الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهودية اسرائيل

جبريل محمد

2007 / 11 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع بدايات النشأة للفكرة الصهيونية كتب ليوبنسكر كتابه "التحرر الذاتي لليهود"، وشكل هذا الكتاب بداية لرؤية صهيونية انفصالية عن المجتمع الغربي، ومحاولة لكسر شرنقة الغيتو الغربي، باتجاه تحويل النزعة الدينية اليهودية الى قومية تلملم اشلاءها من كل بقاع العالم، في تلك الفترة، عارضه يهودي آخر هو موشي مندلسون الذي تزعم حركة سماها "هسكلاة"، ونادت باندماج اليهود في المجتمعات التي يعيبشون فيها باعتبارهم اصحاب دين مثلهم مثل اصحاب ديانات اخرى في اطار قومية واحدة، كما كتب ماركس في المسألة اليهودية واعتبر ان أي محاولة لتحويل الدين اليهودي الى جذر لمركب قومي هو جزء من خيانة الطبقة العاملة في البلدان الغربية وان تمييز اليهود عن غيرهم من اعضاء المجتمع هي دعوة عنصرية لا تخدم التحرر الانساني.
رغم هذا النقاش المبكر حول المسألة اليهودية في الغرب، حيث لم تنشأ مسألة يهودية في الشرق بمعنى آسيا وافريقيا بل في اوروبا، الا ان مجمل الحركة الاجتماعية في الغرب والتي تأسست في ظل الصراعات من اجل بناء الدول القومية والعلمانية في نفس الوقت، قد حسمت النقاش اليهودي في الغرب لصالح ادماج الحالة الدينية لليهود بالمفهوم القومي لتظهر الصهيونية وكـأنها حركة قومية تسعى لتحقيق الطموح اليهودي بالخلاص من الغيتو. هذه النزعة لم تكن ذات جوهر ديني بقدر ما استخدمت الدين، فقد كان جوهرها عملية تساوق مع التيار القومي الجارف في اوروبا، الا انها ولخصوصية وضعها الغيتوى وتعرض اليهود للاضطهاد في المجتمعات الغربية استخدمت عنصر الدين كمهماز يحرك اليهود كجيش يخدم الرأسماليين الطامحين بدولة منفصلة، وقد كان لهم ذلك في المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897. حيث شكل المؤتمر بداية العمل المخطط الواعي لبناء وطن قومي لليهود وفي فلسطين تحديدا حيث يلائم ذلك حالة الشحن الديني لليهود تحت شعار "ارض الميعاد".
لقد اعتمدت الحركة الصهيونية على الارض ، لا على المعبد والكنيس لاثبات وجودها على ارض فلسطين، فقد كان هدفها الاول استقدام العمال الزراعيين لارض فلسطين كيما يتحقق الربط بين المهاجر والارض، وأنشأت لذلم مننظمات مثل "هاشومير هاتزعير"، "الحارس الفتي"، وطلائع الناحال وهي منظمات شبيبية زراعية وعسكرية الطابع، وشبيبة الجدناع وغيرها من المنظمات التي لم تذهب اولا الى الكنيس بل باتجاه السيطرة على الارض وتكوين الكيبوتس والموشاف. فالحركة السياسية الصيهيونية نشأت بطابع علماني فصل عملية تشكيل الدولة عن النص الديني واحل الانتماء الديني محل الدين نفسه ليشكل محور البناء القومي العلماني للحركة الصهيونية بجناحيها العملي والتصحيحي، وبالتالي فهي حركة يهودية ذات طابع اوروبي وخبرة جاءت من الحركة الليبرالية الاوروبية او من شتى صنوف الحركات الاشتراكية التي كانت مزدهرة آنذاك في المانيا وبولندا وروسيا وغيرها.
حتى تصريح بلفور والذي شكل وعدا والتزاما من الامبراطورية البريطانية لم ينص على دين يهودي، بل نص على "شعب يهودي"، ولم ينص على دولة يهودية، بل على وطن قومي لليهود، وبالتالي يظهر هنا ان المصلحة الغربية في اقامة اسرائيل تمثلت في التخلص من اليهود اولا وتحويلهم الى مخلب قط في منطقة مصالح غربية متنافسة، فلو لم يصدر بلفور تصريحه آنذاك لاصدرت وزارة الخارجية الفرنسية مثله.
وبمراجعة تقرير لجنة بل عام 1937 والذي جاء على خلفية اضراب 1936 والثورة العربية المسلحة التي اجتاحت كل الارض الفلسطينية، لا نجد ان التقرير باقتراحه لتقسيم فلسطين ينص على نقل وتهجير السكان عربا كانوا ام يهودا، بل انها قسمت فلسطين الى مناطق سيادية لليهود والعرب، مع مراعاة حقوق كل اقلية في كل قسم، وعلى ذلك نص القرار 181 لعام 1947 والذي حدد دولتان يهودية وعربية وفي كل دولة يوجد جيب اما عربي او يهودي، الامر الذي جعل في نص القرار بندا ينص على تساوي الحقوق بين الاقلية والاغلبية في كل جزء.
على صعيد الحركة الصهيونية، لم تكن يهودية مناحم بيغن او اسحق شامير، دينية انما محاولة للدمج بين الدين والسعي لتحقيق "قومية يهودية" تكتسب "حق تقرير المصير، كذلك كانت يهودية "موشي شاريت، واسحق بن زفي، وبن غوريون وغولدا مائير وحتى يهودية موشي سنيه الشيوعي". بمعنى ان الفكر الصهيوني لم يسع الى بناء دولة دينية، بقدر ما سعى الى خلق نموذج علماني غربي في الشرق المتدين، ولا غضاضة ان يكون طابعها يهودي يجذب اليهود من كل العالم لاسباب دينية.
هكذا نشأت الهستدروت، والكيرن كييمت، والحركات الكيبوتسية، وحركات الموشاف اليمينية، تنشد الهاتكفاه، ولكنها تبني دولة علمانية لم تبرز سماتها الدينية الا حديثا وبعد حرب 1967. بنوم شاس والمفدال وحركات الحريديم الاخرى التي تعبر عن ازمة الدولة ومستقبلها اكثر مما تعبر عن الهدف من مشروع الدولة منذ تأسيسه.
في اعلان قيام اسرائيل، ورغم كل الحديث الديني في ديباجته، نجد نصوصا واضحة حول مساواة الاقليات في اطار "الدولة العتيدة" ونجد نصا اقرب الى الليبرالية منه الى النص الديني المتشدد، وبالتالي فان اعلان اسرائيل كدولة يهودية لم يكن سوى مجرد اعلان حيث ان التيقن من صفاء يهودية الدولة كان مرهونا بخلوها من كل العرب الذين بقوا فيها وهو ما لم تستطع الدولة الوليدة تحقيقه بفضل صمود من تبقى على ارض الجليل والمثلث والنقب ومدن عكا وحيفا ويافا واللد والرملة. لذلك فاسرائيل يسكنها الهاجس الديمغرافي منذ نشأت، وهي تحسب كل يوم ميزان النمو الديمغرافي داخل خط الهدنة وفي حدود فلسطين التاريخية. ويتعاظم هذا الهاجس بعد ان اصبحت نسبة التكاثر العربي في حدود الدولة العبرية اكثر من نسبة صافي المواليد والهجرة اليهودية الى البلاد معا.
لذلك يدخل علمانيو اسرائيل في صراع مرير مع الحريديم حول تعريف اليهودي وتعاظم هذا الصراع مع تدفق الهجرة من بولندا ودول الاتحاد السوفياتي حيث قدم الى البلاد عشرات الاف مممن تشك المؤسسة الدينية في يهوديتهم، ففي حين يسعى العلمانيون الى تعزيز عدد غير العرب في الدولة يتمسك الحريديم بالنص الديني الذي يقلص عدد اليهود فيها.
كل ما سبق يشير الى ان طرح ضرورة الاعتراف العربي بيهودية اسرائيل ، ليس سوى ابتزاز يسعى الى تنازل عربي مسبق عن حق العودة، بمعنى الحل المسبق لمشكلة اللاجئين بشطب حق العودة، ثم التفاوض على الحدود والقضايا الاخرى. هذا الامر عززته تسيبي ليفنى بتصور حل لفلسطينيي 48 وهو نقلهم الى الدولة الفلسطينية المقترحة، كذلك سبق كل هذه التصريحات اجراءات عملية على الارض كخطة الانفصال احادي الجانب سواء باخلاء غزة والتحكم بها من الخارج او بناء جدار الفصل العنصري وغيره من الاجراءات التي تحركها استنتاجات مؤتمر هرتسليا.
ان اسرائيل اليوم تعيش اضافة الى التفوق العسكري والسياسي والاقتصادي والعلمي على العرب عامة، ازمة دورها الذي تريد تكريسه بالاعتراف العربي بيهوديتها، لتكتسب شرعية اقليمية كدولة يهودية صافية في ظل كل الهوان العربي الحالي، وهي بالتالي لا تطرح معيقات للتفاوض في انابوليس وان كان هذا تحصيل حاصل انما تحاول انتزاع مكسب استراتيجي ينهي مخاوفها الازلية كدولة تعيش في محيط شعبي عرب لا يقبلها باعتبارها دولة مغتصبة.
لقد مضى الزمن الذي تستطيع فيه اسرائيل تهجيرا ثانيا لفلسطينيي 48، وبالتالي فان 1,2 مليون انسان عربي الان باتوا شوكة تدمي خاصرتها بمجرد الوجود فكيف اذا ما فعل هذا الكم البشري؟
ان اسرائيل اليوم هي يهودية الطابع، لكنها ليست دولة يهودية، ، اما ما تبقى من يهود العالم فهم وان تعاطفوا مع اسرائيل الا انهم يفضلون البقاء خارج المشروع، وبالتالي فازمة اسرائيل تتفاقم حيث لا يهود جدد يمكن ان يهاجروا اليها،فقد استنفذت الهجرة، فيما يتكاثر العرب كالنمل باعتراف الراب العنصري عوفاديا يوسف.
هنا افكر كثيرا بالحل الديمقراطي العلماني لفلسطين التاريخية، وهو امر بات غير طوباوي، لكن يحتاج الى جهد كبير ليس في اوساط الفلسطينيين، بل في اوساط اليهود الذين لا زالوا يحملون ثقافة كولونيالية، ويربطون وجودهم على الارض بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا