الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العربية ما بين التراث والتنوير

أحمد الخيّال

2007 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المفارقات وكمؤشر محزن على واقع الحال في حياتنا الفكرية العربية .. هو ذلك الجدل الدائر منذ زمن والى الآن حول تلك العلاقة الجدلية ما بين التنوير والتراث .. وهي نفس الإشكالية التي أستطاع المجتمع الأوروبي تجاوزها لصالح التنوير منذ قرنين من الزمان ليشق طريقه بثقة نحو الحداثة وما بعد الحداثة .
فمنذ اللحظة الأولى لإطلاق شعار عصر التنوير الأشهر ( كن جريئا في إستخدام عقلك ) برزت على الفور التيارات المضادة والتي شكلت جوهرها الفلسفة اللاهوتية التي لا تثق بقدرة العقل الأنساني على التعاطي مع الواقع وتقديم الحلول لمشكلاته ومتطلباته .. كانت الرغبة في الثبات والخوف من التغير هو الدافع الرئيس المحرك لتلك المقاومة البائسة للرجعية وبالطبع لم تكن المصالح الشخصية او حتى الشعبوية غائبة عن المشهد .. ولعل ابرز مثال على ذلك التضاد بل والتناقض في تحليل المجتمع وحركة التاريخ هو ما نادى به ( كارل ماركس ) مثلا من ضرورة حتمية تفرض التغيير بل والصراع وبالمقابل ما كان يؤكد عليه ( اوجست كونت ) مثلا من إعلاء للثبات والأستقرار .

لم يكن الطريق امام تحقق التنوير فكرا وممارسة وقيمة مفروشا بالورود .. بل أقتضى في سبيله ضريبة باهظة تلونت في كثير من الأحيان بلون الدم .. إلا ان الغلبة في النهاية الحتمية كانت للتنوير .. وكان من اكبر دعائمه على المستوى الشعبي هو توهج الثورة العلمية والتكنولوجية كنتيجة لتفعيل قيم التنوير العقلانية .

وفي المقابل .. وبمجتمعاتنا العربية .. كان التنوير دوما محل إتهام وحصار ليس فقط من قبل سدنة المؤسسات الرجعية باختلاف أنواعها .. بل ايضا وللأسف من قبل بعض المتمثقفين الذين إما ان قاموا بالتعاطي مع التنوير كمهدد للهوية وبالتالي خطرا وشرا .. فتم إقصائه وتشويه معالمه مما انعكس بالتالي على الرأي الجمعي للشعوب في صورة رفض ومقاومة .. او بالإغراق في تغريب المجتمع واستيراد التجربة كما هي دونما نظر لخصوصية ثقافية بل ومنهجية بطبيعة إختلاف الزمان والمكان وايضا الإرث الثقيل ..
وهكذا تم توالي إجهاض الحركات التنويرية العربية منذ بدايتها ما بين استخدام سلاح التكفير والزندقة كما تم مع ابن رشد مثلا والرشدية او الإتهام بالتغريب او الإنفصال او الإبتداع مرورا بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وغيرهم .
ويفيد إستقراء الماضي والحاضر العربي بخصوص مسار التنوير كونه فشل في الإنتقال من النقيض الى النقيض .. فهو لا يزال أسيرا للخطاب المعرفي القديم .. ولم يستطع بعد الدخول في مواجهة مع خطاب معرفي نقيض .. إنه السؤال الوجودي والجوهري الذي أثاره ( فوكو ) : من نحن وفيم نفكر وما نعمل اليوم !
ان التطور الحضاري الأصيل المستند على منهجية تنويرية عقلانية يقتضي من ضمن ان يكون نابعا من إحتياجات المجتمع ومتسقا مع خصوصيات الثقافة .. ورغم كونه تثويريا في جوهره ومعناه الاعمق .. إلا انه لا يمكن ان يتعاطى بأدوات مستعارة او مهجنة بل يجب ان يكون إفرازا طبيعيا كي لا يلفظه الجسد المريض وبالتالي يفقد فرصته الوحيدة في الشفاء .. وهذا لن يتأتى مع استمرار تلك القطيعة الكارثية ما بين مفكري مجتمعاتنا العربية وشعوبها والذي يدفعنا التجرد للتأكيد على كون كليهما ملوم .

هي دعوة لمثقفينا ومفكرينا كي يتخلصوا من سطوة الفكرة النخبوية الإنعزالية والمشوبة باصداء طبقية ونرجسية ويكونوا اكثر التصاقا بالجماهير ومتطلباتهم .. اكثر إحتراما لبدائية مناهجهم التعبيرية التي شكلتها نفس القطيعة .. واكثر استعدادا واخلاصا لتحمل ضريبة الحرية .. وبالمقابل فان الشعوب يجب عليها ان تكون اكثر ثقة بمفكريها .. اكثر رغبة في التحرر بالفعل لا بالقول او التمنى .. اقل سلبية واقوى في مواجهة الموروث والرجعي والسلطوي .. هي علاقة جدلية منتوجها التفاعلي الوحيد هو التحرر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على وقع الحرب في غزة.. حج يهودي محدود في تونس


.. 17-Ali-Imran




.. 18-Ali-Imran


.. 19-Ali-Imran




.. 20-Ali-Imran