الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعاكس بين منطق العلم و منطق الخرافة

سعدون محسن ضمد

2007 / 12 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-1-
دعاني صديق لي لمشاهدة شجرة (معجزة) ادعى انها تنزف دماً. وعندما وصلنا الى الشجرة وانشغلت انا بفحص السائل (النازف)، اخرج صديقي منديله وبلله به. وبعد ان غادرنا المكان حاولت عبثاً ان اثبت له ان الدم اكثر من كونه سائلا احمر، وبالاضافة لاحمراره فهو لزج يحتوي على كريات دم بيض وحمر ويحتوي على ما يسمى بـ(البلازما)، اما هذا الذي يخرج من شقوق الشجرة فقد يكون ماء احمر او نفطا احمر او بنزينا احمر..الخ. غير ان صديقي اصر على انه يؤمن بدموية السائل مع قطع النظر عن كل تفصيل يشككه بالموضوع. وانه بالنتيجة يصدق تماماً بان منديله (المُحْمَر) سيمنحه البركة.
-2-
في كل يوم وخلال مروري على ساحة الطيران في الباب الشرقي امرّ على رجل كبير في السن يفترش الارض ويعرض مجموعة من الاحجار الكريمة او ما يسمى بالـ(خرز). هذا الرجل يبيع الاحجار باعتبار انها جالبة للحظ والبركة والرزق والحب... الخ. وهناك الكثير من الزبائن الذين يشترون منه هذه الاحجار، وبالتاكيد لا احد منهم يفكر لماذا يبقى بائع هذه الـ(خرز) بلا (حظ اوبركة اورزق او حب).
-3-
للخرافة باب واحد تدخل منه. ذلك هو باب الادراك. ولا يكون الادراك باباً للخرافات الا عندما تكون منظومته معاقة.. لكن كيف يمكن لمنظومة الادراك ان تكون كذلك؟
يصر شتراوس على ان الانسان الذي يعيش في المجتمعات ما قبل الكتابية ليس بدائياً بالمعنى المتعارف عليه عندنا، وهو انتج الخرافات والاساطير فقط لانه يختلف عنا بطريقة ربطه بين السبب والنتيجة، فخلال عملية الربط بين الحوادث واسبابها من اجل تفسيرها او فهمها او السيطرة عليها. نقوم نـحن بتسمية الاسباب الاكثر واقعية منه، وهنا يكمن الفرق. اي في الوقت الذي نستخدم فيه نـحن المسدس او الخنجر او السم في قتل العدو، يفزع هو لصناعة دمية على شكل ذلك العدو ثم ينهال عليها طعناً او حرقاً او تمزيقاً. فاذا مات العدو بعد تمزق الدمية كان بها، والا اعتبر ان الدمية لم تكن مصنوعة وفق الضوابط او ان الروح التي يجب ان تساعده غير راضية او يتخيل ان سحراً معارضاً افشل عمله السحري.. وهكذا، اذن الانسان البدائي ينطلق من الحكم المسبق باتجاه الواقع المحكوم عليه. وعلى هذا الواقع ان يقبل مقاسات الحكم المسبق، او يتعرض للتكذيب. بالنسبة للعقل البدائي الحكم ثابت والواقع متحرك. وعندما اثبتُّ لزميلي بان الفرق بين السائل الاحمر والدم شاسع، لم يتخل عن حكمه المسبق بان السائل دم مقدس، بل عن الاثباتات التي عرضتها له. وهذا بالضبط ما يفعله زبون بائع الخرز، فهو يتجاهل حال هذا البائع الذي هو نتيجة واقعية للايمان بجدوى الخرز. ويحتفظ بايمانه (المسبق) بها. لكن هل يجب ان يعني كلامنا بان كل العقول التي تعمل بالاستناد للاحكام المسبقة هي عقول بدائية؟ وما سعة المساحة التي تتحكم بها الاحكام المسبقة من موروثنا المعرفي وسلوكنا الاجتماعي؟
تصنيف شتراوس لم يفتح عيوننا فقط على الحقيقة المخيفة التي تقول باننا محاطون بالبدائيين من كل جانب. بل ايضاً فتحها على ما يثير الضحك بهؤلاء البدائيين مما يخص طفيليتهم على العلم، فهم يحكمون بعدم وجود العلم على الرغم من استخدامهم لنتائجه (التكنولوجية) بشكل مستمر. بالنسبة لهؤلاء العلم غير حقيقي، لان الخرافة حقيقية، يؤمنون بالخرافة ويستخدمون الموبايل والانترنت والستلايت. ولا يجدون في الموضوع ما يثير السخرية.
-4-
ليس للخرافة منطق يتجاوز ايمانها باللامنطق. والعقل الذي يؤمن بان مجموعة من الحروف مكتوبة على ورقة وملفوفة بشكل (بهلواني) يمكن لها ان تشفي من التدرن (مثلاً) هو عقل لا منطقي بامتياز، اذ لا علاقة منطقية بين الحروف وبكتريا التدرن، وبحسب هذا العقل يمكن لنا ان نصدق باي حكم، كأن نعتبر بان المفخخات تكثر كلما كثر شراؤنا للخس في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، وعليه نكف عن مطاردة الارهابيين وننشر عناصر المخابرات في الاسواق صباحاً لتفتيش اكياس النسوة بحثاً عن الخس. طبعاً مثل هذا السلوك سيثير السخرية، والسؤال المهم هو: لماذا يثير السخرية، الجواب ببساطة لانه سلوك لا منطقي. حسناً، اذا كان السلوك غير المنضبط للمنطق مثير للسخرية فيجب علينا ان نقبل باننا بدائيون لهذه الدرجة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع