الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل الديك !

عمار السواد

2007 / 12 / 21
المجتمع المدني


دفعتني حكاية دفع مبلغ "مليون وربع المليون دينار" كفصل على موت ديك بحادث سيارة بعد "مفاوضات عشائرية" حركتها مخاوف ذوي "قاتل الديك" على ابنهم دفعتني الى التفكير مليا بمستقبل المجتمع العراقي في ظل هيمنة قيم تبرير وجودها الوحيد هو الماضي. هذه الحكاية ليست من الماضي البعيد انها جزء من الحاضر ومكانها ليس ريف العراق بل عاصمته.. عندما عرفت بالقصة وبدأت اذني تسمع تفصيلاتها وجدت خيالي يعود الى حرب البسوس كما صورها المسلسل التاريخي السوري الذي تحدث عن هذه الحرب، وهاجت الصورة في ذهني وكأني اعاصر جساسا وكليباً وناقة البسوس وهياج قبيلتي بكر وتغلب.
اذن اين التطور الثقافي الواجب حصوله بفعل الفاصل التاريخي والزمني الكبير بين حقبة صحراوية جافة الملامح وذات قيم قبلية ومرحلة بشرية تنتمي الى حقبة الدولة بمعناها الحديث؟ وهل نحن افضل حضاريا من جماعة يفترض ان يكون هناك الف سبب وسبب يلزم بتجاوزها ثقافيا وحضاريا؟
الفاصل الزمني بين الجماعات البشرية لا يعني بالضرورة تطورا حضاريا. ما يقوم به الزمن بالتحديد هو جعل الاشياء قديمة، وهنا يبدأ العقل البشري باكتشاف الطريقة المناسبة التي يتعاطى وفقها مع تلك الاشياء القديمة، كل بحسبه. فهناك جانبان يتحكمان بعملية التغيير وفق استحقاقات الزمن؛ التقادم الذي يعطي الاشياء قيمتها او يقلل من تلك القيمة، والجانب الاخر هو العقل البشري الذي يكتشف تلك التأثيرات السلبية او الايجابية للتقادم على الشيء او الفكرة او القيم، ويكتشف ايضا الطريقة اللازمة للتعامل مع ما اصبح قديما زمنيا. لكن اغلب الامور مهما هرمت لن تزول او تتبدل ما دام الانسان متمسكا بها، وحتى وان فقدت فاعليتها وقدرتها على الاستمرار فان الانسان، اذا لم يقتنع بضرورة التخلي عنها، سيصر على بقائها ولا يتنبه الى مخاطر استمرارها، وستكون دائما حاضرة امامه.
لذلك هناك حاجة لادراك قيمة اللحظة وادراك ما تفقده الامور من نجاعة بفعل الزمن كي يكون التغيير تطورا وليس انتكاسة، لان الاصرار على توظيف ما يفقد قدرته الوظيفية بفعل الزمن يؤدي الى نتائج عكسية. خصوصا وانا لا نتحدث عن امور مادية او ذات طابع فيزيائي بل عن قيم وافكار وثقافات وعادات وتقاليد وواجبات ومحرمات. فقد يكون التبدل في المادة اكثر وضوحا والعقل اقدر على ادراكه من القضايا التي لها علاقة بالقيم والثقافة والبنى الحضارية الواجب اخضاعها للتفكير.
وللأسف ان ادراك هرم القيم وتقادمها وفقدانها للفعالية السليمة يفتقر في بيئتنا العراقية بل وعموم البيئة العقلية في المشرق المتدين والقبلي الى تطور مستمر والى قابلية على التعاطي مع المتغيرات بمرونة كافية. وأي ترد او خلل في القيم او هرم فيها لا يمكن ادراكه الا بتطور الوعي وهذا التطور يستدعي وجود تطور في البنية العقلية، وتطور العقل لا يمكن ان يتم الا بوجود عمل انتاجي دؤوب للقيمة والفكرة وتواصل وانفتاح مستمرين على التطورات الثقافية والعقلية في العالم.
ولكن كيف يحصل هذا اذا كانت المنظومة الثقافية المنتجة للوعي ثابتة ويحرم اخضاعها للنقد والاصلاح او التغيير. واذا كانت المرجعية هي بنية دينية او ثقافية او سياسية او قبلية ثابتة فان الاجدى هو تفكيك واع لهذه البنية لانه لايمكن التطور باستمرارها مادام التطور مشروطاً بمجتمع مرجعيته الثقافية مرنة هوذا المأزق العراقي والعربي والاسلامي، فالعقلية التي صنعت حرب داحس والغبراء وحرب البسوس والتي صنعت وأد البنات وحرمانهن من الميراث... هي نفسها التي تطلب مبلغا كبيرا لموت حيوان داجن صغير وهي نفسها التي تفرز ما يعرف اليوم بـ"جرائم الشرف" وهي نفسها التي تحرك الغريزة والاندفاعة الجمعية غير المدروسة باتجاهات الكراهة والبغضاء المستمرة في مجتمعنا...
ورغم ان الدين سعى الى الاطاحة بتلك التفصيلات الا انه اكتفى بتغيير جوانب من العقلية المنتجة لها دون ايجاد تغيير شامل في تلك العقلية، بل اوجد عقلية ومنظومة وعي ثابتة لا تتطور الا في حدود خطوطه الحمراء.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط