الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدكو ..مدينة الماء والرمال(1)

انتصار عبد المنعم

2007 / 12 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إدكو
مدينة تقع شمال مصر ، على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، غارقة منذ الأزل في الماء والرمال. مابين ماء المتوسط شمالا وماء البحيرة المسماة باسمها جنوبا ، محاطة بكثبان رملية ناعمة تكسوها الخضرة في الشتاء فتبدو كجزر عائمة في حضن البحر.
في طريقك للمدينة قادما من الإسكندرية التي لا تبعد عنها أكثر من نصف ساعة في سيارة عادية ، ستمر على نقطة إلتقاء مياه البحر المالحة بمياه البحيرة العذبة ، دون أن يمتزجا ، متجاوران بحميمية مدهشة معجزة، وبهما تتجاور أسماك البحر وأسماك البحيرة .
عندما تصل ، ستكون في انتظارك رائحة السمك الطازج الذي يرقص فرحا بين أيادي الصيادين ، ينتظر منك نظرة، ينادي عليك الصياد ، يغريك بمنظر السمك البلطي الورقي والحساني والخنيني الذي يخفيه في جردل معدني ويغطيه بأعشاب البحيرة الخضراء، ويجذبك الآخر يغريك بسمك البحر الذي يلمع بلونه الفضي على طاولات خشبية، بائع أم الخلول الذي يقف على باب مجلس المدينة ، ينادي حلوة يا أم الخلول، تتعجب من هذا الكائن البحري الذي لا يزيد حجمه عن عقلة إبهامك، ولا تدري أنك بقليل من الملح والليمون ستحيله إلى أكلة شهية، ولا تتوقع أن يأتي لك أحدهم بحساء أبيض أوأحمر اللون وتكون أم الخلول هذه مصدره .
ربما يسرح بك فكرك في كيفية استخلاص أم الخلول تلك من البحر ، بأي حال من الأحوال لن تستطيع تخيل ما يجري ، فهناك على البحر ، صياد ادكاوي ، معه شبكة ضيقة الثقوب ، مثبتة بقوائم خشبية مثلثة الشكل ، لها يد خشبية بمثابة عصا التحكم في شبكته ، على ظهره أكياس رمل تثبته في البحر فلا يلتهمه الموج ، يجرف البحر بشبكته ، ينخله ، تخرج الرمال وتبقى أم الخلول ، يعود إلى الشاطئ ، ويتخلص من أكياس الرمال بالتدريج في رحلة عودته إلى شاطئ البحر، وعلى الرمال يجلس ليفرزها ويصنفها حسب الحجم ، والنوع ، فمنها البلدي الشهي ، والإنجليزي بلونه الأحمر الداخلي .
مازلت على المحطة أي في مدخل المدينة ، على يمينك محطة القطارات ، أعبرها ، هنا سترى كيف يصنع هذا القارب الصغير العجيب ، ذو الشكل الإنسيابي الطويل كقوارب فينيسيا العائمة ، ستراه ينساب في مياه البحيرة وعليه صياد وحيد ، أو برفقة ابنه الصغير، يدفع المركب بمدرة خشبية ( عصا خشبية غليظة)، يمسك بشبكته ثم يلقيها عاليا لتأخذ شكل غيمة دائرية ، قبل أن تهوى على سطح البحيرة تأسر أسماك البلطي والطوبار ، وتتعجب عندما ترى الصياد يخرج من الماء ( الجوبية ) وهي شرك معدني يشبه الشبك في تقاطعات خيوطه المعدنية ، قريبة من المخروط تتسع في قاعدتها وتضيق في أعلاها ، يضعها الصياد في البحيرة ويتركها ليعود إليها في اليوم التالي ليجد الأسماك حبيسة فيها .
وتشاهد صيادا آخر يخلع ملابسه وينزل في الماء ويغوص ، لا يبدو منه شيئ ، يتخفى بين نباتات البوص والبردي ، ثم تفاجأ به وقد أمسك بطيور الشتاء المهاجرة القادمة تبحث عن دفء الشرق ، تراه قيد طيور الغر والبلبول والشرشير , من أرجلها الملونة الزاهية ، وأمسكها بين يديه يتيه بغنيمته ، ثم يقف على أطراف المدينة يلوح بها لزائري المدينة أو عابريها ، مغريا إياهم ليبتاعوا منه كنزه الملون .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من