الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين يلتقيان: هيفاء وهبي و عمرو خالد .(1)

ابراهيم تيروز

2007 / 12 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يعني الديالكتيك شيئا بالنسبة لي سوى حركة الفكر الحرة مدا وجزرا،مع القضية وضدها، فصلا و وصلا،لا لشيء إلا لكشف الانقطاعات و الصلات ولم لا التمفصلات. الديالكتيك كما أتصوره هو صيرورة الفكر الحرة وهو ينحو إلى كشف التناقضات التي تسكن ما بات من أوضح البديهيات، أو وهو ينحو الى الكشف عن الصلات التي تربط ما أضحى من أوضح المتعارضات، و ما ينشده الديالكتيك هو الإمساك بناصية الواقع قصد التمكن من تفاعل فعال وناجع معه.
ليس الهدف هنا الوقوف عند علمين من أعلام المشهد الإعلامي العربي اليوم و إنما القصد هو اعتبارهما قطبا ظاهرتين محوريتين ضمن المشهد الاعلامي، يتعامل معهما المتلقي من منظور التباعد و التعارض، بل يجسدان بوضوح الانفصام (ازدواجية الهوية) الذي يسكن مشهدنا الاعلامي و فضاءنا الأيديولوجي و لم لا و اقعنا الاجتماعي والمعاش. و بالأحرى لسنا هنا لتعرية و نقد شخصيات إعلامية وأيديولوجية بعينها و إنما ننشد أولويا كشف الصلات الوثقى والتكامل الحاصل بين ما يجسدانه متباعدين و متعارضين حسبما يظهر.
فكيف يمكن أن يخدم فيديو كليب هيفاء وهبي الأهداف عينها والمفاعيل الاجتماعية نفسها التي تخدمها بشكل ما خطب عمرو خالد؟
لاشك ان السؤال هنا اخذ شكله الصادم ،لذ ا سأعود وللمرة الأخيرة الى القول بأن الأمر يتعلق بتشريح هذا الفصام الاعلامي و الاجتماعي على اعتبار أن النجمين السابقين علامتين دالتين على ظاهرتين متشعبتين وأكثر من أن تختزلا في شخصين.
لننطلق من موجة الفيديو كليب الكاسحة وما باتت تعرفه من ذيوع بات يشد الأنظار لما يلقاه من اهتمام واسع خاصة لدى الفئات الفتية من أطفال و مراهقين و شباب، وهي الفئات التي لازالت في طور النمو النفسي والعضوي، الشيء الذي يشي و يستلزم في الآن نفسه طرح اكثر من سؤال. فلماذا عرف الذوق العربي هذا التغير السريع؟ ولماذا هذا الاكتساح المهول للمضمون المادي و الشكلي مقابل المضمون المتسامي والرمزي؟لماذا فقدت الأغنية بريقها؟لماذا أصبح المضمون المرتكز على الإيحاءات الجنسية أكثر طغيانا من المضمون المرتكز على الالتزام حتى و إن تعلق الأمر بالحب ؟
إن النجاح اليوم في ميدان الأغنية بات يقتضي الاعتماد على أحدت التقنيات السمعية و البصرية من هندسة الصوتي و صناعته ، ومن توليف في غاية و البلاغة للصورة.الأمر يستلزم الاستعانة بأحدث التجهيزات و أعتد التقنيات و الفنيين وغير خاف ما يتطلبه ذلك من امكانات مادية جعلت الأغنية رهينة لدى دور الانتاج و هذه الأخيرة مرهونة بخدمة أمهات الشركات و خدمة الترويج الاشهاري. وهكذا تحول الفيديو كليب إلى وصلة اشهارية غير مباشرة ( سيارات –حلي- أزياء- أثات...) الهدف الأول و الأخير منه هو إحداث نوع من الاقتران الشرطي و اللاشعوري بين السلعة كمثير شرطي و الجسد كمثير طبيعي.
لكن ماذا عن الداعية ؟ أليس ضد أي تلميح خلاعي و إباحي ؟ إن المتأمل لأول وهلة في خطب الداعية لا يسعه إلا أن يقول أنه ضد هذا الإظهار المباشر و المقصود لمفاتن الجسد في الفيديو كليب و ذلك لما قد يؤدي اليه من تحريض على العلاقات الجنسية غير الشرعية. ان خطاب الداعية هو الآخر عرف تطورا نوعيا .فبعد أن كانت خطب الدعوة "متشددة" صارت أكثر انفتاحا على عالم الشباب و صار الداعية ليس ذلك الذي لا يتخلى عن لحيته الكثة و ردائه الافغاني ، بل هو الآخر اخذ يتوسل ما به يضمن نجاعة التواصل و التجاوب مع المتلقي . و ان كان لا يستعمل معطيات الجسد فهو الآخر يعتمد على الإثارة الانفعالية الوجدانية،بالاستعانة بعذوبة الصوت و ملامح الوجه و بلاغة الكلمات الرنانة و الحكايا المؤثرة في الوجدان. ومن حيث المضمون أصبح الداعية يقتصر على القضايا الإيمانية الكبرى أو المشكلات السلوكية و الاجتماعية و بشكل محدود . لكن ما ضرورة حضور الداعية إذا كان الاعلام مرهونا بخدمة أمهات الشركات و التي لا يهمها شيء أكثر من الترويج الاشهاري؟ يكمن الجواب في القول بأن الداعية يلعب دور الحارس على تلبية رغبات الجسد بشكل مباشر،ودون الدخول في دوامة الاستهلاك ،فدور الداعية يتمثل في كبح الاندفاعات الجنسية المباشرة و التلقائية ليصبح التعويض عن تلبيتها بالانخراط في متاهة الاستهلاك ضروريا.ومن كان غير مالك للامكانات التي تؤهله لهذا الانخراط فلعله يجد لدى الداعية العزاء المناسب.
هكذا تلعب نجمة الفيديو الفاتنة دورا يجد اكتماله في دور الدعوة الدينية المعصرنة إذ تعمل الأولى على استغلال الاندفاعات الغريزية فينا لجعل اقتناء البضاعة الاستهلاكية لصيقا و مقترنا بالضرورة بإشباع رغبات الجسد في حين يعمل الداعية على حذف هذه الأخيرة من القائمة الممكن و المسموح به ، خاصة و أن عقلنة الاستهلاك لازالت تراوح لديه الخطو بين طرفي ثنائية التقتير و التبذير .لاشك أننا في ما أوردناه أعلاه تعاملنا بكثير من الاختزال مع ظاهرة الفيديو كليب و خطبة الداعية غير أن قصدنا كان التركيز على خيوط الاتصال لهذا أهملنا ما قد يبدو شاردا عن هذا الاتصال .و على سبيل المثال محاضرة لها علاقة بموضوع الاستهلاك القاها أحد الدعاة لكن حضورها الاعلامي لايقبل المقارنة مع الأنموذج الذي الذي أ وردناه أعلاه.
من جهة أخرى قد يوحي ما أسلفناه ضد أو مع خانة من الخانتين أعلاه أو في خانة ثالثة هي ما يشبه ما دعا إليه وليام رايخ في كتابه الثورة الجنسية . أنني أنأى بنفسي عن هذه الخانات جميعا و أنخرط في الدعوة إلى عقلنة الاستهلاك و عقلنة الجنس، أو بالأحرى أدعو الى الفصل بينهما فيما يشبه الفصل بين الدين و الدولة دون أن يتماهى معه..

1_العنوان مجازي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟