الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشائر السادة الرؤساء

سعدون محسن ضمد

2007 / 11 / 9
المجتمع المدني


هناك علاقة بين استقلال الفرد عن الجماعة الحاضنة له (العشيرة/ العائلة) وبين تحضر المجتمع وسيره باتجاه الحياة المدنية. هذا ما أكد عليه علماء الاجتماع، وأكدته التجربة الإنسانية أيضاً.
فكلما ترسخت الحياة المدنية بمجتمع ما، زاد استقلال الفرد فيه من جهة، واضمحلت سلطة جماعته (العرقية أو الدينية) عليه من جهة أخرى. قد تكون القرابة آلية ضرورية بالنسبة لمجتمعات ما قبل الدولة باعتبار انها تسد حاجة الأفراد للمؤسسات الحامية لهم والراعية لحقوقهم. لكن مع توفر المؤسسات التي تسد هذه الحاجات في المدينة لا يعود للقرابة مكان. لكن هناك مشكلة تعاني منها مدن العراق عامّة، إذ أنها فشلت في (تمدين) سكانها، ما جعل المجتمع العراقي يرجع القهقرى باتجاه سنوات التخلف.
كثيراً ما تستخدم درجة انتماء الفرد لجماعته وذوبان استقلاله داخل سلطتها كمقياس لمعرفة مستوى التحضر الذي يتمتع به مجتمع ما. وهناك الكثير من الرواسب الاجتماعية التي تتسرب من حياة الريف إلى حياة المدينة. هذه الرواسب يمكن استخدامها كدلائل تكشف عن رسوخ الميل القرابي لدى الأفراد وإحساسهم بالولاء للجماعة العرقية أو الطائفية. ما يعني ضعف البناء المدني في المجتمع. ومن هذه الرواسب ظاهرة التسمي باسم العشيرة (المالكي، الجعفري، الدليمي، الهاشمي، البارازاني... الخ). فاستخدام اسم العشيرة ظاهرة متسربة إلى الحياة المدنية من الحياة الريفية أو الصحراوية السابقة. وكلما كان انتشار هذه الظاهرة أكثر، زادت دلالتها على ترسخ النسق القرابي وتأثيره على الحياة الاجتماعية. ولو اننا أحصينا أسماء شاغلي وظائف الدولة لفوجئنا بكثرة العشائر التي تتقافز علينا من هنا وهناك. والسؤال المحرج لنا ـ باعتبارنا أصحاب مدنية عريقة ـ هو: إلى ماذا يشير إصرار العراقيين على الإشارة لأسماء عشائرهم؟
عندما يقع مجتمعنا فريسة أزمة تمييز عرقية أو دينية. يصبح من المخجل أن لا يلتفت أفراد المجتمع وقادته لضرورة الترفع عن الارتماء بأحضان عشائرهم أو طوائفهم. ويصبح من المدهش أن شاغلي أعلى وظائف الدولة والمسؤولين بصورة مباشرة عن الوقوف بوجه التمييز، يصرون على الإشارة لجذورهم العرقية أو الدينية أية محنة تكرسها غفلة بهذا الحجم؟ وأي وحل كريه تغمس المجتمع فيه. فارتباط أسماء شاغلي المناصب العليا في الدولة بأسماء عشائر محددة، يشجع على استخدام معيار القرابة على معيار الكفاءة في إشغال الوظائف، ويؤدي أيضاً لنشوء استحقاقات خاصَّة بأبناء هذه العشائر دوناً عن غيرهم.
الملفت للنظر في هذا السياق أن الانتساب للعشيرة لا يمكن له أن يكون أمراً حقيقياً. فكيف يمكن لنا أن نتأكد من انتسابنا لجد تفصلنا عنه أكثر من ألف سنة (مثلاً)؟ هل يمكن لوعي يعيش الألفية الثالثة أن يصدق بمثل هذه الكذبة؟ تتأكد هذه النكتة عندما يرتبط النسب بمكاسب مالية أو اجتماعية، كما هو الحال بالنسبة لأنساب السادة (الأشراف) فهذا النسب يرتبط باستحقاقات، وهذه الاستحقاقات تتضمن أبعاداً دينية/ شرعية، ومن المؤكد أن هذه الاستحقاقات ترتكز (شرعياً) على صحة النسب، لكن ما الذي يمكن أن يؤكد مثل هذه الصحة؟
قبل أيام سمعت أن هنالك ضرورات صحية أو قانونية تحتم على بعض الآباء إجراء فحوصات الـ(دي أن أي) لغرض التأكد من صحة انتساب أولادهم لهم! بمعنى أن النسب المباشر لا يمكن التأكد منه إلا عبر الـ(دي أن أي) فما بالنا لا نشعر بأية حاجة للتأكد من أنساب مضت عليها آلاف السنين؟ لا بل اننا نتقاضى الأجور بسببها وحتى نتقاتل من أجلها. ألا يعني هذا بأن منظومة المعايير التي نعتمد عليها بقياس الأشياء أسطورية بشكل مخجل؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا


.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ




.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة


.. خطر المجاعة لا يزال قائما في أنحاء قطاع غزة




.. ما الأسباب وراء تصاعد الجدل في مصر بشأن اللاجئين السودانيين؟