الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة تفجير المفاعل النووي العراقي - الجزء الثالث

بطرس بيو

2007 / 11 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قصة تفجير المفاعل النووي العراقي "17 تموز" (اوزيراك)
By Way of Deceptionترجمت عن الإنكليزية من كتاب "عن طريق الخداع"
لفيكتور اوستروفسكي و كلير هوي
ترجمة بطرس بيو

الجزء الثالث
و بعد مباحثات مبدئية ترك أيتسيك و ران (دونوفان) المكتب بحجة إنهاء الإتفاق المالي بينهما. و بعد توثق العلاقة بين حليم و عالم الذرة الإسرائيلي سأل الأخير حليم كيف حصل على هذه المعلومات المتعلقة بالصناعة النووية فأخبره حليم عن طبيعة عمله.

و عندما أخبر كولدساين أيتسيك عن إعتراف حليم قررا أن يدعواه إلى العشاء و قد إعتذر ران (دونوفان) عن الحضور. و أخبر الإثنان حليم أثناء العشاء أنهما يعملان على بيع مفاعـل نووي ألى إحدى بلدان العالم الثالث، بالطبع لأغـراض سلمية و أن المشروع الذي يعمل عليه يكون نموذجاً مثالياً لهذا الغرض. و قال أيتسيك لحليم "إذا أمكنك أن تحصل على تفاصبل المشروع يمكننا أن نحقق ثروة من هذه العملية. و لكننا لا نود أن يعلم دونوفان عنه شيئاً و إلا سيحاول أن يستقطع شيئاً منه لنفسه إذ سوف لا نحتاجه على أي حال".

و أبدى حليم شكه من الموضوع و قال لهم أن دونوفان عامله معاملة جيدة ثم عبر عن تخوفه من العملية. فقال له أيتسيك "لا موجب للتخوف كلما نود عمله هو أن نستعمل المشروع كنموذج و سنجازيك يسخاء ثم سوف لا يعلم أحداً عن الموضوع شيئاً".

و كان حليم لا يزال متردداً و لكنه كان يطمع في الحصول على ثروة من هذه العملية ثم قال لهم "و ماذا عن دونوفان أنا لا أود أن أعمل شيئاً وراء ظهره". فأجاباه "هل تعتقد أنه يخبرك في كل الذي يقوم به هو؟ ثم أننا سوف لا نخبره بالعملية لأنه سيطلب حصته منها".

و دفع دونوفان 8000 دولار إلى حليم عن عملية الإطارات و أحتفـل بوجبة غذاء مكلفة في اليوم التالي و قضى حليم تلك الليلة مع إحدى بنات الهوى ثم أرجعت نفس الطائرة حليم إلى باريس.

و هكذا تم إستخدام حليم من قبل الموساد دون علمه كما سبق أن تم إستخدام غيره.

كان المفروض أن يخـتـفي دونوفان من الصورة في هذه المرحلة لعدم إحراج حليم بإخفاء الأمور عنه. و قد إختفى فعلاً لمدة من الزمن و لكنه ترك رقم تلفونه في لندن لحليم فيما إذا إحتاج الإتصال به. و أخبر دونوفان حليم أنه ذاهب إلى لندن لإجراء صفقة تجارية هناك و لا يعلم متى سيعود. بعد يومين إجتمع حليم مع ايتسيك، شريك العمل الجديد الذي طلب من حليم تزويده بمخطط المشروع العراقي و تفاصيل عن الموقع و القدرة و جدول توقيت تصنيعه.

و قد قام حليم بتزويده بهذه المعلومات دون أي مشكلة. و قد علمه الإسرائيليون الإثنين كيف يحصل على نسخ للمستندات بأن يضع ورقة خاصة على المستند و فوقها كتاب لعدة ساعات إذ تنسخ الصورة على الورقة دون أن تظهر للعيان إلا بعد أن تعالج معالجة خاصة.

ثم إستمر ايتسيك أن يضغط على حليم لتزويده بمعلومات أخرى و يدفع له مبالغ كبيرة من المال في كل مرة. و إبتدأ حليم أن يشعر بما يسمى بشعور"إنفعال التجسسس" أي ومضات من الحر و البرد و إرتفاع درجة الحرارة و عدم إمكانه من النوم أو السكون و هي أعراض الخوف من الإنكشاف.

و إحتار حليم كيف يتصرف ففكر أن يتصل بصديقه دونوفان و فال له "إني في مأزق و أحتاج مساعدتك إلا أني لا أستطيع أن أكلمك بالتلفون". فأجابه دونوفان أنه الصديق وقت الضيق و أنه سيرجع إلى باريس خلال يومين و يقابله في شقته في فندق سوفيتيل.

و عندما إجتمع الإثنان أخبر حليم دونوفان عن الذي حصل مع الألمان و أنه أغـري بالمال و زودهم بالمعلومات التي طلبوها منه. فقال له دونوفان أنه ليس أول من تم إغـرائه بالمال و هدأ روعه ووعده أن يفكر بالموضوع و ينصحه بما يجب أن يعـمل.

وذهب الإثنان تلك الليلة لتناول العشاء في أحد المطاعـم و دعا دونوفان إحدى بنات الهوى ليقضي حليم ليلته معها.

و في اليوم التالي أخبر دونوفان حليم أنه علم من تحرياته أن ال "سي آي أي" الأميريكية هي الجهة التي تطلب هذه المعلومات منه و أنهم يحتاجون فقط أن يعلموا ماذا سيكون موقف العراق إذا طلبت منه فرنسا إستبدال اليورانيوم المخصب بالكاراميل؟ و هذا كل ما يريدون معرفـته.

فأجابه حليم أن العراق يريد اليورانيوم المخصب و لكن سيأتي خبير مصري يدعى يحيى المشهد بعد بضعة أيام للكشف على المشرع و هو المسؤول عن المشروع بكامله.

فقال له دونوفان "إذاً بإمكانك أن تسأله عندما يصل و تنتهي مشلكلتك". ثم أصر دونوفان أن يرتب حليم لقاء على العشاء مع هذا المصري حيث سيحضر هو "من باب الصدفة".

و في اليوم المحدد قدم حليم دونوفان ألى مشهد مفـتعلاً الدهشة و بعد تبادل التحيات بين دونوفان و مشهد، طلب الأخير من حليم الرجوع إلى طاولتهم و قد ظهر عليه بعض التحفض. و كان حليم متوتراً حتى أنه لم يجرأ أن يفاتح مشهد بالموضوع. و لم يبدي مشهد أي إهتمام عندما قال له حليم أن دونوفان بإستطاعته أن يشتري أي شئ و يمكن الإستفادة منه.

و في تلك الليلة أبلغ حليم دونوفان أنه لم يستطع أن يحصل على أية معلومات من مشهد فقال له دونوفان إذا أمكنه أن يحصل على جدول توقيت التصنيع لل(سي آي أي) فإنهم سيكفون عن ملاحـقـته.

و كانت قد حصلت الموساد في حينه على معلومات من أحد اليهود العاملين في ألأمور المالية مع الحكومة الفرنسية بأن العراق يرفض إستبدال اليورانيوم المخصب بالكاراميل. و لما كان مشهد هو المسؤول عن المشروع بأكمله فكان من المرغوب فيه إن أمكن إستخدامه في العملية.

عند عودة سميرة من العراق أحست تغيراً ملحوضاً على تصرفات حليم فأصبح يرتاد معها المطاعم مدعياً أنه حصل على ترقية و زيادة في الراتب.

كان حليم ذكياً في إختصاصه و لكنه لم يكن متمرساً في الأمور الدنيوية. ففي إحدى الليالي إخبر زوجته عن دونوفان و مشكلته مع ال (سي آي أي). فثار غضبها وقالت له ماشأن أميريكا بهذا الموضوع من يمكن أن يهمه موضوع كهذا غير الإسرائيليين؟
* * *
كانت حافلتين تقـلان محركات الميراج من معمل داسول بريكيه إلى حظيرة الطائرات في الريفيرا الفرنسية في مدينة لاسين سور مير قرب تولون في اليوم الخامس من شهر نيسان (أبريل) 1979 و لم يلاحظ سائقي الحافلتين أن حافلة ثالثة إنظمت إليهما أثناء الطريق.
1
وتتكرر واقعة حصان طروادة بنموذج حديث بأن أخبأ الإسرائيليون خمسة مخربين و عالم ذرة في حافلة معدنية كبيرة دخلت في المنطقة الأمنية كإحدى وحدات القافلة المكونة من ثلاث حافلات متبعين المعلومات التي إستمدوها من حليم. و كانوا يعلمون أن الحرس يهتمون إعتيادياً بألأشياء التي تخرج من المعمل أكثر من إهتمامهم بألتي تدخل. و قد جلب العالم الذري من إسرائيل خصيصاً لتعيين المحلات التي تغرس فيها المتفجرات لتخريب المفاعـل النووي إلى أقصى حد ممكن و قد مر على تصنيعه ثلاث سنوات.

كان أحد الحراس قد تم تعيينه قبل بضعة أيام و يتمتع بتوصيات غير مشكوك فيها و لم يشك أحداً بأنه حصل على مفاتيح المخزن الذي كانت تخزن فيه المعدات الجاهزة لنقلها إلى العراق خلال أيام معدودات

جلب إنتباه الحرس الواقفين على مدخل المعمل حادث سيارة إرتطمت بفتاة ماشية في الشارع وإخذت الفتاة تصرخ بأعلى صوتها على السائق المحرج رغم أنها لم تصب بأذى و إجتمع على أثرها جمع من الناس من ضمنهم الأشخاص الذين قاموا بغرس المتفجرات في المفاعل النووي إذ كانوا قد تسلقوا السياج الخلفي و ساروا إلى أمام المعمل. و بعد أن تأكد أحدهم أن الحراس من ضمن الناس الذين تجمعوا حول الحادث و بعيدين عن منطقة الإنفجار ظغط على زر التفجير مسبباً تحطيم 60% من مكونات المفاعل و خسائر تقدر قيمتها بحوالي 23 مليون دولار و تأخبر عملية التصنيع لعدة أشهر. و المستغرب في الأمر أن الإنفجار لم يصب المعدات الأخرى في المعمل بأضرارً.

و عندما سمع الحراس صوت الإنفجار تراكضوا نحو المحل الذي صدر منه الصوت و إختفت السيارة التي سببت "الحادث" كما تسللت الفتاة مع الذين قاموا بالإنفجار إلى الشوارع الفرعـية.

و قد أحرزت العملية نجاحاً منقطع النظير ووضعت صدام حسين بموقف حرج. و إدعـت مؤسسة مختصة بالبيئة تدعى مؤسسة الأيكولوجيا الفرنسية بمسؤوليتها عن الحادث غير أن الشرطة الفرنسية لم تهتم بهذا الإدعاء. و التعتيم الذي أحاطت الشرطة الفرنسية للتحقيق بالحادث حدى بالإعلا م أن يتحزر عن المسببين فإتهمت فرانس سوار اليساريين المتطرفين بينما كتبت لو ماتان أن الذين قاموا بها هم الفلسطينيون بأيعاز من ليبيا، أما لو بوان فعزت الحادث إلى ال (أيف بي آي) الأميريكية. و إتهم الغير الموساد و لكن الحكومة الإسرائيلية نفت الإتهام و نسبته إلى معاداة السامية.

عندما عاد حليم و سميرة من تناول العشاء في أحد المطاعم في تلك الليلة وعلم حليم بنبأ الإنفجار من المذياع تملكه الرعب و أخذ يتراكض كالمجنون في الشقة و يتلفـض بكلام غير مفهوم مما دعا سميرة أن تصرخ عليه "ما بك هل جننت؟" فأجاب حليم و هو مرتعب "إنهم قد فجروا المفاعـل و الآن سوف يفجروني". ثم تلفن دونوفان الذي هدأه وقال له" لا تقوم باي عمل جنوني بل هدأ من روعك. سوف لن يستطيع أحد أن يربط الحادث بك و قابلني في الشقة مساء الغد."

عندما تقابلا في اليوم التالي كان حليم لا يزال يرتجف من الخوف إذ لم يستطع النوم تلك الليلة و لم يحلق ذقنه وكانت حالته يرثى لها. و قال لدونوفان أنهم سوف يحكموا عليه بالإعدام. فأجابه دونوفان بأنه لا موجب للخوف فسوف لن يعرف أحداً عن علاقته بالحادث.

و تسائل حليم "هل تتصور للإسرائيليين علاقة بالحادث؟ هذا ما تعتقده سميرة، إنها مصيبة كبرى". فرد عليه دونوفان قائلاً "هدأ من روعك يا رجل، إن الذي تتفوه به هراء، إن الذين أتعامل معهم لا يمكن أن يفعلوا شيئاً من هذا القبيل. غالباً ما يكون الأمر متعلقاً بالتجسس من قبل بعض الصناعيين فهناك تنافس شديد في هذه الصناعة، فأنت نفسك قلت لي هذا".

ثم قال حليم أنه يود الرجوع إلى العراق و يبتعد عن هؤلاء كما أن سميرة أيضاً تود العودة إلى العراق و قد قضوا وقتاً كافياً في باريس.

و قد أصر دونوفان على علاقة الصناعيين بهذا الأمر لإبعاد الشبهة عن إسرائيل و قال لحليم أنه يمكنه الإتصال بالإسرائيليين إذا أراد أن يبدأ حياةً جديدة و هم سيجازوه بسخاء. فأجاب حليم أنه لا يرغب ذلك، ليس مع الإسرائيليين على كل حال، بل يود العودة إلى العراق، و هذا ما فعـله.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة يرصد توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى ل


.. مقترح لحظر بيع السجاي?ر للمولودين بعد عام 2009 في تركيا مدى




.. مناسك الحج.. الجزيرة ترصد توافد الحجاج لرمي جمرة العقبة في أ


.. تفاصيل عملية اغتيال القيادي في حزب الله -أبوطالب- في مدينة ج




.. تقرير استخباراتي أميركي يكشف حجم الخسائر المادية بالبحر الأح