الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم عن بعد.. الإعلام عن بعد؛ رهان المستقبل الواعد

التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)

2007 / 11 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


(نموذج جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام)

التعليم عن بعد.. الإعلام عن بعد
أحدث نظام التعليم عن بعد Distance Learning، ما يشبه الثورة العلمية الجديدة في عالم التربية والتحصيل العلمي والتكوين الممنهج، حيث تتلاشى المسافات بين التلميذ والمدرسة، أو بين الطالب والجامعة، مما يمنح الفرصة للجميع في أن يتلقى التعليم الذي يرغب فيه، ولو أنه غير متوفر في المحيط الذي يوجد فيه، فلم يعد البعد عن المؤسسة التعليمية، أو عدم التمكن من اللغات الأجنبية، أو ضيق وقت الطالب، أو غيرها من العراقيل، تصرف الطالب عن تحقيق طموحه العلمي باستكمال مشروعه الدراسي، لاسيما وأننا نوجد في زمن، بلغ فيه الإنسان ذروة تقدمه، في مختلف الميادين؛ ثقافية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو تعليمية أو غير ذلك.

ويعتبر حقل الصحافة والإعلام أهم شاهد على قصة تقدم الإنسان، الذي يعكس حقيقة ما توصل إليه العالم في عصر تكنولوجيا الإعلام، بإنترنيتها العجيب، وأقمارها الاصطناعية، وفضائياتها المتناسلة، وهلم جرا، لذلك فلا مناص من الانخراط في بوتقة هذا التحول، ليصبح الإعلام، وكذا الصحافة، ليس فقط أهم عنصر داخل منظومة التواصل الرقمي والفضائي الحديث فحسب، وإنما أول مشكل لها، وأول مفعل لها، وأول ناقل لها...

لذلك، يمكن التسليم بأن ميدان الصحافة والإعلام الذي هو، أصلا، ينبني على أسلوب التلقي عن بعد، يمثل أفضل حقل لنظام التعليم عن بعد، لأن خاصية البعدية جوهرية فيه، مما يجعل الطالب أثناء دراسته أكثر وعيا بأن الصحافة والإعلام ليسا فقط الاقتصار على مناهج الدراسة، من كتب ومحاضرات وغيرهما، وإنما التسخير الواعي للإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة، لأجل تحقيق تكوين معرفي ذاتي، موجه بمناهج الجامعة، وإرشادات المشرفين والأساتذة.

ثم إن نظام التعليم عن بعد، إن كان يبدو داخل العالم العربي والإسلامي ظاهرة جديدة، فإنه يعتبر في العالم الغربي تعليما قائما بذاته، يمتلك مؤسسات تعليمية على مستوى عال من الخبرة والعطاء، تضاهي أحيانا مؤسسات التعليم التقليدي، لذلك نرى أن ثمة الكثير من خبراء التربية في الغرب الذين ينظرون لهذا النوع من التعليم، بل ويحفزون الطلبة على الانتظام فيه، لأن هناك أكثر من مؤشر على أن التعليم عن بعد، سوف يشهد في المستقبل القريب ازدهارا لا نظير له، لأنه يملك إمكانات هائلة على تقديم تكوين ناجح، بتكاليف قليلة ومعقولة.

جامعة تؤسس لتعايش الأفكار والثقافات والناس
واستجابة لمقتضيات التغيير الشامل الذي صار يشهده العالم، وهو تغير يمنح الناس إمكانية التقارب أكثر، والتعارف أكثر، والتعاون أكثر، كان التفكير في استثمار آليات ذلك التغيير، في مجال التحصيل العلمي والبحث الأكاديمي، أمرا لا مناص منه، هذا بالإضافة إلى جملة من المنطلقات والأهداف، ثم دون إنكار الاستفادة من تجارب الآخرين، وفي خضم هذه الملابسات انبثقت تجربة جامعية متميزة، تمكنت في زمن قياسي، وهي في نعومة أظفارها، من أن تخلق لها حيزا معتبرا داخل المنظومة الجامعية العربية والعالمية، ترى ما هي هذه التجربة؟ وكيف تتحدد أهم منطلقاتها ومقاصدها؟

إنها جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، وهي كما ورد في القانون التأسيسي، بنسختيه الهولندية والعربية "مؤسسة تعليمية أكاديمية تربوية مستقلة وغير ربحية وغير سياسية، ليس لها أي توجهات حزبية أو إقليمية أو طائفية أو سياسية، وتعمل ضمن القوانين والأنظمة المعمول بها في البلدان الأوروبية، وبإشراف أساتذة متخصصين في الصحافة والإعلام، وتتحدد رسالة الجامعة في إشاعة روح السلام والتسامح، ونبذ ثقافة العنف والإرهاب.
كما تعتبر جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام أول جامعة أكاديمية متخصصة في علوم الصحافة والإعلام، باستخدام أفضل السبل في إيجاد ضوابط صحفية عربية، سواء في هولندا والاتحاد الأوروبي وكذا العالم الغربي، أو في العالم العربي والإسلامي. ويوجد مقر جامعة لاهاي العالمية للصحافة والاعلام في مدينة لاهاي (دين هاخ) الهولندية".

وقد تناول القانون المؤسس لهذه الجامعة مختلف العناصر، التي تعرف بطبيعتها ومميزاتها وملابسات تأسيسها وأهدافها وغير ذلك، وهي منشورة في الموقع الرسمي للجامعة، بحيث يستطيع أي قاريء أن يطلع عليها بتفصيل، وأحاول في هذه الورقة التطرق إلى أهم الحيثيات التي من شأنها أن تنسج صورة تقريبية عن جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، وهي كالآتي:
 تسعى جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام إلى المشاركة الفعالة في خدمة المحيط الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، عن طريق تلبية رغبة شريحة هامة من المجتمع المدني في التعلم والتكوين، ونظرا إلى الخصاص الكبير والملموس لدى التعليم الجامعي العربي، سواء السائد في العالم العربي أو الموجود في الغرب، في مجال الصحافة والإعلام، فإن الجامعة حملت على عاتقها استحداث هذا التخصص العلمي الأكاديمي.
 كما أن استحداث مؤسسة جامعية متخصصة في ميدان الصحافة والإعلام، يعني مبادرة متميزة تنم عن تحد كبير يطرحه واقع الحياة المعاصرة، التي يشغل فيها الإعلام، بمختلف طرائقه وتجلياته وخلفياته، حيزا شاسعا، مما يقتضي وعيا جديدا ومتجددا من شأنه أن يجعل المجتمع المدني في مستوى ما يقدمه الإعلام، أو العكس؛ أي الإعلام في مستوى ما يقدمه المجتمع المدني!
 ثم إن اختيار تخصص الصحافة والإعلام، جاء على أساس الطلب الكبير الذي لا يسايره العرض الشحيح، حيث إن الساحة العربية، سواء في العالم العربي أو في الغرب، تعج بعشرات الآلاف من الصحافيين في مختلف وسائل الإعلام، لكن يبدو أن أكثر من 90% منهم، لم يتلق تكوينا أكاديميا معينا، في مجال الصحافة والإعلام، ولا يملك شهادة جامعية تؤهله للعمل بشكل مهني وقانوني كصحافي أو إعلامي، مما يجعل الغالبية الساحقة من الصحافيين والإعلاميين العرب، داخل العالم العربي وخارجه، مجرد هواة، يفتقرون إلى المؤهلات العلمية والأكاديمية والتقنية التي تنقلهم من نطاق الهواية إلى مجال الاحتراف.
 لذلك، تسعى جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام إلى سد هذا الفراغ الكبير في مجال الصحافة والإعلام، وتمكين كل إعلامي أو صحافي مبتدىء أو أنه يمارس هذا العمل بالهواية، من تكوين جامعي أكاديمي دقيق، يبحر به في عوالم الصحافة والإعلام، معرفا إياه بأسرارهما الكثيرة والعجيبة، وملقنا إياه مختلف تقنيات الإعلام الحديث، ليصنع منه رجل صحافة أو إعلام كفء، يمارس هذا العمل الإنساني بأسلوب نزيه وديمقراطي، بعيدا عن حمى ما هو عنصري أو أيديولوجي.
 كما أن وجود الجامعة في دولة جد متقدمة مثل هولندا، يعني الكثير لها، لاسيما وأن المؤسسات الجامعية الهولاندية المتخصصة في الإعلام والصحافة، قطعت أشواطا كبيرة، أكسبتها خبرة أكاديمية وميدانية، تسعى جامعتنا الفتية إلى الاستفادة منها، واستثمارها بشكل علمي لدى طلبتها الموجودين سواء في هولندا أو خارجها، مما سوف يساهم بالتأكيد من جهة أولى، في تفعيل علاقة المثقفين العرب الموجودين في هولندا بالواقع الذي ينتظمون فيه، وتحقيق تواصل بناء مع مختلف مؤسساته المدنية والحكومية والتعليمية، ومن جهة ثانية في تعريف المثقفين العرب في العالم العربي، بقيمة ما توصلت إليه المؤسسات التعليمية الهولندية في مجال الصحافة والإعلام.

على أساس هذه الرؤية، انبنت فلسفة جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، التي يطمح مؤسسوها إلى توفير جامعة مستقلة متخصصة في الصحافة والإعلام، وهي مبادرة متميزة غير مسبوقة، ترى أن الإعلام صار يؤدي دورا رياديا في هذا العصر الإنترنيتي، وأن بقاءه في طور الهواية أو التلقين التقليدي أو العقلية القديمة، يساهم في كبح جماح المجتمع المدني نحو التطور بوتيرة موازية لما يحصل من ثورات علمية وتكنولوجية، مما يقتضي من جامعة لاهاي للصحافة والإعلام، نشر التوعية اللازمة بأن التربية الإعلامية النزيهة أصبحت عنصرا رئيسا للرقي بالمجتمع المدني، إلى مستوى تسود فيه ثقافة الوضوح وصراحة التعبير ونزاهة الفكر... وهي قيم إنسانية مشتركة من شأنها أن تؤسس لتعايش الأفكار والثقافات والناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة


.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم




.. روسيا تعلن اعتراض أكثر من 100 مسيرة أوكرانية فوق جنوب البلاد


.. لبنان.. اغتيال قائد في سلاح جو حزب الله بضربة إسرائيلية| #ال




.. -الصدام يتجدد-.. ما وراء الهجوم المتبادل بين فتح وحماس؟| #ال