الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مقال حول العلمانية صادر بمجلة الآداب

كريم بن احمد

2007 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ملاحظة منهجية :

اهتمامي بمقال السيد طارق الكحلاوي في مجلة الآداب "السرديات الشمولية لعلاقة الدين بالدولة و تاريخانيّتها" ينبع من فضولي المعرفي ومن اهتمامي الخاص بمسألة العلمانية في السياق العربي الإسلامي. وإن كان يبدو لكاتب المقال أو لأي مراقب محايد أن ملاحظاتي منحازة أو أنها تفتقر إلى الدقة أوإلى المعرفة اللازمة فإن ذلك الإنطباع له قطعا نصيب كبير من الصحة. فأنا متطفل على التاريخ وعلى السياسة والإقتصاد والثقافة واختصاصي المهني بعيد كل البعد عن كل هذه المجالات. لكني أعتبر نفسي مواطنا يعيش عصره وأعتبر أنه من حقي مناقشة كل ما يخص الشأن العام، وإن كان ذلك يعني تدخلا في مجالات غير مجالات تخصصي.

****

تحت العنوان الفرعي "السرديات الشمولية" يبين الكاتب وجود تيارين الأول يؤمن بحقيقة الممارسة العلمانية في التاريخ الإسلامي (بعبارة أدق حقيقة الفصل الفعلي بين الدين والدولة)، والثاني تيار يؤمن بخصوصية ما للنسق العربي الإسلامي تجعل منه استثناء. ففي رؤية هذا التيار لم يكن المسلمون ليفصلوا يوما بين الدين والدولة ولا يمكنهم مستقبلا فعل ذلك لكون الإطار النظري الإسلامي مختلفا عن نظيره المسيحي. الملفت أن هذه النظرة تجمع منظري الإسلام السياسي مع بعض المستشرقين القائلين باستثنائية الإسلام والمسلمين. وما يعيبه الكاتب على أصحاب النظرتين هو كونهم يتخذون مواقف نظرية ذات رؤية "شمولية" لا تمارس تحليلا موضوعيا للوقائع التاريخية بل تسقط تصوراتها على تاريخ تتناوله بكثير من البسيط والتسرع.

ولذلك فإن الكاتب يأخذ على عاتقه مهمة سبر أغوار"تاريخانية" العلمانية في السياق الغربي في مرحلة أولى ثم "تاريخانية" علاقة الدين بالدولة في السياق الإسلامي في مرحلة ثانية، وهو بذلك يحاول أن يبتعد عن ميادين السرد الشمولي النظري لمسألة العلمانية ووضعها في إطار تاريخي (أو "تاريخاني") أقرب للدراسة الأكاديمية منه للخطاب الفكري أو السياسي.

حول تاريخانية العلمانية، يمكن تلخيص الأفكار الواردة في المقال بلغة أقل أكاديمية وحسب فهمي الخاص لها :

ـ الإطار النظري الموروث عن ماكس فيبير تجاوزه الزمن وتعرض للكثير من النقد
ـ عدم صفاء مفهوم فصل الدين عن الدولة : فالتاريخ الأسطوري للعلمانية عرضة للنقد في هذا العصر (إعادة تأويل التجربة الغربية بمنظور تاريخي مثلما هو الحال في بريطانيا فرنسا والولايات المتحدة والنظر إلى حقيقة الممارسة عوضا عن الإكتفاء بالمبادئ التشريعية)
ـ إعادة تأويل المثال التركي في إتجاه التسليم بتداخل الشأن العام والدين على الأقل منذ 1950

أما تاريخانية علاقة الدين بالدولة في الإطار الإسلامي فيمكن تلخيص أفكار المقال فيما يلي :

ـ التباس لدى الباحثين بين تاريخ التنظير للدولة وتاريخ الممارسة السياسية
ـ حاجة المؤسسة السياسية إلى حد أدنى من الشرعية الدينية ولكن دون أن يعني ذلك اختصاص الحاكم بالفقه، بل يتمثل ذلك في تولية قضاة من داخل المذهب الرسمي وفي أخذ النصيحة من الفقهاء دون الإلتزام بالتطبيق
ـ فصل في الممارسة بين الأمير المطالب بصفات سياسية بالدرجة الأولى وبين ممثلي الإسلام الرسمي من قضاة وفقهاء يجدون أنفسهم، في آخر الأمر، مطالَبين (بل ومنظرين) لواجب طاعة الحاكم

ويخلص الكاتب في نهاية المقال إلى أن القراءة التاريخانية هي المطلوبة اليوم للتقدم بالنقاش الفكري حول موضوع العلمانية. فتبني أنظمة فكرية شمولية هي "عناصر معطلة" والحلول الجاهزة والإسقاطية (سواء تمثلت في استنساخ تجربة مسيحية أو في تطبيق دولة دينية إسلامية وهما حلان لا يستندان إلى واقع تاريخي بقدر استنادهما إلى تصورات فانتازماتية) لن تساهم في إنجاح النقاش.

****
من جملة المؤاخذات التي يمكن أن نسوقها حول هذا المقال هو غياب أية محاولة تأليفية بين شقي المقال. فبتبسيط شديد يمكن القول أنه في الجزء الأول يخبرنا الكاتب أن العلمانية في الغرب ليست علمانية بالنقاء الذي نتصوره، ثم يخبرنا في الجزء الثاني أن تداخل الدين والدولة في الإسلام ليس مسلما به، بل إن هناك فصلا ما في تاريخ الممارسة السياسية الإسلامية... ولسائل أن يسأل :

SO WHAT ??

كان بودي لو أن الكاتب ذهب أبعد قليلا من تحليله الأكاديمي وأخبرنا بما يمكننا استنتاجه مما يذكره لنا من حقائق تاريخية. قد يكون ذلك تجاوزا لدوره كباحث في التاريخ، لكنني كمواطن أنتظر أن أقرأ رأي السيد الكحلاوي بعد أن قرأت سرده الأكاديمي الذي تكمن أهميته في كونه تمهيدا وإعادة تأطير لنقاش لم يقترب منه الكاتب بعد.

وللتوضيح أكثر فإن الأسئلة التي كنت أنتظر حولها إجابات على الأقل في خلاصة المقال هي


ـ ما هي انعكاسات نقد التاريخ الأسطوري للعلمانية في الغرب على امكانات تحقيقها في السياق العربي الإسلامي ؟

ـ هل نحن بصدد اعادة تعريف للعلمانية عند دراستنا لتجاربها المختلفة في الغرب ؟ وهل يمكن الإستخلاص بعد التعريف الجديد للعلمانية أنها مطبقة "بشكل ما" في الدول الإسلامية اليوم ؟ أم أن العلمانية بتعريفها الجديد خاصية غربية محضة ناتجة عن سياق تاريخي محدد وبالتالي مستحيلة التحقيق في إطار إسلامي ؟

ـ هل أن الإهتمام بالممارسة السياسية لعلاقة الدين بالدولة في التاريخ الإسلامي مقدمة للقول بإمكانية العلمانية على الأقل نظريا ؟ وأية علمانية نقصد (أي تعريف للعلمانية نعتمد إذا راجعنا تعريفاتنا تبعا للسؤال السابق)؟

كقارئ لمقال السيد الكحلاوي لم أجد إجابات لمثل هذه الأسئلة، ومن المؤكد أن الإجابة عنها لم تكن محور اهتمام الكاتب المهتم أكثر بإعادة صياغة النقاش وجعله يتمحور حول قراءة تاريخية أكثر دقة لمسألة العلمانية.

إضافة إلى ذلك فإن تساؤلات أخرى قد برزت في ذهني وأنا أقرأ هذا المقال. إذ رغم حرص الكاتب الشديد على الدقة، فإنه يسقط هو نفسه في العموميات من قبيل اعتبار المدافعين عن العلمانية من اليسار بالضرورة أو يكاد. فقارئ المقال يخيل له أن لا مدافع عن العلمانية سوى "الوافدين [...] من صفوف يسارية لم يبق لها من الخيارات سوى التشبث برؤى فوقية حتى في قراء اتها التراثية الطارئة والمستعجلة." وإن لم يكن موضوع المقال حول علاقة اليسار بالعلمانية فإن هذا الربط بين الدفاع عن العلمانية وبين اليسار يبدو ثابتا حيث يقول الكاتب أن "النخب اليسارية السابقة أضحت قضيتها المركزية بشكل فجائي "علمنة الدولة" بعد عشريات من الكفاح من أجل ديكتاتورية البروليتاريا".

من المفاجئ أن يختصر الكاتب كفاح اليسار في كفاحه من أجل دكتاتورية البروليتاريا في حين أن الأطياف اليسارية متعددة ومختلفة ويجمعها النضال من أجل العدالة الإجتماعية قبل أن تجمعها دكتاتورية البروليتاريا ووضع اليسار في سلة واحدة بهذه الطريقة هو مجحف بحق اليسار ومناضليه رغم أني لا أعتبر نفسي من ضمنهم.

على مستوى ثان يبدو الربط بين العلمانية واليسار مجحفا أيضا وذلك نظريا على الأقل. فمن خلال موقعي كمواطن بعيد عن المعارك الأكاديمية بعده عن ساحات السياسة ومعتركاتها أكاد أتنبأ بمن يتكلم باسم العلمانية في العالم العربي : الأقليات الدينية، الأقليات الطائفية، الأقليات العرقية، المثلجنسيون، الملاحدة، اللاأدريون، الحركات النسوية، كل من لا يتبع حرفيا تعاليم الدين... باختصار كل من له مصلحة في إبعاد الدين عن الحياة العامة ...

فالعلمانية عند هؤلاء وغيرهم هي مطية النجاة من الفكر السياسي المتأسلم الذي يقدم حلا شموليا لشكل الدولة تضحى معه بعض الإمتيازات والحريات مهددة. بعبارة أخرى إذا كانت بعض الأوساط الإجتماعية المحافظة تتسامح مع أطروحات أصولية متشددة فإن ردة فعل الأقليات الإجتماعية والفكرية ستكون حتما في اتجاه الدفاع عن العلمانية وذلك بقطع النظر عن الإيديولوجيا السياسية. وبما أني لا أدعي معرفة بالمدافعين عن العلمانية (فضلا عن معرفة مشاربهم الفكرية) فإني لاأستطيع أن أجزم بأن غالبيتهم هم بالفعل من اليساريين أم لا.

من الممكن أن يكون الكاتب متأثرا بالمستجدات على الساحة التونسية حيث تتصدر حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) جبهة الكفاح من أجل العلمانية.

لو سلمنا جدلا بهذا الربط بين العلمانية واليسار وتسائلنا عن أسباب هذا الإهتمام "المفاجئ" بالعلمانية في أوساط اليسار لوجدنا أن الإجابة تكمن في خصوصية المرحلة : فنحن في البلدان ذات الأغلبية المسلمة و ـ أو العربية لم نحسم بعد قضية شكل الدولة (من المؤسف أن يكون الحال كذلك بعد نصف قرن من الإستقلال) وهذه المسألة بالذات تطرح نفسها بكل إلحاح على المستويين النظري والتطبيقي بعد أن عانت الشعوب ويلات الأنظمة العسكرية والإنقلابات والديكتاتوريات. فاليسار ـ كله أو بعضه ـ يتفاعل إذن مع واقع المرحلة بطرح تصوراته الخاصة، حتى وإن بدت هذه التصورات إسقاطية ومنبتة عن الواقع فهي لا تقل تجريدا ومثالية عن طروحات الإسلام السياسي.

من المصادفات أني اكتشفت مقال السيد الكحلاوي تقريبا في نفس الوقت الذي قرأت فيه لصادق جلال العظم مقالين عن العلمانية يوضح فيهما الفرق بين التنظير للعلمانية وبين إمكانات تحقيقها تاريخيا. فلا يمكن مثلا للإسلام أن يقبل العلمانية فقهيا وعقائديا، لكنه في الوقت نفسه قادر على استيعابها تاريخيا واجتماعيا. فالعظم يفرق بين "لا" عقدية (أو "صراطية") يحمل لوائها الإسلاميون وبعض المستشرقين الذين يصرون على "استثنائية" الإسلام، وبين "نعم" اجرائية أثبت الإسلام تاريخيا أنه قادر على قولها حين يتعلق الأمر باستيعاب متطلبات جديدة للمرحلة متناقضة مع عقائده.

تحليل العظم (تجدونه على الإنترنت تحت عنوان" العلمانية من وجهة نظر صادق جلال العظم" في جزئين) يتقاطع مع مقال طارق الكحلاوي في عدة نقاط، والمدهش أنه صادر عن أحد اليساريين السابقين الذين يتحدث عنهم الكاتب، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن الكاتب كان متسرعا في حكمه على حاملي لواء العلمانية من اليساريين أو اليساريين السابقين، فهؤلاء ليسوا قطعا كلهم مستعجلين في قراءتهم للتراث كما يحلو للكاتب وصفهم

*****

وكخلاصة يمكن القول أن محاولة إعادة صياغة الحوار ووضعه في إطار الدراسة التاريخانية هي محاولة محمودة رغم أنها توقفت عند مرحلة معينة ولم تتناول مثلا التاريخ الحديث للممارسة السياسية (كيف يمكن مثلا ربط التجربة العلمانية التركية بماضيها العثماني ؟ هل أن تاريخ علاقة الدين بالدولة في تونس مثلا كان محددا لعلاقتهما اليوم في هذا البلد ؟...). وتبقى الرؤية التاريخية في رأيي زاوية نظر ليست لها أهمية إلا بقدر تفاعلها مع الواقع السوسيولوجي والسياسي للمسألة حيث يكمن لب الموضوع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله