الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكير مثل الرصاصة

محمد أبوعبيد

2007 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من خلال القناعات واعتناق الأفكار المهيمنة على العقل العربي عموماً ، بالمقدور اكتشاف نمطية التفكير السائدة . يمكن تشبيه طريقة التفكير عندنا بالرصاصة ، ليس لقوتها الخارقة في خرق الحديد ومعادن أخرى – وإن كانت هي الأماني -، ولكن نظرا لمسارها المحدد الذي يقرره الضاغط على زناد السلاح المنطلقة منه . فكما لا تتأرجح هذه الرصاصة يميناً ولا يساراً، فإن فيزياء الكثير من العقول العربية تعمل طبقا لفيزياء انطلاقة الرصاصة، بدلاً من أن تكون هذه العقول مثل الكيمياء المتفاعلة مع الأشياء والأفكار من حولها .

لفظة التفكير في هذا المقام هي مجازية ، لأن التفكير يقتضي السؤال والتساؤل، والتفكر والبحث والحوار الحضاري القابل للأخذ والعطاء، وبناء الرأي وفقاً لما يصل إليه من نتائج بعد هذا الحراك العقلي، ولا يقتضي الركون إلى ما يرثه المرء من قناعات واعتناقات بشكل تلقائي من جيل إلى جيل كما لو كانت المسألة مثل السلك الموصل للتيار الكهربائي . فلا يفكرمن يرضى أن تُحدَد له قناعاته سلفاً من قبل السلف، وكالسلك يوصلها إلى الخلف ، ولا يعمل عقله من يقبل أن يُفصّل له حجم وشكل اعتناق الأفكار. على هذا الأساس، فإن التبلد، وليس التفكير، هو السمة المسيطرة على العقل العربي بالعموم، إلا من رحم ربي .
ولأن هذه هي السمة المسيطرة، يمسي الإتيان برأي مغاير لما هو سائد بمثابة زندقة وهرطقة وقد يصبح الأمر كفراً لا فكراً لدى المتبلدين عقلياً . فأبواب النقاش غالباً موصدة في وجه من يريد النقاش حتى لو تسلّح بالحجج والقرائن التي من شأنها أن تؤسس لنشاط عقلي وحركة فكرية جديدة صفتها العامة إعادة صياغة الأفكار والآراء، أو على الأقل تقبل من يشاء الانسلاخ عن قناعات السابقين والحاليين، ويكوّن لنفسه فكره الخاص.


مثلما هناك آباء يفرضون أزواجاً على بناتهم، ويحددون مسار حياتهن، فإن الكثير من الأولياء يفرضون آراءهم على المُوَلّى عليهم بغير وجه حق ،حيث لا حق في أن يكون هناك والٍ يفرض الآراء والقناعات . هذه الآفة تنتقل عدواها بين الجنسين ومن مختلف الأعمار . قد يتقاسم ابن السبعين عاماً مع ابن العشرين رأيا مفصلاً حسب الطلب ورغبة الغير، أو طبقاً للعادات والتقاليد . وقد تلتقي قناعة امرأة مع إيمان رجل في أن الأنثى لم تخلق إلا لخدمة الرجل وطاعته، وقد يتفق العموم على أن ما ورثوه من ممنوع يظل ممنوعاً، وما وصل إليهم من جائز يظل جائزاً من دون أي اعتبار لقياس التقادم، والحداثة في الفكر والسلوك ونمط الحياة . كل ذلك لأن ما اصطلح عليه مجازاً " التفكير " هو مثل مسار الرصاصة .

العقل العربي يعمل، إذنْ، كما لو كان فصلاً من علم فيزياء الحركة أو قوانين الكهرباء . ليته انشغل في مثل هذه العلوم ولم يكن مجرد فصل أو معادلة منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة السيارات الكهربائية الصينية | عالم السرعة


.. الشرطة الألمانية تطلق النار على مهاجم يحمل فأسا داخل تجمع لم




.. سلسلة جرائم مروعة.. قصة قتل غامضة وسلسلة من الألغاز تقود إلى


.. مسلسل -هاوس أوف ذو دراغن- : متى تعلن الحرب بين الملكتين تارغ




.. -يلوّح بفأس وعبوة حارقة بين المشجعين في #هامبورغ.. - والشرطة