الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصولية الاسلامية --الاحوان المسلمون نموذجا

رمضان الصباغ

2007 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمثل تنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم دولى الجماعة الأم التى انبثقت عنها الجماعات الإسلامية الأخرى فى مصر، والعالم العربى والاسلامى، بالاضافة إلى احتضان التنظيم الدولى لكافة التيارات الإسلامية السنّية على مستوى العالم.
فقد كان هذا التنظيم ( الاخوانى ) بمثابة مفرخة خرجت منه كافة التيارات المتشددة ( الجهاد- التكفير والهجرة- حزب التحرير الاسلامى- تنظيم القاعدة ).. وفى كل الأحوال ظلّت الروابط قوية بين هذه التيارات، والتنظيم الأم رغم الخلاف الظاهرى أحياناً فى بعض المواقف- والذى يعدّ بمثابة تكتيك يتبعه الاخوان فى بعض الأحيان بادّعاء عدم مسئوليتهم عما تقوم به هذه الجماعات.
ولقد كان الاحياء الاسلامى الحديث وما زال يمثل قمة الرجعية والتخلف فى هذا العصر، عصر الاقتصاد العالمى والسياسة الحديثة، وحقوق الإنسان.. كما تعدّ هيمنة هذه الأصولية بأفكارها المتحجرة والمتواطئة مع الامبريالية بمثابة تهديد للتقدم الاجتماعى والاقتصادى والفكرى، وتدمير لكل إبداع، وتكريس للتخلف والانحطاط.
فى العقد الثالث من القرن العشرين، وبالتحديد فى عام 1928 نشأت جماعة الإخوان. وقد كان ذلك فى فترة ما بين الحربين وبعد سقوط الخلافة العثمانية التى خرّبت مصر والعالم العربى بإحتلال دام أربعة قرون انعزلنا فيه عن العالم، وعشنا أسوأ عصور الاستبداد. وقبل سقوط الخلافة بقليل كانت فترة النهضة العربية قد بدأت فى مصر على أيدى مفكرين أحسّوا بخطورة رزوحنا تحت سيطرة العثمانين وماكرّسوه من قيم متحجرة، وقارنوا ذلك بالغرب المتقدم والذى جاء بقوّته وجبروته متسلحاً بالعلم ليفرض شروطه على الرجل المريض ( الدولة العثمانية). فكانت الدعوة للنهوض بالأمة على أيدى " شبلى شميل" وفرح أنطون" ومحمد عبده "ولطفى السيد"، وقاسم أمين، وسلامة موسى، ونيقولا حداد وغيرهم.. كما تكونت الأحزاب، وكان حزب الوفد بعد ثورة 1919 هو أكثر الأحزاب شعبية.. كما صدرت الصحف والمجلات التى تدعو إلى التنوير والأخذ بأسباب العلم والتقدم والمدنية. وكان قد صدر كتاب الشيخ على عبد الرازق
( الاسلام وأصول الحكيم ) 1925 ليكون ردّا على القائلين بضرورة عودة الخلافة، وكذلك صدر كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين، وكانت الصحوة الفكرية على أشدّها، كما كانت ألحان وأغانى (سيد درويش) الوطنية والاجتماعية قد تغلغلت فى وجدان الشعب..
فى نفس الوقت كانت الرجعية والقوى الممثلة لكبار الملاك والمتعاونين مع المستعمر، والقصر، وأزلام العثمانيين يقفون على الجانب الآخر، وقد هاجموا بعنف كل أسباب التقدم والتحرر لأنها بمثابة مقبرة لهم. وقد كان الشيخ رشيد رضا قد تنكر لأفكار أستاذه الشيخ محمد عبده، وجعل " المنار" تدعو للخلافة الاسلامية، وبوقاً للأفكار الرجعية، وصوتا للأفكار الوهابية وفى نفس الوقت تحولت الجمعية الشرعية التى أسسها الشيخ " محمود خطاب السبكى" سنة 1913 من التصوّف، إلى الدفاع عن الأفكار الوهابية بعد أن غير الشيخ السبكى أفكاره كلّية عام 1926 وقد ساعد رشيد رضا على زيادة المساجد التابعة للجمعية الشرعية عن طريق علاقته بالوهابين السعوديين
كما ساعد عبد العزيز آل سعود الشيخ حامد الفقى فى إنشاء جمعية أنصار السنة عام 1926 والتى تخصصت فى نشر أفكار إبن تيمية والوهابية كما نشأت جمعية الشبان المسلمين 1927. ثم جاءت جماعة الأخوان عام 1928. وقد كانت صلة ( حسن البنا ) قوية بالدوائر السعودية كما اتضح ذلك من مذاكراته، ومذاكرات د. محمد حسين هيكل عن السياسة المصرية واضحة ومؤثرة فى النهج الذى انتهجته الجماعة.
ففى الوقت الذى كان أعلام النهضة المصرية يناضلون فى مواجهة عودة الخلافة، ويعملون على إرساء العقلانية، كانت الهجمة الصحراوية بالفكر الوهابى تدخل المعترك وتعمل على ترسيخ أقدام الوهابيين الجدد فى مصر- وذلك اعتماداً على أن الخطر على الوهابية يأتى مصر المتقدمة والعقلانية، وتعد السيطرة عليها، وإدخالها عن طريق هذه الجماعة ( الاخوان ) خندق الوهابية اّتقاء لخطرها، وتأمينا للدولة السعودية الثالثة- خاصة أن الذى قضى على الدولة الأولى كان من مصر، محمد على.
وقد كانت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى ذلك الحين تتسم بالتعقيد، فقد كان الصراع على أشدّه بين القصر وأحزاب الأقلية من جهة، وحزب الوفد من جهة أخرى. كذلك كان الكفاح ضد الأستعمار يواجه إلى جانب الانجليز الرجعية المحلية التى رأت مصالحها مع المستعمر. وكانت الشرائح الدنيا من البورجوازية ساخطة على الأوضاع السيئة سياسياً، وعدم العدالة الأجتماعية خاصة مع الاستقطاب الطبقى الحادّ. كما كان القصر يجد خطورة فى الوفد ( كحزب شعبى )، وفى نفس الوقت فإن أحزاب الأقلية لا مصداقية لها أمام الشعب. وهنا جاءت جماعة الإخوان لتقدم بديلاً عن الأحزاب للطبقات الشعبية، والأميين وأنصاف المتعلمين،وهم يمثون الغالبية- آنذاك- وكان "حسن البنا" يقدم نفسه لكل فريق بالطريقة التى يرغبها كما طرح نفسه حليفاً للقصر. وقد بدأ بالدعوة رافعاً شعار الاعتدال، وعدم التطرف، ولكنه فى الوقت نفسه كان يؤسس التنظيم العسكرى السرّى ليكون أداة للسطو على الحكم عندما تحين الفرصة، كما كان أداة للتخلص من المناوئين للجماعة فقتلوا النقراشى والخازندار... وغيرهما وكان عندما تنكشف أمورهم يتنصّل من الفاعلين بإدعاء أنهم ليسوا من الإخوان، وليسوا من المسلمين.. وقد حدث نفس الشئ عند محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، عندما أختفى المستشار الهضيبى قبل العملية وظل لفترة مختفياً، وأنكرت الجماعة انتماء الفاعل ( محمود عبد اللطيف ) إليها، وقد جاءت مذاكرات الضابط عبد المنعم عبد الرءوف أحد الضباط المشاركين فى الثورة والمفصول من المجلس فيما بعد، وهو اخوانى وكان يقوم بتدريب التنظيم السرّى لتؤكد على تدبير الإخوان للحادث. وقد درج الاخوان على هذا النفاق، ففى أحداث الأزهر وعندما قام عدد من طلاب الإخوان باستعراض للقوة داخل الجامعة وممارسة العنف فى الحرم الجامعى، قال بعض الاخوان ان هؤلاء الطلاب كانوا يقدمون مسرحية- علما بأن الشواهد تكذب ذلك- وقال المرشد العام للجماعة إنها لعب عيال أو ما شابه ذلك، أى تنصلوا كالعادة من الموضوع برمته.
وقد ساهم تنظيم الإخوان مع شركات توظيف الأموال التى رفعت شعار الدين وباركها وساندها، وكان أصحابها من الاخوان الذين ساهموا فى تدمير وتخريب الاقتصاد، وقاموا بالنصب على البسطاء من الشعب. وعندما انكشفت أمورهم نجد شيوخهم ( يتنصلون ) من الموضوع فيقول الشيخ شعراوى أنهم ضحكوا عليه!! هل هذا معقول..؟

وإذا كان الإخوان كتيار أصولى أصبح له الأذرع الممتدّة حول العالم الآن، كما أنه كان المفرخة التى خرجت منها كل التنظيمات المتشددة، والتى عملت على تدمير الاقتصاد الوطنى عن طريق ضرب السياحة، والاعتداء على الأجانب واستحلال أموال غير المنتمين للجماعة سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وتقسيم العالم إلى دارين دار إيمان ودار كفر. بل وقد نشأت الجماعة الاسلامية التى أسسها أبو الأعلى المودودى فى الهند عام 1941 على منوال جماعة الأخوان المسلمين والتى أثرت أفكاره- أى المودودى- المتشددة فى سيد قطب، المنظر الحديث لجماعة الاخوان والجماعات المنبثقة عنها.
وقد اتضح أن التيار الأصولى السائد الآن، بالمقارنة بحال التدين المصرى السابق عليه، هو تيار طابعه وحشى وفاشى وعنصرى. وذلك لأن هذا التيار يدّعى أنه يملك الحقيقة المطلقة،وأن مرجعيته اسلامية تعود إلى الله، أما الآخر فهو فى ضلال، أو كافر. فهو يفرّق بين البشرعلى أساس الدين (و بمعنى أدقّ على أساس فهم محدّد للدين يعتبره هو الدين الحقّ، وماعدا ذلك يُعدّ ضلالا وكفراً) وهنا تكمن الفاشية فى هذا الطرح.
وإذا كانت جماعة الأخوان قد اعتمدت فى نشأتها على الطبقة الوسطى- خاصة الشرائح الدنيا منها، كما تعتمد على الريف، والقادمين من الريف والمكونين لحزام ترييف المدن الكبرى ( القاهرة- الاسكندرية )
هؤلاء الذين جاءوا بخبرات محدودة فاصطدموا بالظروف الاجتماعية والثقافية فى المدن، وضغوط تكاليف المعيشة، والبطالة، والإحباط لعدم التحقق سواء فى العمل أو العلاقات الاجتماعية. هؤلاء يلجأون إلى الجريمة والعنف والمخدرات لحل مشاكلهم بشكل مؤقت، ومنهم من يلجأ إلى الأصولية كنوع من السلوان عما يحدث لهم فى الدنيا، وهم إذ يبحثون عن سلام أبدى وعن التقوى والاستقامة يجدون أنفسهم عن طريق الدروس فى المساجد والزوايا والجلسات الخاصة فريسة هذه التيارات الأصولية التى تقدم لهم فى البداية المأوى، وتمنحهم الأمان باختفائهم عن عيون أجهزة الأمن، ثم تبدأ بعملية غسيل للمخ يدرك بعدها البعض أنه وقع فى فخ، ولكنه فى ذلك الوقت يكون قد تجاوز نقطة العودة، وبالتالى يتحول إلى مطيع، ومنقاد، ويفقد حبّ الحياة، ويصبح قنبلة موقوته يمكن أن تنفجر فى أى وقت حسب أوامر الأمير.
والجدير بالذكر أن فتاوى ( المشايخ ) الذين يتحصنون بعيداً عن الأجهزة أو يقدمون آراهم على أنها وجهات نظر- حتى تغض السلطات الغارقة فى الفساد النظر عنهم- هم الذين يدفعون الشباب الذى وصل إلى نقطة اللاّعودة إلى هذا المصير.
اذا كانت الشرائح الدنيا، والمهمشين، هم أساس هذه الجماعات، فإن هذا الفكر ينتشر الآن بين الطبقات الغنية فى المجتمع. فقد كان لصوص الأموال ( رجال الأعمال الذين هربوا بالمليارات ) هم أشهر من يقيمون موائد الرحمن، ويقدمون ( للمشاريخ ) الهبات، ويتظاهرون بالاستقامة والتقوى.
ان هذا الفكر هو الذى أفرز" بن لادن" كتعبير عن الانغلاق التام فى الفكر الوهابى السعودى ككارثة تهدّد الاستقرار فى العالم، وداعية لأبشع أنواع العنف، وحرف الجماهير عن القضايا الأساسية والملحة لحياتهم، وجعلهم يتعلقون بالوهم الكاذب فى إمكان إقامة دولة اسلامية عنوة فى العصر الحديث.
وهو الفكر الذى يتبناه المستغلون،والسماسرة، والوكلاء عن الدوائر الغربية وأصحاب الاستثمارات الوهمية، ومضاربوا البورصة، والمتهربون من الضرائب والجمارك من أصحاب الشركات العملاقة، فقد وجدوا فى الدين واجهة تحسّن صورتهم، وتخدع الناس، وتجعلهم لا يطرحون السؤال حول ثرواتهم المشبوهة. وقد قام الدعاة الجدد، والذين تخلوا عن اللباس التقليدى لرجال الدين، وارتدوا ملابس تناسب الطبقات والفئات التى يتعاملون معها، كما أن خطابهم لا يتسم بالعنف الذى يمثله الظواهرى أو بن لادن لأن هذه الفئات غير مستعدة للموت وتعرف اللعبة جيداً، ولذا فإن الخطاب يكون هدفه هو تخدير الفئات الساخطة على هذه الفئات العليا، ويزرع فيهم الأمل باللحاق بالفئات الغنية، ويعتمد على سرْد القصص والحكايات، وتجنب المسائل المعقدة والمشكلات العويصة- خاصة أن هؤلاء غير مؤهلين بدرجة كافية لذلك ويمثل هؤلاء الدعاة (عمرو خالد)، و(خالد الجندى)، وغيرهما والذى يتفق فيه هؤلاء الدعاة مع الآخرين هو أن الجميع ( دعاة الارهاب، ودعاة التحذير ) يرون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأن الآخرين قد ضلوا الطريق أو كفار.
وإذا كانت الأصولية تتشدّق أحياناً ببعض الكلمات ضد الامبريالية، فإن هذا ليس إلا نفاقاً للجماهير، فهى فى الحقيقة تلهث وراء أمريكا والامبريالية الأوربية. بل وإذا كانت بعض الحملات الدعائية لأجهزة الاعلام الأمريكية ضد الاخوان أو التيارات المنبثقة عنها، فإن الولايات المتحدة الامريكية لم تكف عن استخدام هؤلاء الأصوليين كلما كان ذلك ضرورياً فى مواجهة الاتجاهات التقدمية والثورية، فقد ساعدت المخابرات الأمريكية فى تنظيم وتسليح وتمويل الأصوليين الاسلاميين، فكانوا مع الاخوان المسلمين فى مواجهة (عبد الناصر)، وقد لجأ الكثيرون الى الدول الغربية بعد معركة بورسعيد 1956،كما لجأ آخرون إلى البلد الراعى للأصولية، ومهد الوهابية- "السعودية" كما كانت الولايات المتحدة هى الراعية للظواهرى وبن لادن فى أفغانستان وبمساعدة التمويل السعودى، وتواطؤ الأنظمة الرجعية العربية التى كانت تقبض الثمن، وترى فى ذهاب الارهابين إلى أفغانستان تخلصاً منهم ومن مشاكلهم. وقد دمر إرهابيو أفغانستان ( من كافة الدول العربية ) ليس فقط أفغانستان، بل واستداروا إلى البلاد العربية وصاروا من أهم مصادر التهديد لها.
وقد كان تمويل الأصوليين من السعودية ودول الخليج ومن التبرعات التى كانت تقدم لأغراض خيرية ولكنها تحولت إلى تمويل للارهاب.
ويعد الارتباط بين الأصوليين والولايات المتحدة الأمريكية ارتباطاً وثيقاً لا تكدّّره بعض العبارات التى تقال هنا أوهناك لأجل امتصاص غضب بعض المعارضين. فقد كان جوهر علاقة الولايات المتحدة بالأصوليين هو مساعدتهم بكافة الطرق، واستخدامهم فى ضرب أى اتجاهات تقدمية أو ثورية. وقد رصدت مبالغ ضخمة لذلك، خاصة خلال الفترة الناصرية لمساعدة الاخوان ضد عبد الناصر، وقد استخدمت الرعب الذى كانت تعيشه الأنظمة الرجعية فى ابتزازها وجعلها تدعم مادياً الأصولية وقد كانت السعودية من أهم الدول التى أوت الإخوان، حتى إذا ما عادوا فى عهد السادات، عادوا بأموال طائلة يستثمرونها الآن فى العمل السياسى، وقد بدا ذلك واضحاً من المبالغ الباهظة التى تنفق على الانتخابات والمرشحين، وسيطرتهم على عدد من الصحف والمجلات.
وقد ساعد على زيادة سطوة الإخوان فى السنوات الأخيرة، ما قدمه لهم السادات من تسهيلات نظير مواجهتم اليسار الذى كان قوياً فى ذلك الوقت، ثم تظاهر النظام الحالى بأنه من المدافعين عن الدين الإسلامى وذلك لكسب الفئات المتخلفة، والمهشمين والمسحوقين- خاصة بعد ما قام النظام بعملية تغييب وعى للجماهير على مدى ثلاثين عاما- وقد كان استشراء الفساد وانتشار المحسوبية والرشوة، من العوامل التى أنعشت الأصولية، خاصة أن الحصار المضروب على القوى الوطنية، وحرية تكوين أحزاب حقيقية حرّة جعل البديل غير ممكن.
كما استخدم النظام الإخوان كفزاعة يرعب بها الشعب حينا، ويخطب بها ودّّ الولايات المتحدة الأمريكية حينا آخر. فصار الشعب واقعاً بين نارين، نار الفساد والتحجر البيروقراطى، ونار الاخوان بما يحملون من تاريخ مرعب- خاصة أن هذه الجماعة اعتادت التأقلم والتكيف مع السلطات القائمة على مدى ثمانين عاماً. وهى فى كل الأحوال مستعدة لقبول ما تجود به السلطة.
وإذا كانت النماذج التى قامت فى العصر الحديث للسلطة الدينية لا تجد قبولاً لدى أى إنسان لديه أدنى درجة من التفكير. سواء فى أفغانستان ( طالبان )، أو ما قامت به ( حماس ) فى الفترة الحالية من انفرادها بغزّة، والادعاء أن ما قامت به يشبه فتح مكة، وهى تقوم الآن بأفعال أبشع مما يقوم به الصهيونيون فى مواجهة الشعب الفلسطينى، فهم أكثر وحشية من العدو ذاته.
إن السلطة القائمة على إدّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، هى سلطة غاشمة وفاشية فى الوقت نفسه، إنها تدمر كل إمكانية للتطور والتغيير. لقد استغلوا الصراع العربى- الصهيونى، والفساد الذى دبّ فى أوصال " فتح" بعد أن ودّعت البندقية، فكانت "حماس" أداة لشق الصف الفلسطينى، وبرهنة على أن " الاخوان" حتى لو وصلوا للسلطة عن طريق صناديق الانتخاب فإنهم لن يكونوا ديمقراطيين- رغم استخدامهم الديمقراطية- بل سرعان ما ينكشف وجههم الفاشى.
يدرك الأخوان أن ما يقولونه عن الديمقراطية أو الشورى ليس الإ للإستهلاك المحلّى، وتزجية للوقت. فهم غير مستعدين للمساءلة أمام البرلمان، لأنهم يرون أنهم الحق، وأنهم يريدون قيام الخلافة الإسلامية. وقد جاءت فى كلمة" محمد مأمون الهضيبى" فى 1/4/2003 أن الاخوان جاءوا فى وقت كانت تمر فيه البلاد بأحداث جسام وانكسارات عظيمة تمثلت فى سقوط الخلافة الاسلامية.. ( يتباكى على الخلافة، ويريد اعادتها فأين ذلك من الديمقراطية؟)..ويقول أيضاً: " فالمسلمون هم أصحاب الحقّ. فهم أولى الناس أن ينشروا حقهم من خلال وسائل الاعلام"- هذا جاء على موقع الاخوان بالانترنت.
فإذا كانوا هم أصحاب الحقّ.. وغيرهم ليسوا كذلك، فهل يمكن ان يستمروا فى الديمقراطية التى ترى أن الحقيقة نسبية، وأن الحقّ هو مع الشعب، ولا وجود لفئة أيا كانت تملك الحقيقة وحدها.
وهم لا يستطيعون ممارسة الديمقراطية، وشتان بين الشورى، وبين الديمقراطية، ولعل النظام المتبع فى تنظيم الأخوان، والجهاز العسكرى أكبر دليل على أن كلامهم عن الديمقراطية مجرد أوهام. كما أن الاخوان فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم يتركوا وسيلة إلا واستخدموها ( الرشاوى، البلطجة.. وغيرها ) مما يستخدمها الحزب الوطنى.
وإذا كان قد وصل إلى مقاعد المجلس 88 عضواً ( ثمانية وثمانون عضواً )، فأين الاستجوابات التى قدّموها وتهمّ جموع الشعب، وتؤثر فى السياسة العامة للدولة. وفى الدورات السابقة قدموا استجوبات هزيلة، وضد حرية التعبير، مثل لوحة على مجلة ابداع، الوقوف ضد حرية التعبير فى ( رواية وليمة لأعشاب البحر ) بل وقادوا المظاهرات ضد حرية التعبير فى الأدب.. فتاريخهم مضاد لآمال الشعب، ومضاد للحاضر والمستقبل.
وإذا كانوا حقاً يسيطرون على الشارع من بعد 1977 فلماذا لم نر مظاهرة واحدة مثل مظاهرات يناير 1977 التى كانت تهمّ الشعب المصرى كله. وكانت قيادتها من اليسار والناصريين، ووقف الأصوليون ضدها. لقد تضاعفت الأسعار، واستشرى الفساد فماذا فعلوا ؟!
إنهم غير مؤهلين لسماع الآخر، ولأى حكم ديمقراطى، فهم يرون أنهم غير مسئولين أمام الشعب، إنهم فقط مسئولون أمام الله، وهذا لن يكون فى الوقت الحاضر.
وبالتالى فهم يستغلون الظرف الحالى لزيادة الأنصار، وتربيتهم على الطاعة العمياء بأسلوب يكرّس الانقياد والخضوع.
وعندما يكون الظرف مواتياً فإن هؤلاء الانصار سوف يكونون وقوداً للوصول إلى السلطة، وتكون الطاعة العمياء قد عمت الجميع، إما بغسيل المخ، أو القهر. هنا يمكنهم أن يحكموا لأن أحداً لن يحاسبهم.
أما ما قدمه الإخوان كمسودة لبرنامجهم، فهو لا يصلح إلا برنامجا لجماعة منغلقة على نفسها وسرّية فهى- أى الجماعة- لا تؤمن بحرية الاعتقاد، كما أنها ضد الأبداع، والطريف أن يقول نائب المرشد بأنهم سوف يضعون شروطاً للإبداع، أى أن من لا يفهم ينظر لمن يبدع، ويصبح رقيباً عليه. أى أن الإبداع- الذى يجب أن يكون حرّاً من كل قيد- لالن يكون موجوداً، وسوف نعود إلى ظلامية العصور الوسطى، ومحاكم التفتيش مرة أخرى.
أما أن يكون الحزب مدنيا، وبمرجعية اسلامية، فكيف؟
الحزب يكون حزبا سياسياً له برنامج، وينضم إليه الناس إذا وجدوا هذا البرنامج يحقق آمالهم، والبرنامج يضم جوانب متعددة سياسية واجتماعية واقتصادية ولائحة تنظيمية وهكذا يكون من الممكن مع تغير الزمن والأوضاع الاجتماعية أن يتم تطوير الحزب فكيف يتم ذلك بمرجعية الاسلامية؟
كما أن الحزب يجب ألا يضم مواد عنصرية أو عرقية أو ما شابه ذلك، وهو يسمح بدخول جميع الناس إليه ماداموا يلتزمون ببرنامجهم.. فكيف يدخل مسيحى حزباً مرجعيته اسلامية؟
وهذا الحزب سوف يتمخض عن نظام مرجعيته اسلامية فكيف يكون ذلك مع حق المواطن وحرية الاعتقاد؟!
ان ما يحدث الآن من ازدهار للأصولية ليس إلا ردّة، وظاهرة رجعية تعبر عن مرض أصيل أصاب الرأسمالية التى ما زالت تحتفظ بالعلاقات الإقطاعية، والأشكال البدائية، وتستقبل فكرا متخلفاً من مجتمع صحرواى- يعيش فى القرن الحادى والعشرين، ويحتفظ بالنظم العشائرية، والعلاقات الرعوية البدائية. إن أى محاولة تقوم بها الأصولية ( خاصة الاخوان ) للاندماج فى العصر الحديث هى محاولة يائسة لا معنى لها، وليست إلا نفاقاً للجماهير، وتلفيقاً مؤقتا، سوف تكفّ عنه عندما تصل للسلطة، وتفرض الخضوع والطاعة وفقاً لمبدأ الحاكمية.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة
بكلية الآداب. جامعة سوهاج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي دور قد تلعبه المعارضة العلمانية في سوريا بعد الإطاحة بالأ


.. تقوم على الطائفية والدولة الأمنية.. ملامح سياسيات حافظ الأسد




.. موازين | المسلمون في الهند.. أي مستقبل؟


.. ساعة حوار من دمشق | أسباب ظهور الطائفية في سوريا بعهد الأسد




.. موفد العربية طاهر بركة: الشرع يؤكد طلب إيران حماية سفارتها و