الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف من التحلج

عمار السواد

2007 / 11 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اذا كان "فولتير" في القرن الثامن عشر مؤسس التنوير فان"الحلاج" في القرن العاشر كان فرصة لإعادة تأهيل العقل النقديّ. لقد بلور "الحلاج" منهجاً نقدياً في التصدي لثقافة القطيع والركام الثقافي المتيبس على عقل المجتمع والنخبة .
في هذه النقطة بالتحديد يقف "الحلاج" موقفاً مفصلياً باعتباره من أوائل من تعاطى باستقلالٍ فكريّ ووجدانيّ عميق مع كثير من التساؤلات وتحديات الفكر، وأهمها قضية العلاقة بين الإيمان والتديّن، ليحسم موقفه في نهاية المطاف تجاه السؤال الذي يؤرق الكثيرين: هل الله وجود يحتكر الدينُ تفسيره؟ وهل إن الدين هو فقط مفتاح الإيمان بالله؟ وهنا تحديداً تمكن "الحلاج" من تجاوز المأزق التقليديّ والواجهة المعتادة لنخبة تلك المرحلة، ليصبح قادراً على التحرك بمعزل عما هو قائم وسائد، وليتحول الى علامة فارقة أسست للتصدي للطوباوية.
وقد عكس صلب "الحلاج" من قبل دولة الخلافة بشرعنة من فقهاء السلطة والمجتمع الخوف العميق الذي بلغته امبراطورية مترامية الاطراف ومؤسسة دينية تزعم انها امتداد لإرشادات وشرائع الأنبياء من رجل واحد وعقل واحد ونقد واحد، لوعيها بقدرة أي عقل نقدي مهما كان فردياً على زعزعة الأشياء التي اعتاشوا عليها وتسلطوا على رقاب الناس من خلالها، فوسيلة أولئك الفقهاء كانت جهنم وتهديد العباد بها، ورصيد تلك السلطة في زعمها أنها خلافة الله في الأرض لتقيم حدوده ولتصبح بذلك كعبة الناس. و"الحلاج" خطر على ذلك السياق التسلطيّ، لأنه لجأ إلى تفكير وخطاب يفككان كل المقولات التي تساهم في استغلال الناس باسم الله، وبذلك فان نجاح ذلك التفكيك سيؤدي الى تفكيك ثقافة القطيع وتشتيت العقل الجمعيّ. فقد نادى بحب الله، وهي قضية فردية، بمعزل عن قضية الدين وبدلاً من خوفه، واعتبار الإنسان كإنسان انعكاساً لله وليس فقط الخلفاء والفقهاء. وبذلك كان "الحلاج" أول من فصل أولئك عن الله وعراهم هم وأفكارهم ودينهم.
والمهم أيضا في "الحلاج" انه كان صريحاً وواضحاً ومباشراً، لم يلجأ إلى تغليف قناعاته وخطابه، بل طرحها بوضوح ودون مساومات، وهنا ساهم "الحلاج" برسم أولى خطوط المثقف النقديّ إلى جانب حالات أخرى كـ"إخوان الصفا" وسائر المتصوفة النقديين.
ورغم وجود فلاسفة ومتكلمين نقديين إلا إن ظاهرة "الحلاج" ومعاصريه النقديين اتسمت بوضوح أكثر ومباشرة لا تترك مجالات للتمويه.
من هنا كان وضوح نقدية "الحلاج" فرصة لم يستثمرها آباؤنا النقديون جيداً. وهنا تكمن المقارنة بين "الحلاج" كحالة او كظاهرة وبين واقعنا النقدي المعاصر. ففي العراق تحديداً هنالك عشرات من العقول النقدية المدركة لخطورة الركام الديني والإجتماعي والثقافي، والقادرة بحسب إمكانياتها الثقافية والفكرية على التصدي للسائد المتسلط، ولكنها لم تقم بذلك أبداً، فهي في الغالب تغلف خطابها ونقدها بما يضيع أهمية النقد، إذ أن نخبنا التي يعوّل عليها كثيراً في التصدي للطوباوية واستبداد العقل الجمعي الإقصائيّ الحاكم، خائفة ومترددة ومموهة، إذ تسعى للاحتفاظ بانتمائها للعقل النقديّ لكنها في الوقت ذاته تريد لنفسها الاحتفاظ بكل مكتسبات الإنتماء للقطيع، لكنها لا تدري انها قد تتحول تدريجيا إلى أن تصبح جزءاً من السائد في الثقافة وبذلك تصبح نخبة روضتها الظواهرُ الدينية والسياسية السائدة، مثلما تمكن النظامُ السابق من ترويض النخبة وإبعادها عن منطلقاتها النقدية لتصبح جمهرة مهرجين بدلاً من كونها نخبة نقدية
. لذلك فإن موقف العقل النقديّ، اليوم، يدعو للقلق، أبناؤه يدّعون التمسكَ به رغم تخليهم عنه! وخصومه دخلوا معه في معركة غير شريفة. في حين إن هناك حاجة ماسة إلى اللجوء إلى ذلك العقل النقديّ بنفس الوضوح الذي كان عليه "الحلاج". وأعتقد اليوم إن عدد القادرين على التصدي لثقافة التسلط وعملية تجهيل الناس أكثر من أولئك الذين كانوا حول "الحلاج" بل وأكثر حتى من النخبة المحيطة بـ"فولتير".
في العراق اليوم هنالك الكثيرون ممن يستطيعون فعل الكثير ولكنهم تائهون، اكتفوا بنقد الهامش بحثاً عن رضى العقل الجمعيّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية


.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة




.. لتخفيف التوتر مع حزب الله.. إسرائيل توافق على عرض فرنسا| #ال


.. مرض الحصبة يتفشى في بريطانيا وسط مخاوف الأسر من تطعيم أبنائه




.. اشتباكات بين الشرطة في لوس أنجلوس وطلاب محتجين ضد حرب غزة في