الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع العراقي بين الدولة والميليشيات

عبد الستار جبر

2007 / 11 / 5
المجتمع المدني


هل ثمة "حمى ميليشيات" تسري في اوصال المجتمع؟ الاحزاب تحولت الى ميليشيات، او كونت لها اذرعا عسكرية، أي اطراف ميليشيوية، بل ان بعض الكيانات السياسية وُلِدَت ميليشيات، يسهم بذلك طبعا غياب قانون ينظم عمل الاحزاب. العشائر تحول قسم منها الى ميليشيات او كونت لها فصائل مسلحة، خصوصا تلك التي تعيش في المناطق المسماة بالساخنة، وزحفت عدواها الى مناطق اقل سخونة. انها نزعة التسلح، الضاربة الجذور في جسد المجتمع العراقي، فاذا صدقت الاشاعات والتعميمات التي لا تستند الى تقارير دقيقة، بانه لا يكاد يخلو بيت عراقي من سلاح، فإننا بازاء شعب مسلح، وما ايسر الامر اذن ان تنزلق او تندفع الاثنيات المكونة لهذا المجتمع، والتي لم تتوصل بعد الى صياغة عقد اجتماعي للعيش المشترك فيما بينها، باتجاه تكوين قوى مسلحة، ما دامت ترى ان الحل هو العنف المتبادل، بسفك الدماء، وتخريب البنى التحتية، وتدمير الممتلكات، وبالتالي تقويض مؤسسات الدولة التي يفترض ان تعكس ارادة المجتمع في خيار السلم وتحقيق المساواة وترسيخ المواطنة.
فالدولة كيان قانوني، يستمد شرعيته من نظام دستوري، يصوت عليه الشعب، لكن كيف اذا كان هذا الشعب نفسه يقوم بتكوين ميليشيات؟، وهي قوى مسلحة غير قانونية تحاول فرض سيطرتها، وتكوين مناطق نفوذ لها، تعمل بالاتجاه المعاكس والمضاد لعمل الدولة، وهي تقتات على ضعف الدولة وضياع هيبتها وفقدان قدرتها على فرض القانون وبسطه على الجميع.
اننا بازاء سلوك انفصامي، يؤشر خللا واضحا لدى ارادة هذا الشعب، ويكشف لنا عن ازدواجية فاضحة في خياراته المصيرية، فكيف لك ان تختار صناديق الاقتراع وحمل السلاح في الوقت نفسه؟، كيف لك ان تجمع بين السلام والعنف في آن معا؟؟
هل نحن مجتمعات مريضة، مضطربة ومتذبذبة، لا تعرف الاستقرار على خيار واحد، يعكس رغبتها وارادتها الحقيقية؟، فتتأرجح بين قطبين متناقضين، يتجاذبانها حد التمزق. ام اننا مجتمعات تفتقر الى ارادة حرة واعية، لا تندفع وراء ردود الافعال والمواقف المتشنجة؟
ربما ندفع ضريبة عدم الانسجام الاثني بين مكوناتنا الاجتماعية، وغياب عقد اجتماعي للعيش المشترك، على اسس السلام والتسامح والمنفعة المتبادلة. وهو اساس وقاعدة ضرورية تسبق بناء الدولة وترسيخ اسس المواطنة، فالعقد الاجتماعي يصنع التعايش وقبول الاخر، ثم تأتي الدولة لتصنع المواطنة والمساواة. ربما هنا بين هاتين المسافتين، هاتين العمليتين، تكمن طبيعة الخلل في ارادة الخيار المطلوب، فمسار المجتمع يجب ان يتطابق مع مسار الدولة، أي ان يسعى المجتمع الى صياغة عقد اجتماعي بين مكوناته، ليكون ارضا صالحة لبناء الدولة وشكل النظام السياسي المرغوب به، أي ان يكون مساره واحدا، اما اذا اختار مسارين مختلفين، احدهما قانوني تمثله الدولة، اذ يطمح بالمواطنة والمساواة التي تحققها له ويختارها عبر صناديق الاقتراع، والثاني غير قانوني تمثله الميليشيات، وسيلة للدفاع والهجوم فيما بين مكوناته، توهمها الميليشيات بأنها تملك القوة على تمثيل مصالحها والدفاع عن هويتها والانتصار على اعدائها من المجتمع نفسه، وهي تسعى بذلك الى الانتصار على خوفها من الاخر الذي تفقد الثقة به، وتشعر بأنه يهددها، وذلك لان المجتمع لم ينجح في صياغة عقده الاجتماعي. فإنه بذلك يخلق صراعا بين ارادتين متعارضتين، ينتهي الى تقويض احداها، لكن بتكاليف باهضة الثمن للغاية في الارواح والموارد المالية والبنى التحتية.
يبدو لي ان الحل يكمن ليس في نزع اسلحة الميليشيات، او دمجها في اجهزة الدولة الامنية، كالشرطة والجيش، انما في القضاء على الاسباب المؤدية الى تكوين الميليشيات وانتشار عدوى التسلح. ان المصالحة الاجتماعية وليس السياسية (بين الاحزاب والميليشيات المهيمنة)، هي التي تقوم بعملية امتصاص التشنج والتوتر، فتحد من ردود الافعال، وتقلص من الاندفاع وراء الانتقام واستعراض القوة، وهي التي توقف عملية توليد ميليشيات جديدة. وهي بذلك تمهد الطريق امام الدولة لتبسط سلطتها القانونية، وتنجح في بناء مؤسساتها، لتكون قادرة بذلك على منح المواطنة وصيانتها وكفل العدالة والمساواة للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق