الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطأ شائع في كتابة و فهم التاريخ.

أحمد الحادقة

2007 / 12 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كثيرا ما تعوق الانتماءات الوطنية ، كتابة و فهم المنهج التأريخي بشكل أقرب للحياد و الموضوعية.

فأثناء الحروب و الصراعات ، عادة تتخذ الدولة المهزومة أمام الشعب مبررا لهزيمتها.
فقد يكون هذا التبرير ، تحريفا في موضوع و حقائق حول بعض الأحداثز
و قد يكون مجرد لي عنق لبعض الأحداث عن طريق النظر إليها من زاوية أخري غير الزاوية المطلوبة .. أو إستخدام ألفاظ و شعارات رنانة لها تأثير علي كيفية إستيعاب الجمهور العادي لتلك الأحداث التاريخية.

و هذا ، يفرق بين الحكام الديكتاتوريون ، و الحكام الديموقراطيون ، في كيفية تعاملهم مع المعطيات التاريخية ، أو الأحداث التي ستصبح تاريخا فيما بعد.
فالديكتاتوريون ، لا ينظرون إلي التاريخ كمنهج علمي موضوعي يضع الأحداث بشكل تسلسلي مترابط ، أقرب للموضوعية ، و خالي من أي تعصب ... بل ينظرون إليه كوسيلة أساسية للوصول إلي مرحلة عليا من الوطنية ، تفيد الحاكم و تحسن صورته أمام العامة ، و تسخر له الشعب لتلبية مطالب تندرج تحت الوطنية المزيفة.
فمثلا ، خطاب تنحي الرئيس المصري السابق "جمال عبد الناصر" بعد هزيمة 1967 ، يضع الجمهور العام أمام إختيارين:
1. إما التضحية بالرئيس ، و بذلك الاعتقاد بالتضحية بأرض سيناء بعد إحتلالها.
2. أو التمسك به ، و نسيان مسؤوليته الكاملة عن الهزيمة ... و هذا ما حدث !
فالرئيس هنا ، خاطب العامة بلغة العاطفة.
و قد سجل التاريخ هذا الحدث و ركز علي وطنية الشعب المصري و إرادته في إبقاء الرئيس .. و لم يشر التاريخ إلي إستراتيجية الرئيس في تأثيره علي الشعب عاطفيا كي لا يحاكمه يوما و يضعه أمام المسؤولية.
و لذلك ، فجمال عبد الناصر ، هو شخصية وطنية مصرية ، بناها الوهي الوطني المتأثر بالخطاب العاطفي أثناء أوقات و أحداث معينة.

و نفس الوسيلة في تغييب عقول المصريين حول السبب الرئيسي في انتصار حرب أكتوبر 1973.
فغالبية الكتب التاريخية ، توضح ان مصر انتصرت عسكريا علي إسرائيل .. مما أعطي انطباعا خاطئا علي أن الجيش المصري يتعدي الجيش الاسرائيلي في القوة.
و المعروف و المثبوت هو عكس ذلك ... و أن الانتصار جاء من الناحية السياسية عن طريق مفاوضات و اتفاقيات في وجود شروط معينة من قبل القوة الكبري و المسيطرة (إسرائيل).

و هنا يتضح الوعي الديموقراطي ، و الوعي الديكتاتوري في عملية التأريخ .. و من ثم ، فهمها.

فالوطنية ، تضع شخصا ما ، أو حدث ما في هالة قدسية تمنع التقرب منها.
و هذا ينزع عن الكتابة التاريخية أي موضوعية و حياد .. لأن التاريخ كمنهج علمي ، يجب ان يعتمد علي الرؤية النقدية للأحداث و الشخصيات .. و ليس التمجيد.

فالآن مثلا في مصر ، بعد عرض مسلسل "فاروق" ، الذي يتناول قصة حياة الملك فاروق منذ ولادته ، و حتي رحيله عن مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، تغير الكثير في وعي الجمهور العام حول شخصية الملك.
فالكثير من الناس ، كانوا يظنون هذا الملك ، دائم في شرب الخمر ، و معاشرة نساء بشكل شرعي.
لكن بعد عرض هذا المسلسل ، نظروا إليه كشخص وطني لم يكن بفكر سوي في الوطن.
في نظري ، تلك النقاط التي تبدو متناقضة ، ليس شرطا أن تكون كذلك.
فأحدها خاص بالحياة الشخصية .. و الأخري خاصة بالحياة العملية تجاه الوطن.
هذا سبب رؤية متعصبة لشخصية الملك .. كأنه ملاك يمشي علي الأرض و يحكم مصر.
و في نظري ، ليس من المستحيل وجود تلك النقاط في نفس اللحظة.
فالحاكم ، ليس إما ملاك ، أو شيطان.

طبعا أنا هنا لا أحكم علي إطلاق علي شخصية الملك.
بل أنا فقط أؤكد ان الوطنية تؤثر سلبا علي فهم و إستيعاب التاريخ ، موضحا ان مثل هذا العمل الفني ، لا يمكن ان يتخذ كمرجيعة تاريخية لتلك الحقبة التاريخية في مصر الحديثة.
بل يكفي فقط كأداة لنشر نظرة جديدة من زاوية مختلفة لتلك الفترة.
و هذا لأن المسلسل ، لم يناقش شخصية الملك من ناحية موضوعية نقدية .. بل ناقشها من ناحية وطنية ، و وضعه في هالة قدسية كبيرة.

فأنا أطلب من كتاب التاريخ في الوقت الحالي ، أن يراعوا هذا النقطة المهمة في كتاباتهم .. أي التفرقة بين المنهج العلمي النقدي للتاريخ .. و بين الوطنية و القدسية الانحيازية.

و من هنا ، يتغير فهمنا المطلق لكثير من الأحداث ، و التي أصبحت مسلمات تاريخية.

يحضرني هنا مثال ، و هو نظرية "المعجزة اليونانية" ، التي تعتبر إنجازات الاغريق القدامي ، هي خلاصة عقل إغريقي خالص.
و هذه نظرة وطنية قدسية ، تتناقض تماما مع أسس الاتصال الحضاري بين جميع الحضارات.
فالحضارات ، دائما علي إتصال و إندماج ، إما بالصراعات ، أو التجارة ، أو الهجرة ، و غيرهم ...

فأن نزعنا الوطنية عن كثير من مخلفاتنا التاريخية ، حتما سنصل إلي نتائج نسئم منها و نرفضها معنويا .. لكنها بالتأكيد في غاية الأهمية لفهم واقعنا الحالي ، و مساعدتنا علي تنبؤ و توقع المستقبل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا


.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق




.. حزب الله وإسرائيل.. تصعيد مستمر وتحذيرات من حرب مفتوحة| #غرف


.. أهالي جباليا في غزة يصلون العيد بين الركام




.. البيان الختامي لمؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا يدعو الجميع لإح