الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدكو ..مدينة الماء والرمال(2)

انتصار عبد المنعم

2007 / 12 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تفرغ من تجوالك على أطراف المدينة وتدخل لتذوب بين أمواج البشر بلونهم المختلط ، أبيض مشوب بحمرة الحملة الفرنسية ، أو أبيض محروق بأشعة الشمس وملح البحر والبحيرة، العيون بلون سعف النخيل ، أو عسل النحل ، أو بلون رطب البلح ، أسود كليل أطراف المدينة البعيدة عن زحف البناء ، محاصر أنت بنخيل البلح ، البلح تلون باللون الأحمر والأصفر والأسود ، سيتحول على أيدي النسوة إلى عجوة ومشوي يتم تخزينة لأيام الشتاء ، يصنعون منه حساءا ساخنا يدفئ صباحات الرجال في رحلات حجهم اليومية للبحر والبحيرة .
تصادفك أكوام جريد النخل تنتظر على جدران المنازل ، لا تتعجب ، فبعد قليل سيأتي ( القفاصون) من رشيد المجاورة ليحيلوا أكوام الجريد تلك إلى أقفاص استعدادا لموسم جني البلح ، ولن يكتفوا بأقفاص البلح ، بل بمهارة فائقة يصنعون أقفاصا أكبر ومستطيلة الشكل لنقل الطيور إلى الأسواق ، ليس هذا فقط ، بل يصنعون من الجريد كراسي وطاولات جميلة بديعة، لا تنسى أن تنظر لسعف النخيل ، هذا الورق المدبب الطويل الذي ينزعه القفاصون من الجريد قبل البدء في عملهم، فهو في أيدي النسوة ورجال العائلة الكبار في السن سيتحول في سهرة عائلية إلى أوعية من نوع خاص يطلقون عليها القفف والأسبتة وغيرها ، هنا الحياة تقوم على النخيل الباسق في غابات متناثرة ومجتمعة ، وعلى الماء الذي يحضن المدينة .

أمام بيوت الصيادين ، تشاهد الشبك وقد امتد بين وتدين ، والصياد أو إبنه أو زوجه أو الجميع معا ، منهمكون في إزالة ما علق بها من حشائش البحيرة ، ويعيدون ترتيب الأثقال المعدنية المتشابكة على أطراف الشبك، وعند الإنتهاء يعيدون تجميعها بحب ، كثوب عروس استعدادا لصباح اليوم التالي.

بيوت المدينة رحبة ، تحيط بها حدائق مختلفة المساحة ، ولكنها تشترك في أشجار النخيل والليمون والجوافة التي تتطاول لتظلل الرائح والغادي، وتحت هذه الأشجار تجد الخضروات الورقية السارحة في الرمل الناعم الأصفر .

لن تشعر بالغربة ، ستجد جلسات العائلة والجيران على أبواب المنازل ، سيعرفون أنك زائر ، لن تسمع غير كلمة ( تفضل إجلس معنا ) وكوب الشاي المغلي بين يديك وطبق البلح الأحمر يغريك ، والجميع يعرض عليك إيصالك للمنزل الذي تقصده ، فالكل هنا عائلات والعلاقات متشابكة .

هذه كانت ادكو ـ مدينتي ـ قبل هجرتي منها أو هجرها لي ـ قبل غزو الفضائيات وقبل اكتشاف الغاز الطبيعي وقبل مواسم الهجرة الغير شرعية.

ذهبت حميمية اللقاء وبقيت أم الخلول وغابات النخيل تشهد على زمن عاش فيه الأجداد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى