة وبمشاركة قوات اكثر مما هو محشو الان و بدعم من الجيش والنظام العراقي السابق تارة، ومن الحزبين الكرديية تارة اخرى داخل حدود اقليم كردستان، بل ان عدد من هذه العمليات الكبيرة قد نفذت بالتعاون مع بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني دون ان تتمكن هذه القوات المشتركة من زعزعة قواعدها هناك.
فهناك قضية جيو ـ سياسية أكثر أهمية. فالأتراك يعارضون قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق لانه سيكون بلاشك مصدر الهام و وحي للكرد في تركيا والتي تزيد عددهم على اكثر من عشرين مليونا وهم يشكلون نسبة الاغلبية في اكثر من خمسة عشرة مدينة ومحافظة تركية، هذا من جانب. ومن جانب اخر ولأن مستقبل العراق كدولة موحدة في مهب الريح وخصوصا بعد تصويت الكونكرس على تقسيم العراق فيدراليا وهو ما سيأتي لاحقا حتى ولو تأخر عدة سنوات كما كان حال مشروع اسقاط النظام العراقي التي تم التصويت عليه في الكونكرس عام 1998 في زمن الادارة الديمقراطية ونفذ عام 2003 في زمن الادارة الجمهورية، فان اكثر ما يقلق أنقرة هو احتمال بروز دولة كردية مستقلة، وهو احتمال بعيد المنال حاليا، او حتى ذات حكم ذاتي واسع تستطيع التعامل بالثروات القومية كالنفط والغاز وهو الاحتمال الارجح حاليا.
من هنا، فان عبور الحدود إلى اقليم كردستان، هو بمثابة رسالة إلى القيادات الكردية والاميركية بأن هناك حدودا للقبول التركي بالوضع.
لكن هناك عاملا آخر أثار حفيظة انقرة، وهو نشاط شركات النفط الغربية المتزايدة في اقليم كردستان، مع ان عدد من هذة الشركات تركية كما هو حال شركة توتال انرجي العاملة في تطوير حقول نفط طق طق القريب من مدينة اربيل. ان منع قيام كردستان مستقلة بشكل كبير اداريا، يتيح لأنقرة من خلال هذه الظغوطات على الاقل المشاركة او الحصول على حصة كبيرة من نفط اقليم كردستان العراق، اذا لم نقل التحكم فيه.
وما يجب ألا يغيب عن تفكير شركات النفط هذه، هو ان حكومة اقليم كردستان تبقى في حاجة الى ترخيص من بغداد لنقل النفط الى خارج العراق، ثم ان النفط الذي يتم استخراجه حالياً يكفي فقط للاستهلاك المحلي في الاقليم، وأي كمية اكبر من ذلك، يحتاج بيعها ونقلها الى احسن العلاقات مع انقرة. وكشفت التطورات الأخيرة عن أن لتركيا كما لإيران مصلحة بأن يظل التضييق على أكراد العراق قائماً. ولهذا فان حكومة اقليم كردستان اذا كانت تطمح في تطوير مشاريع استخراج النفط والغاز فعليها العمل مع انقرة وليس مع الدول الاخرى.

من الجانب الاخر نرى الارتباك الامريكي بدا واضحا من خلال الاستجداءات المتكررة من قبل الادارة الامريكية، والرئيس جورج بوش علي وجه الخصوص، لتركيا بضبط النفس، وعدم المضي قدماً بتهديداتها باجتياح اقليم كردستان لضرب قواعد حزب العمال الكردستاني، دون ان تكون هناك موقف حازم او تهديد صريح بعدم قبول ذلك من جانب الولايات المتحدة كقوة محتلة في العراق وعليها حسب القوانين الدولية حماية الحدود الدولية، بينما سارع المسؤولين العراقيين، وآخرهم طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي، الي العاصمة التركية بحثاً عن حلول دبلوماسية للأزمة، التي بدت وكأنها اتت اخيرا بعد طول غياب، ولكنها في الواقع لم تأت ولن تأت.

ومن المفارقة ان القيادة الكردية في اقليم كردستان وجدت نفسها في مأزق خطير، وجدت نفسها وحيدة دون اي حلفاء من دول الجوار او العرب او المسلمين او حتى الدوليين والاوروبيين الذين اكتفوا كما الامريكان فقط بالمناشدة عن العدول عن قرار الاجتياح في مواجهة هذه التهديدات التركية، مما يعكس قصر نظر هذه القيادة للعملية الدبلوماسية في دوائر صنع القرار في مؤسساتها السياسية والدبلوماسية. ويبدو ان حل الازمات على طريقة الدبلوماسية الكردية هو الحل الغير محبب اطلاقا، كون ان الدبلوماسية الكردية بدل ان تخط نحو تهدئة الوضع وكسب الحلفاء، لجأت الى التهديد والوعيد، وهو ما انقلب عليها وحرمها من التعاطف الدولي الذي كان من الممكن ان يحصل عليها لو كف عن التهديد و الوعيد.

اذن ان هذه الازمة الجديدة القديمة قد وضعت القيادة الكردية في اقليم كردستان امام اختبار صعب، فعلى الرغم من التأييد الشعبي للمواجهة مع اي تدخل تركي في الاقليم، فان واقع الحال اصعب من مجرد عاطفة سياسية، ولكن بما ان الاتراك سيدخلون الاقليم وسينفذون تهديداتهم على امل اخافة القيادة الكردية وتذكيرها بأن تركيا قريبة من الحدث العراقي، الا ان مقاتلي حزب العمال الكردستاني وكما نعرفهم، اصعب مما يتصوره اردوغان وشيشيك، وستخسر تركيا الكثير، وربما ستخسر هيبتها كما خسرتها اسرائيل امام حزب الله، لان انقرة لاتستطيع تحمل احتلال اي موقع جبلي في الاقليم وخصوصا ان الشتاء على الابواب والثلوج ستتساقط بعد ايام بأمتار في تلك المناطق، وقد يأتي يوم تندم فيها تركيا على عملها، وهذا اليوم قد يكون قريبا جدا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: الجنائية الدولية تقترب من إنهاء تحقيقاتها في جرائم حر


.. العالم الليلة | إسرائيل توسع عملياتها في رفح.. و-الأونروا- ت




.. العالم الليلة | ردود فعل ساخرة حول دعوة نصر الله فتح البحر أ


.. -الأونروا-: 450 ألف شخص نزحوا قسرا من رفح.. والشوارع خالية م




.. فلسطينيو الداخل يتظاهرون في ذكرى النكبة للمطالبة بعودة اللاج