الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضروري الممكن

هوازن خداج
صحفية وباحثة

(Hawazen Khadaj)

2007 / 11 / 1
المجتمع المدني


إن القدرة على إبداء الرأي تجاه أي موضوع مع احترام الرأي الآخر هو بداية خلق للمناخ الذي يقدر التنوع ويحقق المزيد من الفعالية ضمن العلاقات الإنسانية فوجود الرأي المختلف لا يعني وجود حالة من الشقاق أو الخلاف إنما الانتباه حول طريقة الاهتمام بالمشاكل وفتح الباب على حالة مهمة للتكيف الثقافي والاجتماعي، فأن نكون معاً لا يعني أن نمتلك نفس المشاعر ولدينا نفس وجهات النظر أو نفس طريقة التعاطي مع الواقع فهناك من يرى الواقع على أنه الموضة ويراه الآخر حالة من الإحباط، ومن يرى القوة هي السيطرة والقدرة على القمع والآخر يراها موهبة تحقيق الذات، هذه الاختلافات أو غيرها لا تؤثر على تفاعلنا بشيء إذا تم التعبير عنها، لكن انعدام التعبير هو الذي يسقطنا بفخ الغربة أو التعصب والابتعاد نسبيا أو كليا عن الآخرين فحالة التعصب لأي موروث ديني أو عرقي أو حتى ثقافي أو سياسي ليست إلا تعبيراً عن انعدام القدرة على الانفتاح على الآخرين والتكيف معهم أو مع مجتمعاتنا.

إذا كان الإنسان في أي بقعة على الكرة الأرضية وأياً كان انتمائه الديني أو العرقي أو السياسي أو الثقافي ...وأياً كان وضعه المادي هو مواطن بسيط وله مطالب بسيطة للحياة فما الذي يريده كي يعيش ؟ إن ما يريده ليس أكثر من تأمين الأمن له ولأسرته، العمل الذي يتناسب مع مؤهلاته وخبراته، المواصلات المنظمة، مدارس لتعليم أبنائه بعيدة عن أي حالة من الانسياق لأي فكر ديني أو سياسي، ووسائل اتصال تزوده بالمعلومات الدقيقة عن مجتمعه وعن العالم المحيط به، وحريته بالتعبير عن ذاته. أليست هذه مطالب ضرورية و بسيطة؟ إنها ليست معادلة رياضية مستحيلة الحل أو تحتاج لكثير من الإثباتات، فلكي نمتلك حياتنا علينا امتلاك مستلزمات وجودنا ولكي ننتمي لأي بلد علينا أن ندرك حقيقة وجودنا كفاعلين بهذا البلد الذي ننتمي له وان نستطيع تحقيق ذاتنا وتوازننا من خلال انتمائنا، لكن عندما تتحول هذه المطالب الضرورية للحياة إلى أحلام غير قابلة للتحقيق، فأنها تفرز وتعزز حالات عدم الرضا بقبول الانتماء إلى هذه الأوطان باعتبارها لا تمتلك ما يحقق شروط الحياة البسيطة وتزداد الأمور قسوة بالواقع الذي يعيشه المواطن في هذه البلاد المتأخرة إذ يسقطه بحالة من التشتت والضياع فعندما يبدأ الشخص بالوعي يحكم هذا الوعي بالخضوع للتركيبية القائمة بين الأسرة والمجتمع والبلد وهو إما أن يقمع أو يدجّن كي يكون جزء من الخليط الموجود ويزداد ضياعا بين الواقع الإنساني الذاتي له وبين الواجب الاجتماعي لوجوده بين أن يكون تابعا للتقاليد المتوارثة التي تمارس سلطتها كأجهزة منع فعالة بالانكفاء عن تحقيق الذات وبين تحقيق الذات بعيدا عن كل الروابط وهذا ما لا يستطيع الإنسان فعله، ويكتب على أي مواطن مها كانت ثقافته أن يكون نصف متحرر ونصف تقليدي نصف واقعي ونصف حالم وألا يستطيع العمل من أجل تحويل الأحلام الضرورية البسيطة لمشاريع ممكنة التحقيق داخل حدود بلاده أو أن يعيش إنسانيته بالطريقة الأمثل و يسقط بحالة من الغربة عن ذاته وعن كل ما حوله والتي تزيد بازدياد حالات التهريج السياسي والثقافي والديني، وإن تطور العالم بوتيرة متسارعة وهذه البلاد تزحف خلفه دون الوصول إليه ومماشاته، تجعل من المواطن أكثر عجزا في محاولة السعي لتحقيق ذاته ويحمل على أكتافه مشاعر الخوف والتهيب من الحاضر و المستقبل، كل ذلك يبعدنا عن التواصل وقبول ذاتنا والآخرين على اختلافهم، وتخفف من قدرتنا على التكيف وهي قدرة فردية خاضعة لتوازن الشخص مع ما يحيطه وتغرقنا بمطب الغربة عن الواقع وعن الموروث مع حكم البقاء داخله ،هنا لا يسعنا إلا أن نعبر عن هذا الوجود المحبط بتململ طفيف والسقوط بشرك الانتظار دون الفعل للحصول على شيء من الانسجام الذاتي.
إن هذه الحالة من الغربة التي نعيشها تبدو شديدة الوضوح لدى الشباب بعمر معين قد لا تصاغ هكذا لكنها تصاغ بتلك الرغبة بالسفر وذلك الحلم بمغادرة البلاد، وهذا الحلم ليس حكراً على الشباب من طائفة معينة أو بيئة معينة انه حالة عامة، وهو التعبير الدقيق عن حالة الهرب من الانسياق والرغبة بتحقيق الذات دون حصار من أي جهة ودون ولاء لأي جهة، وأكثر من هذا فهو تعبير عن صعوبة الانتماء والتكيف في هذه المجتمعات التي تبقينا "بالنصف" من كل شيء، وتتركنا مرهونين في حالة البحث عن متطلبات العيش البسيطة. هؤلاء الشباب هم الصورة الدقيقة عن طريقة حياتنا، وهذا "الحلم بالسفر" منهم من استطاع تحقيقه وانعتق من حالة الغربة داخل بلاده ورسم خطوات حياته بالخارج بالطريقة التي يريدها أو التي استطاعها، ومنهم من لم يستطع السفر وسقط بين الركض لتحقيق مستلزمات الحياة وبين حلم السفر وضاع في غربته الذاتية وتحجم بها بعيدا عن كل شيء، وتبقى الحالة الأسوء والأكثر انتشاراً تلك الشريحة الواسعة من المجتمع غير المتنورة والبعيدة عن أي مشروع ثقافي أو مجتمعي أو تفاعلي، وبالتالي هي ليست ضمن مجال هذه الدراسة. إن حالة الغربة التي نعيشها، مهما كانت انتماءاتنا أو ثقافاتنا، أسبابها كثيرة ومتنوعة، لكن الأكثر شيوعاً ووضوحاً هو انعدام قدرتنا على أن نكون ذواتنا وان ازدياد الحواجز و الحدود بيننا مع عدم التعبير الصادق عن الذات لا يعكس حالة من التنوع الإنساني، إنما ضآلة بالمساحات التفاعلية وانغلاق يزداد تزمتاً يتجدد من تلقاء نفسه مؤدياً إلى انسلاخنا عن الواقع الذي يجمعنا وعقم في القدرة على الفعل أو التفاعل ضمن شروط المواطنة الصحيحة.
قد تكون معرفة ما هو ضروري هي بداية الحل، لأن الضروري يجب أن يكون ممكنا مهما كانت صعوباته، التي اشتركنا في وضعها بشكل أو بأخر فنحن جميعا مسؤولين عن هذه الحالة لأننا نستمر بالتخبط بين ما نحن عليه وبين ما نريد أن نكونه وننقل نفس الميراث لأبنائنا دون قصد أو بقصد لأننا نكرر ضياعنا دون أمل بالخلاص، نكرر حلم السفر ونكرر غربتنا واغترابنا وتأففنا وتعصبنا ورفضنا وعدم انتماءنا الصحيح لبلادنا محكومين ببقائنا وبقاء أولادنا فيها لكن دون رجاء. إن سوء التفاعل مع الواقع الذي نحياه هو صورة لتفاعل إنساني فاشل آيل للتجمّد، بالمقابل لا بديل عنه، لكن هناك ضرورة ملحّة للخروج منه ومن حالة الدوران والدوران دون الوصول لتحقيق ذواتنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير مكتب العربية بفلسطين زياد حلبي: إسرائيل تخفض عدد الأسرى


.. Is The Death Penalty on the Rise?




.. هل تدرج الأمم المتحدة إسرائيل في -قائمة العار-؟


.. مراسل العربية: الدبابات الإسرائيلية تطلق قذائفها تجاه النازح




.. أخبار الصباح | إسرائيل قد تصبح على القائمة السوداء للأمم الم