الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتفاضة الحي 1956 .... ذاكرة تتجدد

عبدالحسين الساعدي

2007 / 12 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان للعدوان الثلاثي على مصر في أواسط كانون الأول من عام ستة وخمسين وتسعمائة وألف ، والأنذار السوفيتي الشهير للمعتدين أثرهما البالغ في تأجيج مشاعر الغضب والأستياء ضد هذا العدوان الغاشم ، والشعور بالتضامن والمناصرة والمؤازرة مع الشقيقة مصر العربية التي كانت تعد على رأس حركة التحرر الوطني العربية آنذاك ، وبات هذا الشعور واجباً وآلتزاماً أخلاقياً وقومياً لدى الكثير من الشعوب في البلدان العربية ، لا سيما العراق البلد الذي عرف عنه بغيرته وإلتصاقه مع أشقاءه في البلدان العربية ، وموقف قواه الوطنية والقومية التقدمية تجاه حركات التحرر الوطني العربي والعالمي .
لقد كانت الظروف التي يمر بها العراقيون تتسم بحدة التناقضات الطبقية ، حيث النظام الملكي شبه الأقطاعي المرتبط بالمصالح البريطانية الأستعمارية ، و وجود طبقة الأقطاعيين التي عانى الفلاحون ظلمهم وآستغلالهم المُهين هذه الطبقة المسحوقة ، فضلاً عن الأستغلال البشع للعمال من قبل أصحاب المعامل والرساميل الكبيرة ، والفقر الذي كانت تعانيه الجماهير نتيجة إهمال الدولة ، وآنغمارها في فلك السياسة البريطانية ، والدخول في الأحلاف العسكرية المشبوهة ، الى جانب قمع القوى الوطنية والقومية التقدمية ، ومصادرة الحريات وتعطيل الحياة السياسية ، ومحاربة الصحافة وإغلاق الكثير منها ، فكانت الحياة تمور بروح الإحتجاج الوطني لا سيما بعد أنتفاضة آل أزيرج وأنتفاضة قلعة دزة وأنتفاضة فلاحي الشامية .
لذا فقد وجدت الجماهير الغاضبة والساخطة على الأوضاع في الإضرابات والإحتجاجات متسعاً رحباً للممارسة النضالية والتضامنية وللتعبير عن غضبها على الحكام الطواغيت ، فضلاًعن سخطها على القوى الإمبريالية والآستعمارية في أثناء العدوان الثلاثي على مصر في قناة السويس .
أخذ أبناء مدينة الحي في لواء الكوت حالهم حال أبناء بقية المدن العراقية بل وحتى العربية بالتظاهر يومياً حتى أصبحت المدينة شبه ساقطة بيد الجماهير فقامت الأجهزة الحكومية بتجهيز القوى السيارة التي بدأت تقترب من المدينة الثائرة ، إلا إنها أصدمت بالجماهير التي أقامت المتاريس والمعرقلات ، وتسلحت بالأسلحة النارية البسيطة والمِديّ والسيوف والعِصِيِّ والحجارة ، وتخندقت خلف المتاريس وفوق المباني العالية ، وهو ما آضطَرَّ الحكومة على محاصرة المدينة واللجوء الى أُسلوب التفاوض ، وطالبت الأهالي بتسليم أربعين شخصاً من الناشطين في قيادة الآنتفاضة ، وعلى رأسهم
( علي الشيخ حمود ) و ( عطا مهدي الدباس ) إلا إن أهالي المدينة رفضوا الرضوخ لهذه المطالب وأتخذوا قرار المواجهة والمقاومة .
بعد أن رفضت قيادة المقاومة والأهالي ، والتي ضمَّت الطيف الذي يتكون منه سكان المدينة من العرب والكورد تسليم أبنائها البررة الى قوات السلطة ، وبالتالي أتخاذهم قرار المقاومة والتصدي للقوى المهاجمة ، قررت الحكومة شن هجومها على المدينة في الساعة الحادية عشرة صباحاً ولتدخل في معركة غير متكافئة مع الأهالي من ثلاثة محاور ، بعد إن دكت المدينة بالمدفعية ، وعندها علمت الجماهير المتوثبة ببدء الهجوم آنطلقت التظاهرات الصاخبة من إعدادية الحي لتعلن بداية المواجهة ، فتصدت لها قوات الشرطة الموجودة في مركز الشرطة المقابل للإعدادية ، وأنطلقت تظاهرات أخرى مخترقة المدينة بأتجاه دائرة البريد ثم السوق وساحة (الصفا ) ، فكان هناك الشهيد ( علي الشيخ حمود ) الذي كان يخطب بالجماهير ويحثُّهم على الصمود والمواجهة ، ويرفع من معنويات المنتفضين ، كما أتخذت الجماهير من السطوح العالية ومئذنة الجامع الكبير في المدينة مواقع للتصدي للقوات المهاجمة ، وأخذت تتراشق مع قوات الشرطة بالأسلحة الخفيفة وقنابل المولوتوف والحجارة ، سقط خلال ذلك شهداء من المقاومين أمثال الشهيد
( كاظم الصائغ ) والشهيدة ( ركية شويلية ) التي كانت تقدم الخدمات للمنتفضين ، والشهيد ( حميد فرحان الهنول ) ، كما جُرح العديد منهم ، هذا وقد آستمرت المقاومة حتى غروب الشمس بعد أن كابدت القوات الحكومية خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات .
إستمرت التظاهرات والمواجهة المسلحة ستة أيام تمت السيطرة بعدها على المدينة من قبل القوات الحكومية المُدججة والمجهزة بأحدث الأسلحة ، وأخذت هذه القوات بمطاردة المشاركين في الأنتفاضة وآعتقالهم ، وفي اليوم السادس للمواجهة المسلحة ألقي َ القبض على العنصرين القياديين ( علي الشيخ حمود ) و( عطا مهدي الدباس ) ، وأقتيدا الى لواء الكوت حيث تم الحكم عليهما في محكمة صورية سريعة غير قانونية بالشنق حتى الموت ، وذلك في اليوم العاشر من الشهر الأول في عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين ، ونفذ حكم الأعدام في ساحة (الصفا) وسط المدينة حيث كانت الجماهير تتظاهر وتتجمع إبان أيام الإنتفاضة ، أعتلى الشهيدان أعواد المشانق وهما يهتفان بحياة الشعب وبالموت للعملاء الخونة ، وبالنصرة لشعب مصر ولبور سعيد الصامدة ، ولم يغب عن بال الشهيد ( علي الشيخ حمود ) أن يوصي زوجته الحامل أن تسمي المولود إن كان ذكراً بأسم ( عطا ) تخليداً لرفيق دربه الذي لم يكن متزوجاً لكي تبقى ذكراه خالدة ، وأخذت الجماهير تهتف بحياة الشهيدين البطلين وهي تردد قصيدة شاعر العرب الجواهري الكبير التي كانت أشبه بنبوءة بصعود الشهيدين الى المشانق ذوداً عن القيم الوطنية النبيلة ، والتي يقول فيها

يابنت رسطاليس قصي نستمع

عــن عاشقيك أقارباً وأبـاعـدا

عن واهبين حياتهم ، ما أستُّعبدوا

للشاكرين ، ولم يذمــوا الجاحدا

والصاعدين الى المشانق مثلما

أرتقت النسور الى السماء صواعدا

ومحرقين يغازلون وقودها

شوقاً إليك ويحمدون الواقــدا

والمسَّملات عيونهم ، وكأنهم

بطيوف شخصك يكحلون مراودا

لقد خلد العراقيون وأبناء مدينة الحي ذكرى أبنائهم البررة ، وأخذوا يرددون أسماءهم ويتغنون ببطولاتهم في أشعارهم وحتى في مجالسهم الدينية ، كما سمى الأشقاء المصريون مدينة الحيِّ بـ ( بورسعيد العراق ) تثميناً لدورها القومي المشهود .
المجد والخلود لشهداء إنتفاضة الحي 1956الباسلة
الخزي والعار للخونة القتلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا