الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس ودلالات الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة (شتنبر/ أيلول 2007)

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2007 / 11 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


شهد المغرب في السابع من شهر شتنبر/ أيلول 2007؛ إجراء انتخابات تشريعية، تعد الثامنة بعد الاستقلال والثانية في عهد العاهل محمد السادس.
حيث تميزت بمشاركة مجموعة من الأحزاب السياسية المتباينة في خلفياتها الإيديولوجية؛ وصل عددها 33 من بينها أول حزب نسائي هو حزب المجتمع الديمقراطي الذي تأسس مؤخرا؛ في مقابل 26 حزبا شاركت في الانتخابات المنصرمة. وقد تنافست هذه الأحزاب حول 295 مقعدا مخصصا لمجلس النواب(الغرفة الأولى) على صعيد 95 دائرة انتخابية محلية(دون احتساب اللائحة الوطنية التي تضم 30 مقعدا مخصصة للنساء)؛ ببرامج متباينة يغلب عليها طابع التشابه والمبالغة.
وعرفت هذه الانتخابات مقاطعة حزب النهج الديموقراطي المعترف به والذي اعتبر أن الدستور بشكله الحالي لا يتيح للأحزاب المشاركة إمكانية تدبير شؤون البلاد بشكل فعال، وفي غياب كل من جماعة العدل والإحسان والحزب الأمازيغي الديموقراطي غير المعترف بهما رسميا.

أولا- السياق العام للانتخابات التشريعية (شتنبر 2007)
جاءت هذه الانتخابات في ظل ظرفية محلية تتميز بطرح مشروع الحكم الذاتي في الصحراء؛ ووسط مجموعة من التحديات الاقتصادية (تنامي التنافسية الاقتصادية الدولية أمام هشاشة الاقتصاد المحلي؛ تحدي اتفاقيات التبادل الحر..) والاجتماعية (فقر، بطالة، أمية، هجرة، تفاوت طبقي صارخ، أزمة التعليم..) والسياسية (تنامي المد الإسلامي، ضعف الأحزاب السياسية؛ تزايد مخاطر الإرهاب، تصاعد العزوف السياسي..) التي يشهدها المغرب.. وفي ظل ظرفية دولية تتسم بتزايد الاهتمام بأهمية وأولوية مكافحة التطرف و"الإرهاب"، وتزايد شعبية الحركات الإسلامية "المعتدلة" المشاركة في المؤسسات السياسية فيعدد من الأقطار العربية والإسلامية.
وقد راهنت الدولة كثيرا على هذه الانتخابات، واعتبرتها بمثابة مدخل لتعزيز مسلسل الإصلاحات وتعزيز الخيار الديموقراطي، وهو ما يفسر جهودها لضمان مرورها في جو من النزاهة الكفيل بتحقيق نوع من تكافؤ الفرص بين كافة المرشحين، وفي المقابل أكد عدد من السياسيين والمراقبين والمهتمين أن هذه المحطة ستشكل مناسبة للتأكد من جدية الدولة في التأسيس لمسار انتقال ديموقراطي حقيقي؛ وبخاصة على مستوى ضمان مرورها في ظروف شفافة وسليمة، والتعامل مع نتائجها إيجابيا من خلال تعيين وزير أول من داخل الأحزاب(1).
وقد تميزت هذه الانتخابات أيضا بتأجيل مشاركة الجاليات المغربية بالخارج؛ وهو ما اعتبره البعض إجراء للحد من حظوظ الإسلاميين في هذه الانتخابات باعتبارهم يتمتعون بشعبية متزايدة في أوساط هذه الفئة الاجتماعية.
وبحسب وزارة الداخلية المغربية؛ فقد بلغ عدد اللوائح المحلية الموضوعة خلال هذه الانتخابات 1870 لائحة؛ تتنوع كما يلي: 95 لائحة لحزب الاستقلال ونفسها للاتحاد الاشتراكي، و94 لائحة لحزب العدالة والتنمية ونفسها لجبهة القوى الديموقراطية، و92 لائحة لحزب التقدم والاشتراكية و91 لحزب التجمع الوطني للأحرار و90 لحزب الحركة الشعبية و80 لحزب الاتحاد الدستوري، و69 للحزب العمالي..
أما عدد اللوائح التي وضعها مرشحون غير منتمون سياسيا؛ فقد وصلت 13 لائحة في مقابل 4 لوائح مستقلة خلال الانتخابات المنصرمة(2002)، ويلاحظ أن النساء لا يمثلن سوى 3 بالمائة من مجموع "وكلاء اللوائح"؛ في حين خصصت لهن لائحة وطنية للتباري حول 30 مقعدا.
ومن جهة أخرى؛ تقدم 18 حزبا بوضع لوائح محلية في أكثر من 50 من الدوائر على الصعيد الوطني.
وباستحضار المستوى التعليمي ل"وكلاء اللوائح" من المرشحين؛ يلاحظ أن57 بالمائة منهم يتوفرون على مستوى تعليمي عالي، و30 بالمائة على مستوى ثانوي، و13 بالمائة على مستوى ابتدائي.
وقد جرت هذه الانتخابات وفق نظام انتخابي يرتكز على القائمة النسبية التي تقضي بتصويت الناخبين على مجموعة من القوائم تتضمن كل منها عدد المقاعد المتنافس بشأنها داخل دائرة انتخابية كبيرة نسبيا.
وقد وجهت العديد من الانتقادات إلى هذا النظام سواء من قبل بعض الأحزاب أو بعض المهتمين والباحثين وبعض المراقبين الدوليين الذين حضروا هذه الانتخابات، وبخاصة وأنه لا يتيح لأي حزب مهما بلغت درجة قوته وشعبيته؛ أن يفوز بأغلبية كبيرة من المقاعد في المجلس، ويؤدي في كثير من الحالات إلى نوع من المفارقة وعدم التناسب بين عدد الأصوات الكبير الذي قد تحصل عليه بعض الأحزاب من جهة؛ وعدد المقاعد القليلة التي قد تفوز بها في المجلس من جهة أخرى(2)، وعلاوة عن كونه يعزز من مواقع القيادات الحزبية؛ فهو يؤدي في العديد من الحالات إلى "بلقنة المشهد السياسي"؛ مما لا يسمح بتشكيل حكومات متجانسة بالشكل الذي ينعكس سلبا على الأداء الحكومي وعلى استقرار النشاط التشريعي وفعاليته ويعطل استكمال شروط التناوب المنشود.
ولعل هذا ما دفع ببعض المراقبين إلى اعتباره عاملا من بين العوامل التي "تضعف سلطة البرلمان وتقلص من ثقة الناخبين فيه وفي الأحزاب السياسية".
ومع ذلك؛ فهناك بعض الحسنات التي تحسب لهذا النظام؛ نظرا لكونه يسهم في خلق شروط تسهم في سلامة الانتخابات ونزاهتها من حيث أنه يمنع إضفاء الطابع الفردي - وما يرتبط به من مال وجاه وسلطة..- على الانتخاب؛ لصالح الحزب وبرنامجه، ويفتح المجال أمام الأحزاب السياسية الصغرى للظفر ببعض المقاعد في المجلس.

ثانيا- ضمان النزاهة كسبيل للمصالحة مع الشأن السياسي
أمام عزوف المواطنين ورفض عدد كبير منهم سحب بطائق التصويت رغم الحملات الإعلامية والميدانية الواسعة..؛ وكسبيل لإعادة الثقة والمصالحة مع الشأن السياسي بصفة عامة والانتخابي بشكل خاص، انخرطت جمعيات من المجتمع المدني(دابا 2007) إلى جانب الحملات الإعلامية والإجرائية التي قادتها الدولة في هذا الشأن؛ من أجل التحفيز على المشاركة في هذه الانتخابات، ومعلوم أن الانتخابات التشريعية لسنة 2002 شهدت بدورها عزوفا ملحوظا؛ ذلك أن الإحصائيات الواردة في هذا الشأن بينت أن نسبة مهمة من المواطنين لم تشارك بالإدلاء بأصواتها رغم مرورها - الانتخابات- إجمالا في أجواء من النزاهة والشفافية.
كما قامت الدولة بنوع من الجدية والصرامة في اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الكفيلة بتوفير الشرط الملائمة لمرورها في جو سليم ونزيه؛ وتعهدت بالتزام الحياد ومتابعة المتورطين في أي شكل من أشكال الفساد الانتخابي.
وهو الأمر الذي حمله خطاب العاهل المغربي في الذكرى 54 لثورة الملك والشعب حيث أشار إلى أنه: "يتعين على الجميع التصدي بروح المواطنة وقوة القانون للعابثين بالانتخابات والمتاجرين بالأصوات ولإفسادها بالمال الحرام والغش والتدليس والتزوير، فلا مكان للممارسات المخالفة للقانون في كل المجالات، مهما يكن مرتكبوها، فمحاربة الرشوة والفساد واستغلال النفوذ وإقطاعيات الريع وتوزيع الغنائم مسؤولية الجميع".
فبالإضافة إلى التنسيق الذي حدث بين وزارة الداخلية والعدل بصدد تفعيل عمل اللجان الجهوية للتتبع والضبط والمراقبة؛ ووضع نظام للديمومة للحد من هذه الممارسات الذي سمح بضبط مجموعة من الحالات التي تورط فيها مرشحون وهم يقومون بحملات انتخابية قبل الأوان، ومسؤولين من عمال وقياد وأعوان سلطة ورجال أمن.. ممن أقدموا على دعم بعض الأطراف، واتخاذ إجراءات تأديبية وقانونية في حق البعض منهم..؛ وانخراط المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في تتبع هذه الانتخابات من خلال اعتماد "النسيج الجمعوي لرصد الانتخابات"، تم التكثيف من الإجراءات التحسيسية القاضية بإقناع المواطنين بالإقبال على التسجيل والمشاركة في الانتخابات كسبيل "لقطع الطرق أمام بيع وشراء الأصوات الانتخابية" وتفعيل مسار "الانتقال الديموقراطي".
كما أن عددا من المنابر الإعلامية أثبتت أهميتها في هذا الشأن؛ وبخاصة على مستوى فضح بعض الممارسات المخلة بالسير العادي لهذه الانتخابات.
وموازاة مع ذلك؛ تميزت هذه الانتخابات بحضور أكثر من خمسين ملاحظا أجنبيا؛ أشرف عليهم المعهد الديموقراطي الوطني التابع للحزب الديموقراطي الأمريكي الذي لعب دور الوسيط بين هؤلاء الملاحظين من جهة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من جهة ثانية.
وإذا كانت الدولة قد سعت من خلال هؤلاء الملاحظين إلى إعطاء إشارات إلى المجتمع الدولي بشفافية انتخاباتها ومرورها في جو من "النزاهة والمسؤولية" وحياد السلطة؛ شأنها شأن العديد من الدول التي تطمح إلى نزع "شهادات تقدير" دولية في هذا الصدد.
فإن العديد من الباحثين انقسموا بشأن هذا الإجراء؛ وبخاصة في علاقته بسيادة الدول، فهناك من اعتبره أحد التداعيات السلبية للعولمة وتدخلا صارخا في شؤون البلاد؛ لكونه يشكل رقابة تمكن الدولة من تمرير أية انتخابات ولو كانت مزورة، فهو - من هذا المنظور- قد يكون مقبولا في حالة وجود دولة تحت الاحتلال أو الوصاية وذلك كسبيل لضمان حقوق الشعب؛ بينما يكون وجوده مجحفا وغير ذي جدوى إذا تعلق الأمر بدولة مستقلة؛ ولذلك اعتبر دليلا على غياب الديموقراطية؛ وضمن هذا السياق يطرح السؤال: لماذا لا تمارس مثل هذه الرقابة/ الملاحظة في دول كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة؟
وفي المقابل اعتبره البعض نوعا من الرقابة الشكلية التي تسمح بمرور الانتخابات في ظروف نزيهة لضمان حياد السلطة في دول تتجه نحو الديموقراطية؛ في ظل ما أصبح يعرف بالاعتماد المتبادل وتداخل الشأن المحلي بالدولي.
ويمكن القول إن الضمانة الأساسية لنزاهة أية انتخابات تتجلى في تكوين هيئة عليا مستقلة للانتخابات والتي غالبا ما تتشكل من القضاء والمجتمع المدني وممثلي الأحزاب.
والأكيد أن رسائل الشفافية والنزاهة ينبغي أن توجه بالأساس إلى الجماهير في الداخل من خلال تخليق الحقل السياسي؛ فشهادتها-الجماهير- بنزاهتها هي أسمى من أية شهادة دولية أخرى كيفما كان مصدرها.
ورغم هذه الجهود؛ وعلى عكس توقعات الحكومة التي راهنت على تسجيل حوالي ثلاثة ملايين ناخب جديد؛ إلا أن عدد الذين تسجلوا بالفعل لم يتجاوز المليون ونصف شخص، فقد بلغ عدد المسجلين في قائمة الهيئة الناخبة 15 مليون و 510 ألف و505 ناخبا 48 في المائة من النساء، وذلك بزيادة فاقت المليون ونصف مقارنة مع الانتخابات التشريعية السابقة.

ثالثا- انتخابات نزيهة بطعم العزوف
وصلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إلى حدود 37 في المائة من الناخبين؛ ويمكن القول إن تدني هذه النسبة رغم الحملة الكبيرة قادها الإعلام الرسمي والحزبي بالإضافة إلى بعض الجمعيات المدنية لدفع المواطنين نحو المشاركة؛ فاقت كل التوقعات، فقد صوت حوالي 5,7 مليون ناخب من أصل 15,5 مليون، وألغي عدد كبير من الأوراق قدر بحوالي 19 بالمائة، في حين لم يسجل في اللوائح الانتخابية أصلا حوالي 4,7 مليون ممن بلغ سن التصويت.
والجدير بالذكر أن العزوف السياسي أضحى من ضمن أبرز الاختلالات العميقة التي تعتور المشهد السياسي المغربي بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فقد عرفت انتخابات سنة 1993 مشاركة بنسبة 62.75 بالمائة، وخلال انتخابات 1997 انخفضت إلى 58.30 بالمائة؛ لتصل في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 إلى حوالي 52 في المائة.
وإذا ما استحضرنا أن المشاركة السياسية متى توافرت شروطها ومقوماتها بصفتها إحدى الركائز التي تنبني عليها الديموقراطية؛ تكون بمثابة تعبير عن المواطنة وتعد شكلا من أشكال المساهمة في تدبير الشأن العام وممارسة الحقوق السياسية والتعبير عن الآراء والميولات، فإن هذا العزوف الذي سجلت فيه أدنى نسبة مشاركة انتخابية في تاريخ المغرب؛ سواء في شكله الواعي المرتبط بمواقف واضحة من العمل السياسي أو الحزبي.. أو في مظهره المنطوي على الجهل بأمور السياسة وما يتعلق بها من انتخابات وتحزب..؛ يجد أساسه في العديد من الإكراهات الاجتماعية والسياسية المتراكمة التي عرفها المغرب والتي تنفر من العمل السياسي، فيما يعتقد البعض بأنه ردة فعل طبيعية إزاء أداء الأحزاب المشاركة في الحكومة منذ 1998 الذي ظل دون وعودها وشعاراتها ودون طموح المواطنين، وموقف واضح من برلمان وحكومة أثبتا أنهما غير قادرين بصلاحياتهما الدستورية المحدودة على بلورة قرارات سياسية كبرى تروم التغيير والإصلاح الحقيقيين.
وإذا كانت بعض القوى (أحزاب، هيئات المجتمع المدني، مثقفين، باحثين؛ إعلام..) تحمل المواطن لوحده مسؤولية هذا العزوف باعتباره يفوت عليه فرصا كبرى في تغيير واقعه، فإن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن مسؤولية تفشي هذه الظاهرة جماعية؛ فالدولة أسهمت من جانبها في التنفير والتخويف من العمل السياسي بشكل عام؛ والتحزب كان يعتبر حتى وقت ليس بالبعيد جرما، هذا بالإضافة إلى تورط أجهزتها – الدولة- في كثير من الأحيان في تزوير الانتخابات.. وإضعاف الأحزاب والإسهام في انشقاقها.. حتى أصبحنا أمام 33 حزبا بشعارات متباينة.
ومن جانبها؛ تتحمل الأحزاب السياسية بدورها مسؤوليتها في هذا الإطار، فقد ظل حضورها مرحليا ومرتبطا بالانتخابات فقط؛ ولم يلاحظ أي تطور على مستوى أدائها السياسي في علاقته بتأطير وتنشئة وتعبئة المواطنين؛ ناهيك عن غياب ممارسة ديموقراطية داخلية لدى كثير منها بما يسمح بتجدد النخب، ناهيك عن إسهامها في تكريس صورة للبرلماني باعتباره يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية... كما أن الإعلام يتحمل جزءا من المسؤولية أيضا..
وإذا كان البعض يستهين بخطورة هذه الظاهرة استنادا إلى تفشيها في عدد من الدول؛ بما فيها تلك المعروفة بممارساتها وتاريخها الديموقراطي كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة..؛ فإن مجال المقارنة يبدو غير متكافئ وغير وارد تماما؛ بين دولة تخطو في بداية الطريق ودول لها تاريخ ديموقراطي عريق وطويل، مع العلم أن العديد من الاستشارات الشعبية والانتخابات التي أجريت في عدد من الدول النامية التي تعرف تحولات سياسية وإصلاحية جادة في كل من أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا... شهدت إقبالا واسعا ومشاركة مكثفة (3).
والحقيقة أن ما تعرفه بعض الدول الديموقراطية في هذا الشأن يمكن أن نطلق عليه إشباعا سياسيا بالنظر إلى طغيان الممارسة الديموقراطية وإلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المرضية؛ أما العزوف السياسي في المغرب فهو صيحة في وجه الفساد الانتخابي والسياسي الذي عمر طويلا وفي وجه المعضلة الاجتماعية وما يرتبط بها من إكراهات(4).

رابعا- نتائج متواضعة للمرأة
عرفت الانتخابات التشريعية السابقة نوعا من الانتعاش المحدود فيما يخص تمثيل المرأة في مجلس النواب؛ وبخاصة بعد الاتفاق على ميثاق شرف بين الأحزاب السياسية؛ يقضي بتخصيص لائحة وطنية للنساء تضم 30 امرأة.
وإذا كانت الحركة النسائية قد كثفت من تحركاتها في السنوات الأخيرة لتوسيع وتطوير هذه المشاركة بشكل أكثر أهمية من خلال توسيع اللائحة الوطنية من 10 بالمائة التي حددت في انتخابات 2002، إلى 33 بالمائة، فإن النتائج التي أسفر عنها هذا الاقتراع لم تحسن بشكل ملحوظ هذه التمثيلية؛ حيث وصل عدد النساء الفائزات في هذه الانتخابات 34 امرأة من مجموع 325؛ وبخاصة وأن اللائحة ظلت مقتصرة على 30 امرأة أي 10 بالمائة من مجموع المقاعد، كما أن العديد من النساء لم يحظين بترأس اللوائح الانتخابية؛ وهو ما لا ينسجم مع ما حققته المرأة من تطور في عدة مجالات سياسية وعلمية وعملية..
وهي وضعية تفرض تحديات ومسؤوليات جسام على الحركة النسائية في المغرب؛ من أجل بذل مجهودات جبارة لتحقيق المزيد من المكتسبات في هذا الشأن؛ وبخاصة وأن اتخاذ تدابير حقيقية وفعالة على طريق تمكين المرأة سياسيا هو مدخل مهم لمعالجة إشكالات ومعضلات سياسية واجتماعية واقتصادية.. كبرى.

خامسا- حزب العدالة والتنمية: نتائج خارج التوقعات
توقعت الكثير من التحليلات والإحصائيات فوز حزب العدالة والتنمية الذي سلك نهجا تدريجيا خلال مشاركاته في الانتخابات التشريعية منذ دخوله دائرة المنافسة، وأكدت أنه سيتمكن من تعزيز مكانته داخل المجلس من خلال الظفر بمزيد من المقاعد التي ستبوئه احتلال مكانة الريادة وسط الأحزاب المشاركة، وبخاصة وأنه وسع من تغطية الدوائر الانتخابية(94 دائرة) مقارنة مع التجارب التشريعية السابقة التي كانت محدودة (5).
وقد بنيت هذه التوقعات على العديد من المعطيات والمؤشرات من قبيل وجود ديموقراطية حقيقية داخل هياكل هذا الحزب؛ وحسن أداء أعضائه داخل مجلس النواب وحضورهم المنتظم لجلساته؛ ناهيك عن تميز تجربته في تدبير الشؤون المحلية التي اتسمت في مجملها بالانضباط ونظافة اليد؛ زيادة عن كونه لم يشارك بعد في الحكومة على عكس مجموعة من الأحزاب؛ وظل في موقع المعارضة.. مما أكسبه شعبية في أوساط الناخبين.
فيما جاءت توقعات أخرى تنبأت له باكتساح كبير للمجلس؛ وهي توقعات لم تخل من مبالغة؛ بل واعتبرها البعض مدخلا للتهويل والتخويف من إمكانيات وحجم هذا الحزب الحقيقيتين.
وخلافا لهذه التكهنات؛ منحت النتائج المحصلة؛ المرتبة الثانية للحزب ب 46 مقعدا، وقد كان من وراء هذه الحصيلة المتواضعة التي بررها أعضاء الحزب باستعمال المال السياسي والحياد السلبي للسلطة، مجموعة من العوامل والمعطيات؛ فبالإضافة إلى طبيعة النظام الانتخابي المعتمد والذي لا يسمح لأي حزب بتحقيق الأغلبية؛ فإن هذه الانتخابات تميزت بمشاركة حزبين إسلاميين آخرين هما حزب البديل الحضاري وحزب النهضة؛ الشيء الذي أسهم في تشتيت الأصوات المتعاطفة مع هذه الأحزاب ذات التوجه الإسلامي.. هذا بالإضافة إلى وجود 32 حزبا آخر تنافسوا إلى جانب العدالة والتنمية ب"برامج" وشعارات متباينة في مجملها..(6).
وعلى العموم؛ أكدت هذه النتيجة نسبية المقولات والادعاءات التي كانت ترى بأن انتشار الميل إلى التدين في المجتمعات العربية ومرور الانتخابات المحلية أو التشريعية في الأقطار العربية في جو من النزاهة والشفافية؛ يؤديان حتما إلى فوز كاسح للحركات الإسلامية مثلما حدث في الجزائر أو تركيا..

سادسا- الاتحاد الاشتراكي: الخاسر الأكبر
جاءت النتائج التي حصدها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يشارك في الحكومة منذ سنة 1998؛ في هذه الانتخابات متواضعة، بل اعتبره البعض أكبر الخاسرين فيها، حيث تراجع إلى المرتبة الخامسة ب 38 مقعدا؛ بعد أن سبق واحتل المرتبة الأولى في انتخابات 2002 ب 50 مقعدا.
وينبغي قراءة هذا التراجع في ضوء مجموعة من المعطيات، فمن جهة ينبغي استحضار الضعف الكبير للمشاركة في هذه الانتخابات الذي خلف خريطة سياسية خارج التوقعات؛ كما أن مشاركته في ائتلاف حكومي غير متناغم؛ يضم أحزاب يسارية ومحافظة وليبرالية ويترأسها وزير تقنوقراطي غير متحزب؛ وبصلاحيات دستورية محدودة من جهة؛ في مواجهة إكراهات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبرى..؛ أثر سلبا في أدائه وفي بنائه الداخلي وفي شعبيته التي كانت واسعة عندما كان في موقع المعارضة..
وهذا ما يؤكد أن التطور المنشود والتغيير الحقيقي لا يرتبطان بوجود نيات حسنة للأحزاب فقط أو بشعارات براقة وفضفاضة؛ بقدر ما يظل متوقفا بالأساس على الشروط الموضوعية والإمكانيات الدستورية التي تسمح لها بتطبيق برامجها والوفاء بالتزامتها التي قطعتها على نفسها أمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة.
فيما أرجع قياديون من داخل الحزب السبب في ذلك؛ إلى أن هذا الأخير لم يتبرأ من حصيلته الحكومية ودافع عنها عكس بعض الأحزاب الأخرى التي كانت تشاركه العمل الحكومي.
وإذا كان الحزب قد اختار مرة أخرى العودة إلى صفوف الحكومة ضمن تحالف يطبعه عدم الانسجام، فإن العديد من الباحثين والمهتمين اعتبروا أن النتيجة التي حصل عليها الحزب في هذه الانتخابات؛ كانت تفرض الانسحاب من الائتلاف الحاكم والعودة إلى موقع المعارضة، وبخاصة وأن ذلك كان سيمكن الحزب من الوقوف على مشاكله الداخلية وتقييم تجربته الحكومية؛ وتعزيز صفوفه وتقويته؛ ويتيح تقوية جناح اليسار وتفعيل دور المعارضة من جديد؛ بالشكل الذي كان سيسمح ببروز تكتلات جديدة واضحة المعالم والتوجهات؛ كفيلة بتوفير شروط التناوب الذي طال انتظاره؛ وبخاصة وأن حزب العدالة كان بإمكانه أيضا تشكيل تحالف منسجم إلى حد ما مع باقي الفرقاء الحكوميين الآخرين (الاستقلال، الأحرار، الحركة الشعبية).

سابعا- حكومة بقيادة حزب الاستقلال
بناء على مقتضيات الفصل 24 من الدستور الذي ينص على أنه: "يعين الملك الوزير الأول ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها"؛ عين العاهل المغربي السيد عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال الذي حصل على المرتبة الأولى في هذا الانتخابات ب 52 مقعدا؛ وزيرا أولا وكلفه ببدء مشاوراته مع الأحزاب السياسية المعنية لتشكيل الحكومة.
وقد سبق للعاهل المغربي أن أعطى إشارات بهذا الخيار في خطابه بتاريخ 20 غشت 2007، وعلى الرغم من أن الدستور لا يلزم الملك بتعيين وزير حزبي؛ فإن هذا التعيين الذي يعتبر الثاني من حيث أبعاده بعد تعيين الحسن الثاني للسيد عبد الرحمان اليوسفي على رأس الحكومة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي؛ بإمكانه أن يجسد تقليدا سياسيا في المستقبل بالشكل الذي يعطي معنى للانتخابات التشريعية.
ومعلوم أن تعيين السيد إدريس جطو على رأس الحكومة عقب الانتخابات التشريعية السابقة(2002) أسهم بشكل ملحوظ في إبطاء عجلة التحول السياسي الذي شهده المغرب بانطلاق ما سمي بحكومة "التناوب" بزعامة السيد عبد الرحمان اليوسفي؛ وولد استياء في صفوف بعض الأحزاب السياسية التي اعتبرته "خروجا عن المنهجية الديموقراطية".
وقبل تشكيل هذه الحكومة؛ وردت مجموعة من الاحتمالات بشأن التحالفات الممكنة؛ فالأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي الحالي احتفظت - بموجب النتائج المحصل عليها- بأغلبية مريحة داخل المجلس تؤهلها للاستمرار في مهامها مع تعديل في المراكز وعدد الحقائب تبعا للنتائج المحصلة.
وللإشارة فإن هناك عددا من الانتقادات سبق وأن وجهت إلى هذا التحالف؛ نظرا لطبيعته غير المنسجمة والتي خلقت نوعا من الصراع الخفي أحيانا والمعلن أحيانا أخرى بين مختلف أطيافه مما حد من فعالية عمله.
ومعلوم أن هذه الوضعية ستفرض على حزب العدالة والتنمية العودة من جديد إلى موقع المعارضة؛ وبخاصة وأنها ستسهم في تطوير وتعزيز أدائه وحرفيته السياسية وكسب المزيد من الشعبية.
وطرح احتمال آخر؛ يقضي بإمكانية خروج حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية اللذان يختلفان في إيديولوجيتهما ومرجعياتهما تماما مع حزب العدالة والتنمية؛ من هذا الائتلاف والعودة إلى صفوف المعارضة، ليحل محلهما هذا الأخير – العدالة والتنمية - الذي يقترب في إيديولوجيته ومرجعياته إلى حزب الاستقلال؛ وكان هذا الاحتمال يستمد مبرراته من النتائج التي حصل عليها حزب الاتحاد الاشتراكي في هذه الانتخابات وما تلاها من تزايد مطالب قواعده بنهج هذا الخيار، ناهيك عن أن ذلك كان سيمنح المعارضة قوة في مراقبة العمل الحكومي؛ ويسمح بقيادة اليسار باتجاه تعزيز صفوفه من جديد.
وبعد مشاورات صعبة ومطولة جاءت الحكومة الجديدة التي ضمت 34 وزيرا(7)، ممثلين عن أربعة أحزاب سياسية هي حزب الاستقلال، حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب التقدم والاشتراكية؛ بالإضافة إلى حضور وازن ومكثف للوزراء اللامنتمين الذين حصلوا على 10 حقائب في قطاعات حيوية كالعدل والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية..؛ أي ما يوازي عدد حقائب حزب الاستقلال صاحب المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، فيما سجل غياب حزب الحركة الشعبية عن هذه التشكيلة بعد أن كان حاضرا في الائتلاف الحكومي السابق.

ثامنا- دروس الانتخابات التشريعية في الصحراء
في الوقت الذي كانت تجري فيه الاستعدادات لإجراء هذه الانتخابات؛ وبعد أشهر قليلة من طرح المغرب لمشروع الحكم الذاتي، كمبادرة واقعية تعكس إرادة حقيقية لإخراج القضية من مأزقها وركودها الحاليين؛ وتحاول التوفيق بين طرحين متباينين: الاندماج والانفصال، حاولت جبهة البوليساريو التشويش على هذه الانتخابات من خلال إثارة عدم شرعية إجرائها في المناطق الصحراوية.
فقد طالب محمد عبد العزيز "زعيم" جبهة البوليساريو في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بممارسة مسؤولياته كاملة من أجل منع المغرب من إجراء الانتخابات التشريعية لشهر شتنبر 2007 في الأراضي الصحراوية؛ باعتبارها تشكل خرقا للقرار 1754 القاضي بإجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين بدون شروط مسبقة؛ وانتهاكا للقانون الدولي.
مؤكدا أن إجراء المغرب للانتخابات في هذه الأقاليم هو "ممارسة استفزازية خطيرة ولا تنسجم إطلاقا مع ما ألح عليه مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير 1754 من خلق أجواء حسن النية وصدق الإرادة؛ في أفق تنظيم مفاوضات مباشرة بين الطرفين للتوصل إلى حل يفضي إلى تقرير المصير •
وجاء في الرسالة أيضا أن "السلطات المغربية تعمد إلى إقحام المواطنين الصحراويين، بممارسة مختلف أنواع الضغوط في التصويت في انتخابات تخص بلدا ليس بلدهم، هو المملكة المغربية، في وقت تحرمهم من التصويت لممارسة حقهم الرئيسي الأول، حقهم في تقرير المصير •
قبل أن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة التدخل لوقف هذه الانتهاكات ضد القانون والشرعية الدولية والقانون الإنساني، والضغط على الحكومة المغربية لتوقف هذه الخطوة التصعيدية..".
وبالموازاة مع ذلك؛ قاد عدد من أعضاء الجبهة حملة دعوا فيها إلى مقاطعة هذه الانتخابات؛ وبإفشال سيرها في المنطقة بكل الوسائل والطرق باعتبارها التفافا على حق تقرير المصير ومحاولة لاستقطاب النخب الصحراوية ودليلا على سوء نية المغرب تجاه دعوة مجلس الأمن إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين.. واعتبروا أن المشاركة فيها- الانتخابات- "تؤكد سيادة المغرب على الصحراء".
وبعيدا عن هذه الادعاءات؛ ترشحت في الأقاليم الصحراوية التي يصل عدد الناخبين فيها إلى حوالي 165 ألف و 700؛ أكثر من 61 لائحة من أجل الفوز ب 11 مقعدا، موزعة كما يلي: ثلاثة بإقليم العيون، فيما وزعت بالتساوي المقاعد الثمانية المتبقية بين أقاليم بوجدور وأوسرد والسمارة ووادي الذهب.
وعشية إغلاق مكاتب الاقتراع وبروز النتائج؛ تبين أن نسبة المشاركة في هذه الأقاليم جاءت مهمة وتجاوزت النسبة العامة المسجلة في هذا الشأن والمحددة في 37 بالمائة على الصعيد الوطني، حيث سجلت أعلى نسبة في وادي الذهب والعيون والسمارة، وذلك ضمن انتخابات مرت في ظروف من الشفافية والنزاهة على العموم.
فحسب بلاغ لوزارة الداخلية المغربية؛ بلغت نسبة المشاركة في هذه المناطق؛ 62 بالمائة بوادي الذهب لكويرة و58 بالمائة بكلميم والسمارة وحوالي50 بالمائة بالعيون وبوجدور.
وتحمل نسبة المشاركة هاته دلالات ورسائل هامة موجهة للداخل والخارج، فهي اختيار حر وإقرار واع بأهمية وحيوية الانخراط والمساهمة في الحياة السياسية ومؤسساتها؛ كسبيل لتنمية المنطقة في إطار الوحدة، ورفض للخيارات الانفصالية.
وهي رد واضح على مختلف الدعايات والمغالطات التي يروجها خصوم وحدة المغرب بصدد ما يجري في الصحراء؛ على الصعيد الإقليمي والدولي.
وتشكل إشارة إيجابية إزاء المبادرات التي تقدم بها المغرب في السنوات الأخيرة؛ والمرتبطة بتأسيس المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء و بمشروع الحكم الذاتي الذي تم إطلاقه مؤخرا..
كما أن هذا الإقبال الذي عاكس رغبة قادة جبهة البوليساريو التي نادت بالمقاطعة؛ يبرز إلى حد كبير أن هذه الأخيرة وخياراتها لا تحظى بمصداقية لدى السكان الذين اختاروا بحرية طريقهم ضمن المغرب ومؤسساته.

تاسعا- انتخابات 7 شتنبر/أيلول ومطلب الإصلاح
إذا كانت معظم دول أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية قد انخرطت في السنوات الأخيرة في التغيير بشكل جدي وانحازت للديموقراطية كأسلوب؛ فإن مجمل الإصلاحات التي عرفتها الأقطار العربية بدت بطيئة وغير شاملة، ولم تعكس في العمق تطلعات الشعوب.
ففي المغرب، وعقب تعيين وزير من خارج التشكيلة الحزبية في انتخابات 2002 التشريعية، ومع وجود مبادرات ملكية مكثفة في المجالات التشريعية والتنفيذية؛ ووجود مؤسسات وآليات تعمل بتوجيهات ملكية وبإمكانيات مهمة؛ تضيق على العمل الحكومي وتنافس صلاحياته في مجالات تنفيذية مختلفة؛ زيادة على وجود حقائب وزارية "سيادية" تمارس خارج مسؤولية الأحزاب(الخارجية، الشؤون الإسلامية؛ الداخلية)، طرح سؤال حول الجدوى من الأحزاب ومن الانتخابات والبرلمان ومن حكومة لا تتحكم في الشأن التنفيذي لوحدها.
ومن جهتها لم تستطع الأحزاب تطوير أدائها، فقد ظلت تعيش أزمة حقيقية على مستوى تدبير اختلافاتها الداخلية ووظائفها الاجتماعية والسياسية، فالديموقراطية الداخلية تصبح بدون جدوى كلما تم الاقتراب من مراكز القرار داخل الهياكل الرئيسية للحزب؛ حيث يفرض أسلوب التزكية والتعيين نفسه بقوة؛ ويسود منطق الوراثة في بناء الشرعية السياسية؛ بالشكل الذي يكرس "شخصنة" هذه الهيئات ويحول دون تجددها، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن مدى جدية ومصداقية مطالبة هذه الأحزاب للأنظمة السياسية بإعمال أسلوب الديموقراطية؛ وذلك في الوقت الذي تتنكر له هي نفسها في ممارساتها الداخلية(8).
وكل هذه العوامل بالإضافة إلى ضعف التأطير والتعبئة والتنشئة الاجتماعية والسياسية الذي يترجمه المستوى الهزيل لإعلامها؛ والتعصب للمواقف – التي تترجمها ظاهرة الانشقاقات التي تعرفها هذه الأحزاب - وضعف وهشاشة ولاء أعضائها – التي يؤكدها أيضا الإقبال المكثف على الانتقال من حزب لآخر -؛ واعتماد إصلاحات داخلية "ترقيعية" مرحلية؛ يسهم في تكريس العزوف السياسي في أوساط المجتمع بكل فئاته.
والحقيقة أن الضعف الذي تعيشه الأحزاب المغربية حاليا ليس في صالح الشعب ولا في صالح المؤسسة الملكية، فالعزوف السياسي الكبير الذي تأكد في هذه الانتخابات هو مؤشر على عدم الثقة في الأحزاب وفي البرلمان والعمل الحكومي، وهو ناقوس إنذار؛ يتطلب تفعيل هذه المؤسسات وإتاحة الفرص الدستورية أمامها لكسب ثقة المواطن، والمساهمة في تحصينه ضد مظاهر العنف والإرهاب أو الارتماء في أحضان الجماعات والشبكات المتطرفة أو اللجوء إلى خيار الهجرة السرية.
لقد أثبتت التجارب أن الإمكانيات الدستورية المتاحة للأحزاب والحكومة لا تسمح بتغيير حقيقي في المغرب؛ فمجمل الشعارات التي ترفعها الأحزاب خلال هذه الانتخابات في علاقتها بمجموعة من القضايا الاقتصادية والإدارية والاجتماعية.. تصطدم بواقع الإكراهات المرتبطة بضيق الإمكانيات المتاحة دستوريا للمجلس في التغيير على مستوى تدبير الشأن الحكومي أو داخل المعارضة من جهة وبحضور المبادرات الملكية بشكل مكثف في المجال التشريعي والتنفيذي.. من جهة؛ وجسامة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. المطروحة من جهة أخرى.
ولذلك فالتغيير المنشود يظل متوقفا بالأساس على الشروط الموضوعية والإمكانيات الدستورية التي تسمح لهذه الأحزاب بتطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها أمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة بالشكل الذي سيعيد المصالحة بين المواطن من جهة والشأن السياسي عامة والانتخابي بشكل خاص من جهة ثانية.
ومن هذا المنطلق يمكن لإصلاح دستوري يعزز صلاحيات البرلمان والحكومة أن يقوي إيمان وثقة المواطنين بأهمية الاهتمام بالشأن السياسي ومؤسساته وبفعالية الانتخابات، ويسهم في إنضاج تجربة ديموقراطية حقيقية.

المراجع المعتمدة:

1- إدريس لكريني: هل ستؤسس انتخابات 7 شتنبر2007 لانتقال ديموقراطي بالمغرب؟ منشور في الموقع الإلكتروني لإسلام أون لاين: http://www.islamonline.net بتاريخ 29-08-2007.
2- نشير في هذا السياق أن فحزب العدالة والتنمية حصل على المرتبة الأولى في هذه الانتخابات من حيث الأصوات؛ فيما جاء ترتيبه ثانيا من حيث المقاعد المحصل عليها.
3- على سبيل المثال: بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التركية الأخيرة حوالي 85 بالمائة.
4- جاء ذلك ضمن حوار أجراه حسن الأشرف مع الباحث؛ منشور بالموقع الإلكتروني: الإسلام اليوم http://www.islamtoday.net بتاريخ 09/09/2007
5- في انتخابات 2002 ترشح الحزب في 51 دائرة وفاز خلالها ب 42 مقعدا.
6- هناك من يعتقد بأن المشاركة الضعيفة في هذه الانتخابات لم تؤثر بشكل كبير في حصيلة حزب العدالة والتنمية لكون معظم المصوتين له يصوتون بالأساس للأشخاص، عكس الاتحاد الاشتراكي الذي تضرر منها على اعتبار أن التصويت يكون عادة للحزب.
7- تميزت هذه التشكيلة بارتفاع تمثيلية النساء داخل الحكومة ب 7 وزيرات، وذلك مقابل وزيرتين اثنتين في الحكومة السابقة.
8- إدريس لكريني: النخبة السياسية العربية وقضايا الإصلاح، مجلة الديموقراطية، مؤسسة الأهرام، مصر،السنة السابعة، العدد 25/ يناير 2007 ص 57
ملحوظة: نشرت هذه الدراسة في العدد / 2007 من مجلة المستقبل العربي، بيروت
www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/345-06.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يؤكد التزامه بـ-نقل سلمي للسلطة- للرئيس المنتخب ترامب


.. فرنسا ستستدعي السفير الإسرائيلي في باريس بعد مشكلة دبلوماسية




.. إف-15 في الشرق الأوسط.. أميركا تستعد لاحتمال هجوم إيران على


.. شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزلا في حي الدرج وسط م




.. احتجاجات في أنقرة للمطالبة بإغلاق الموانئ أمام السفن الإسرائ