الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اليوم العالمي للفلسفة ..

عصام عبدالله

2007 / 11 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أطلقت اليونسكو مبادرة "اليوم العالمي للفلسفة" عام 2002، ويتم الاحتفال بهذا اليوم كل سنة في الخميس الثالث من شهر نوفمبر، ويوافق هذا العام يوم 15 نوفمبر 2007 . يهدف هذا اليوم إلى تشجيع تقاسم مختلف مصادر الإرث الفلسفي عبر العالم، وإثارة النقاش بشأن التحديات التي تواجه مجتمعاتنا الإنسانية . كما أنها تسعى إلى توعية الشباب إزاء هذا الفرع المعرفي المهم الذي يتجاوز إطار المادة المدرسية، والذي سيساعدهم على التفكير في المشاكل المعاصرة والإحاطة بها بشكل أفضل. وقد اعتمدت بلدان كأستراليا وبلجيكا والبرازيل والنرويج وتركيا قرارات للتعريف بالفلسفة منذ مرحلة التعليم الابتدائي ، كما أن تطويروتعليم "الفكر النقدي" والأخلاقيات في العديد من البلدان يقوم أيضاً على الوعي بالتحديات المتصلة بالفلسفة، وأهمها تكريس التسامح ونبذ العنف والتعصب بمختلف أشكاله .
يدلنا تاريخ الفلسفة على أن التسامح كان دائماً مقوماً أساسياً من مقومات التفلسف ، بقدر ما كانت الفلسفة هى أهم مقومات التسامح ، فاعتماد الشك فى التفكير الفلسفى والأخذ بمبدأ نسبية الحقيقة والاعتراف بالاختلاف وبمشروعية الخلاف هو التسامح بعينه.
وكانت "محاورات" أفلاطون فى تقبل مواقف متعددة متغايرة ، تكشف عن روح التسامح" فالسوفسطائيون يحيون فى محاوراته رغم أنه يختلف عنهم اختلافاً كبيراً ، فهو يورد فى محاورة "بارمنيدس" وجوه الاعتراض الرئيسة على موقفه الميتافيزيقى الخاص ، وهو يعلن أنه قد يكون على خطأ.
وفى مواقف حاسمة من جداله يقدم ما يسميه فقط بـ "قصة محتملة" ، وهكذا فإن اعترافاً بالحدود الإنسانية ، أى بإمكانية وجود بعض الحق فى أنحاء متعددة ، ينجم عن التسامح الذى هو ثمرة التواضع المخلص.
يقول "فولتير" : "إننا جميعاً من نتاج الضعف ، كلما هشون ميالون للخطأ . لذا دعونا نسامح بعضنا بعضاً ، ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل ، وذلك هو المبدأ الأول لحقوق الإنسان كافة".
ونحن مطالبون من أجل تأصيل التسامح ، إلى تجسيد معطيات رئيسية فى التعامل والتكامل مع الآخرين ، أهمها أن نصغى إلى الآخرين أياً كانوا بدافع التعلم منهم لا احترامهم فحسب ، خاصة خصومنا وأندادنا.
ان تعلم فن الإصغاء إلى الآخرين يعنى ببساطة أننا راغبون فى الدنو من الحقيقة واكتشاف أفضل أسلوب للعمل . "فقد أكون أنا على خطأ وقد تكون أنت على صواب ونحن عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلانى قد نصل سوياً إلى تصحيح أخطائنا ، وربما نصل معاً إلى مكان أقرب إلى الحقيقة أو إلى العمل بطريقة صائبة."
إن مقولة سقراط : "إننى أعرف أننى أكاد لا أعرف شيئاً ، وحتى هذا أكاد لا أعرفه" .. ما تزال حية وفاعلة حتى يومنا هذا ، ومنها اشتقت معظم النتائج الاخلاقية عند إرازموس ومونتينى وفولتير وليسنج وغيرهم ، فالتواضع الذهنى والأمانة العقلية تقتضى الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ ، أو ما يسميه بوبر بـ "اللاعصمة من الخطأ" ، هكذا تتداخل الابستمولوجيا والأخلاق فى مفهوم التسامح بالمعنى الفلسفى.
إن البحث عن الحقيقة ، أو الاقتراب منها ، واللاعصمة من الخطأ ، كلها تقود إلى موقف نقد ذاتى وإلى التسامح . فالمبدأ القائل : علينا أن نتعلم من الأخطاء إذا كان لنا أن نتعلم تجنب الوقوع فى الأخطاء ، يعنى أن إخفاء الأخطاء إذن هو الخطيئة الفكرية الكبرى.
ولما كان علينا أن نتعلم من أخطائنا ، فلا بد أن نتعلم أيضاً أن نقبل – شاكرين – أن يوجه الآخرون انتباهنا إلى أخطائنا ، وعندما نقوم نحن بدورنا بتوجيه انتباه الآخرين إلى أخطائهم ، فعلينا دائماً أن نتذكر أننا قد وقعنا نحن أنفسنا فى أخطاء.
إننا نحتاج إلى الآخرين لاكتشاف أخطائنا وتصحيحها ، وهم يحتاجون إلينا أيضاً .. وهذا يؤدى إلى التسامح . أن النقد الذاتى هو أفضل النقد ، لكن النقد من الآخرين ضرورى ، بل يكاد أن يكون له نفس أهمية النقد الذاتى.أن كلمة نقد تحمل شحنة فلسفية دائما ، والنقد بالمعنى الفلسفى لا يعنى فضح العيوب ولا إثبات التهافت وإنما هو أقرب إلى المعنى الكانطى : إنه إثبات حدود الصلاحية . واستقلال العقل عند كانط يعنى أنه عقل ناقد ، وهذا هو السبب فى تعريف التنوير للفلسفة بأنها العادة المنظمة للنقد ، وهذا التعريف يختلف عن التعريف التقليدى للفلسفة. كما أن فلسفة كانط النقدية هى أول تراجع مهم للفلسفة أمام العلم ، إذ أنه أغلق باب البحث عن الماهيات أمام النظر العقلى ، وجعل من مشكلة البحث عن شروط إمكانية العلم مشكلة الفلسفة الأولى.
بيد أن الفلسفة قد تنقلب إلى ايديولوجيا أو عقيدة إذا تخلت عن ممارسة "النقد" ، أو حين يترك الشك المنهجى مكانه لليقين المذهبى ، وتحل المطلقية محل النسبية ، ومن ثم تتحول الفلسفة من البحث عن الحقيقة إلى "تقرير" الحقيقة ، وعندئذ "يزول التسامح وينشأ اللاتسامح أو التعصب والعنف فى الفكر والسلوك.
فالبحث عن الحقيقة ليس هو البحث عن اليقين ، وفى مجال الفلسفة نحن نبحث عن الحقيقة وليس عن اليقين ، ولأن الخطأ الإنسانى وارد ، ولأن المعرفة الإنسانية كلها ليست معصومة من الخطأ ، فإنها محل شك باستمرار .
ولا يختلف الأمر بالنسبة للعلم ، فهدف العلماء هو الحقيقة الموضوعية وليس اليقين . وهناك دائماً حقائق لا يقينية ، لكن ليس ثمة يقين لا يقينى . ولما كان من المستحيل أن نعرف شيئاً بيقين فى مجال المعرفة البشرية ، فليس ثمة ما نجنيه من البحث عن اليقين ، أما البحث عن الحقيقة فهو أمر يستحق ، ونحن نقوم بذلك ، فى المقام الأول ، بالبحث عن الأخطاء ، حتى يمكننا تصحيحها.
وعلى هذا فإن العلم هو دائماً افتراضى : هو معرفة حدسية ، ومنهج العلم هو المنهج النقدى ، منهج البحث لإزالة الأخطاء لمصلحة الحقيقة.
ويدل تاريخ العلم – كما يقول وايتهد – على أن الآراء المتصارعة ليست كارثة ، بل أحرى بها أن تكون الخطوة الأولى نحو اكتشاف الجديد . لقد توصل عالمان شهيران فى علم الفيزياء إلى نتيجتين مختلفتين للوزن الذرى للنتروجين ولم يشهر أحدهما بالآخر . ولم ينقسم حقل العلوم على نفسه إلى قسمين ، وإنما تمت اكتشافات جديدة ، عنصر غاز الأرجون والوزن الذرى . وهكذا فإن الاختلافات الظاهرة فى الوزن الذرى للنتروجين قد وجدت تفسيراً لها.
أن التسامح يوفر المناخ المناسب تماماً لتلاقح الأفكار وتخصيبها وتطورها ، ومن ثم الابداع والابتكار فى الفكر .. يقول بوبر : "أن تحقق تقدم حقيقى فى ميدان العلوم يبدو مستحيلاً من دون تسامح ، من دون إحساسنا الأكيد أن بإمكاننا أن نذيع أفكارنا علناً ، من هنا فإن التسامح والتفانى فى سبيل الحقيقة هما اثنان من المبادئ الاخلاقية المهمة التى تؤسس للعلوم من جهة ، وتسير بها العلوم من جهة أخرى" . ويفهم من عبارة "بوبر" أن التسامح ضرورى بالنسبة للعلوم وتقدمها ، وان هذه العلوم بدورها تكرس التسامح وتؤصله ، لذلك كان من الصعب أن يتبلور التسامح بالمعنى الحديث قبل القرن السابع عشر ، ولا يمكن أن نفهم ما ذهب إليه "لوك" أو "فولتير" مثلاً دون الأخذ فى الاعتبار ثورة "نيوتن" ومن قبله "كوبرنيكوس" فى مجال العلوم الفيزيائية والفلكية وما حققه العلم والفكر من تقدم ، وعندئذ "أصبح الفهم العقلانى ممكناً" .
والعلم ينير العقل ويبدد أوهامه الكثيرة حول العالم ، وحين نتعلم شيئاً جديداً عن العالم وعن أنفسنا يتغير مضمون فهمنا الذاتى ، وقد قلب العلماء صورة العالم التى كانت تتمركز حول الأرض وحول الإنسان رأساً على عقب ، ومن ثم زعزعوا الكثير من المطلقات وبددوا العديد من الخرافات والتابوهات . هكذا ينبغى أن نموضع مفهوم "التسامح" داخل سياقه التاريخى لكى نفهمه على حقيقته . فقد ظهر تلبية لحاجة ماسة فى بواكير الحداثة فى الغرب ، بيد أن آليات هذه الحداثة ذاتها هى التى دعمت التسامح وخطت به خطوات أبعد وبدون جهود العلماء والفلاسفة أو قل بدون جسارتهم الفكرية ما كان لمفهوم "التسامح" أن يترسخ فى بنية العقل الغربى.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح