الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعلم فى مراحل التعليم المختلفة بين الأمس واليوم

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 12 / 18
التربية والتعليم والبحث العلمي


رغم تطور المناهج الدراسية فى المراحل المختلفة فى الآونة الأخيرة وحرص المسئولين على مواكبة العصر فى العلوم والتكنولوجيا والدراسات الإنسانية إلا أن مستوى الطلاب اليوم لم يرتفع وقدرتهم على الفهم والتحصيل لم تنمو بقدر كاف لاستيعاب هذا التطور الحاصل فى شتى المجالات. لا ننكر أن طلاب اليوم ليسوا كطلاب الأمس ولكن الأهم هو أن معلم اليوم فى مراحل التعليم المختلفة لم يعد مثل معلم الأمس حيث كانت هذه المهنة تمثل رسالة يؤديها المعلم نحو المجتمع وحيث كان المعلم يدرك أنه يمثل قدوة لتلاميذه وطلابه، قدوة فى القناعة ومساعدة الآخرين والصدق مع النفس والتضحية بها.

كان معلم الأمس فى جميع مراحل التعليم يؤمن بأهمية الرسالة التى يؤديها نحو تلاميذه وطلابه ولم يكن يكتفى بإلقاء الدروس وشرحها ثم يذهب إلى حال سبيله، إذ كان يولى اهتماما خاصا بهم ويحثهم على التفوق ويتتبع خطواتهم داخل وخارج المدرسة ويأخذ بأيديهم للتغلب على العثرات والعقبات التى تواجههم ولا يلتفت إلى القروش القليلة التى تختبئ فى جيوبهم. أتذكر عندما كنا صغارا نلعب الكرة المصنوعة من قطعة القماش ويلوح فى الأفق خيال أى من أساتذتنا فى المدرسة الابتدائية نختفى فورا عن الأنظار. لقد كان الأستاذ محتفظا بكرامته ولم يكن جل همه وغايته جمع الأموال. لقد كان الأستاذ يشترى من حر ماله مجموعة أقلام وكراسات ليعطيها للطلاب المتفوقين تشجيعا لهم على المنافسة ومواصلة الاجتهاد. وكان الأستاذ مثل مكتشفى المواهب يتنبأ بمستقبل باهر للمجدين من الطلاب ولا يتردد فى مد يد العون لمن يحتاج المساعدة. أذكر أن أحد أساتذتى (صلاح مرسى) فى المرحلة الابتدائية سألنى ذات مرة عن المادة التى أجد صعوبة فى فهمها فقلت له: الحساب، فأعطانى دروس إضافية فى هذه المادة ورفض أن يتقاضى أى أجر. ومازلت أذكر أستاذ اللغة الانجليزية محمد نور فى مدرسة محمد صلاح الدين الباقر الثانوية بمركز نصر النوبة الذى أعاقه ضيق الوقت عن شرح كتاب القواعد ففوجئنا به يحث طلاب الفصل على التواجد بعد صلاة العصر لشرح الكتاب دون اجر أو مقابل. ويمكن قول إن أستاذ الجامعة بالأمس القريب لم يكن ليتردد لحظة واحدة فى تقديم المساعدة لطلابه. أتذكر عندما كنت طالبا جامعيا فى السبعينيات أن ذهبت إلى أستاذنا أمير كامل فى كلية الآداب بقنا لأشكو له عدم توفر الكتب الأجنبية فى مكتبات المدينة فإذا بهذا الأستاذ الجليل يصر على إحضارها لى من القاهرة. واذكر أستاذا آخر هو الدكتور أحمد المختار الذى توجه إليه أحد الطلاب ليحصل على الكتاب مجانا فتبين أن الكتاب لم يعد متوفرا ففوجئنا بالأستاذ يخرج من جيبه مبلغا من المال ويقدمها للطالب حتى يتمكن من تصوير الكتاب. أليس هؤلاء هم الأجدر بالإشادة والأكثر استحقاقا للتقدير وعرفان الجميل؟

إن هذه الصفات وغيرها من كريم الخصال وحميد السجايا باتت غريبة فى مؤسساتنا وهيئاتنا التعليمية وذلك لانشغال معلمينا ومدرسينا بهمومهم الخاصة. من المعروف أن هناك مجموعة من المدرسين تسعى لامتهان مهن أخرى بعد انتهاء اليوم الدراسى فمنهم من يعمل فى السباكة أو أعمال الطلاء أو قيادة سيارات الأجرة. والجدير بالذكر أن معظم معلمى اليوم صاروا يجوبون القرى والنجوع مترددين على منازل الطلاب لإلقاء الدروس الخصوصية. وأعتقد أن هؤلاء المعلمين مضطرون لتحقيق دخل يضمن لهم حياة كريمة إذ لم يعد المرتب كافيا لتغطية احتياجاتهم. ولكن ما يدعو إلى الأسف هو أن جلهم قد يتبنى اتجاه الدروس الخاصة طريقا لتحقيق الثراء السريع. لقد ابتدعوا أفكارا جديدة لزيادة الدخل واستنزاف أولياء الأمور ومنها تصوير بعض الأوراق وبيعها فى كل لقاء. وحتى أساتذة الجامعة باتوا مشغولين بأمور أخرى تتعلق بتحقيق الأرباح سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة. لقد أشترى أحدهم قطعة ارض من أحد المواطنين بسعر زهيد وعقد النية على التربح من بيعها. واستطاع بدهائه المعهود أن يستغل سذاجة وطيبة هذا المواطن الذى أراد بيع قطعة مماثلة ليقنعه بأن بيع القطعتين معا سوف يحقق ربحا أكبر واتفق معه على ثمن الأرض وبادر المواطن بأن حرر له توكيلا خاصا لبيع القطعة. ولم يكذب الأستاذ خبرا إذ هم بلقاء المشترين واستلم منهم ثمن قطعتى الأرض ولما عاود المواطن الاتصال به قال له بأن الأرض بيعت بالثمن المتفق عليه ولما استبدت به الهواجس أضطر المواطن إلى مقابلة المشترين ليسألهم عن الثمن المدفوع فتبين أنهم دفعوا للمربى الفاضل ثمنا يفوق بكثير المبلغ الذى ذكره الأستاذ. ولما قابله المواطن ليتقاضى منه ثمن قطعته لم يسلمه سوى جزء قليل وطالبه بالانتظار بضعة شهور. من المؤكد أن مثل هذه الممارسات ساهمت وتساهم فى انخفاض أسهم المعلم والأستاذ فى نظر الطلاب والمجتمع.

اعتقد أن ضيق ذات اليد أدى إلى امتهان معلمى وأساتذة اليوم مهن أخرى مثل السباكة والنقاشة. أما ظاهرة اختفاء القيم والمثل والرغبة فى جمع الأموال فقد أدت إلى انتشار الدروس الخصوصية وسمسرة الآراضى والتربح بالطرق غير المشروعة دون وضع أى اعتبار للمكانة والقدوة والرسالة التى تمثلها هذه المهنة الجليلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سنوات من القطيعة.. اجتماع سوري تركي مرتقب في بغداد| #غرف


.. إيران تهدد بتدمير إسرائيل.. وتل أبيب تتوعد طهران بسلاح -يوم




.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط