الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كريم منصور

سعدون محسن ضمد

2007 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صباح الخميس الماضي نشرت صحيفة عراقية خبراً (غير صحيح) عن موت الفنان العراقي الكبير (كريم منصور). وبين الساعة التي فاجأني فيها الخبر وتلك التي اكتشفت فيها عدم صحته، مررت بتجربة أعتقد بأنها مفصلية في حياتي. فمع ان زمن التجربة لم يتجاوز الساعات الثلاث، لكنها كانت تجربة مريعة حقاً. والصدمة التي تعرضت لها جاءت من اعتقادي بأنني اشتركت بإهمال كريم منصور إلى أن مات، فمع أنني أعتبر انه فنان من طراز مختلف، ومع انني أدين لفنه بالكثير، ومع ان صوته الرائع وأداءه الحزين يفجران عندي الارتباط بالارض والاحساس بالانسان. غير أنني ترددت بل فشلت بالكتابة عنه عندما سمعت بمرضه العضال.
المشكلة ان خبر موته أشعرني بالإهانة لأن سبب عدم كتابتي عنه متعلق بخلفيتي الدينية. ومكمن الإهانة انني أعرف بأن الدين لا يمكن له أن يتقاطع مع الفن، فدموعي التي نزلت ساخنة عند سماع الخبر لم يمنعها الدين، وحزني الذي منعني لساعات عن ممارسة عملي لم يمنعه الدين، بل ان رحلة (تديني) لم تتقاطع ولا مرة واحدة مع حبي لكريم منصور؟ أنا أسمع أغاني كريم منذ صباي، وكاسيتات أغانيه بقيت مخفيّة بين كتبي وأوراقي خلال أهم مراحل حياتي. صوت هذا الفنان علمني ما لم يعلمني إياه الكثير من حكماء الأرض بمختلف مسمياتهم وانتماءاتهم، وربما هو الذي علَّمني معنى أن الإنسان هو الثابت وكل ما عداه متحرك.
السؤال الذي أحرجني لحظة تلقي الخبر (الكاذب) هو: هل أن عدم كتابتي عن كريم، يجعلني مشترك بالمؤامرة المخزية التي تحاك ضد الفن داخل مجتمعي أو عقيدتي؟ أنا أعرف منذ البداية بأن أبعاد هذه المؤامرة لا يمكن أن تكون دينية. حقا ًالدين لا يتقاطع مع الغناء، لأن الغناء حكمة ولحكمته أهمية لا توازيها أهمية أخرى، ذلك انها الحكمة الوحيدة التي لا تنقلب ضد الإنسان. لا يمكن للأغنية أن تكون سبباً في الموت والدمار. بالتالي لا يمكن للمغني أن يتسبب بالدمار، أما الحكمة.. أما الحكماء. فكثير ما تسببوا بالدمار والخراب والموت والذبح، صحيح أن الحكماء لا يتحملون مسؤولية سوء الفهم الذي يتعرضون له. لكنهم يبقون سبباً غير مباشر ببعض الشر الذي تعرض ويتعرض له الإنسان.
أية حكمة تلك التي تسعى بكل جهدها لتكميم فم الفنان، أية حكمة تلك التي تصم آذانها عن صوت حزين مثل صوت كريم منصور. أية حكمة تلك التي تسمي الفن بأسماء الجريمة، وتحاكم المغني كما يحاكم المجرم.
الآن عرفت لماذا أردد دائماً المقطع الأول من قصيدة أحمد عبد الحسين (أرباب جمشيد) ذلك الذي يقول:

"الحقيقةُ أنهم أنزلوه إلى حفرته وهو يتمتمُ: ما طبكم.. ما دواؤكم؟
الحقيقةُ أن أخته تركتْ ربيعها وراء ماكنةِ الخياطةِ وتبعثرتْ أمامَ المرآة تشدُّ حجابها
الحقيقةُ أن أخاه يثمرُ لصْقَ الحائطِ ويكشفُ في الظلّ عن معتقداته"

نعم أنا أردد ذلك لأنني أمضيت كل حياتي أكشف في الظل عن إيماني بالغناء، والحكمة التي دعتني لتنقذني من النفاق أوقعتني بأشد أنواعه قساوة... لكن كيف حدث ذلك؟
هناك بالتأكيد من سيقول بأن الغناء كثيراً ما يستخدم بشكل (سيئ)، لكن الدين هو الاخر يستخدم بشكل سيئ، فهل يعني ذلك بأن علينا أن نـحرم الدين؟
بعد الآن لن أسمع الغناء الذي أحترمه بالخفاء كما كنت أفعل في السابق، وعلى من يتقاطع معه أن يغير من أقواله أو يتحمل تبعات كفري به.. لأنني لن أكفر بالغناء بعد الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية