الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر

بشار السبيعي

2008 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت جالساً البارحة مساءً أمام التلفاز لأشاهد أخر الأخبار المسائية تُبَثُ مباشرة من إستديوهات المحطة الأمريكية المشهورة ن ب سي (NBC)، ليلفت إنتباهي خبر جعلني أكثر إيماناً بقدرة الشعب الأمريكي على تحمل النكبات الإنسانية التي تهز كيان هذا البلد من فترة إلى إخرى وتعود لتصنع إيماناً جديداً عند الشعب الأمريكي في فكرة الوطن الأمريكي والمواطنة. كان أخر خبر في نشرة الأخبار المسائية ولكن ثقل المحتوى و المضمون جعلني بلاشعور أتحسرعلى كل من يظن أن الولايات المتحدة في إنهيار أخلاقي و حضاري وإقتصادي وأن عصرها قد فات وولى.

عنوان التقرير الإخباري كان "Living Monument " أو "نصب تذكاري حياتي" . تحدث التقرير عن إستخدام أكثر من 24 طون من الحديد الذي جُمعَ من حُطامِ مركز التجارة العالمية في نيويورك بعد مأساة الحادي عشر من إيلول لِيُصْهَرَ من جديد في ولاية لويزيانا الجنوبية لإستخدامه في إعادة بناء الأسطول الحربي للقوات البحرية الأمريكة وتحديداً تجديد بناء السفينة الحربية USS New York التي سيتم تدشينها في غضون الأشهر القادمة. إنتصب الشعر في ظهري وكاد الدمع أن يغرق جفني طوال مدة التقرير التي لم تزيد عن بضع دقائق، عندما سمعت كلام العاملين في المشروع. فقد قال أحدهم "عندما نأتي إلى هنا للعمل، تمتلكنا المشاعر لأننا ندري أن هذا الحديد الذي نعمل به لبناء هذه السفينة قد تلوث بدماء إخواننا وأخواتنا الأبرياء"....وقال أخر " هذا العمل هو بمثابة رسالة للعالم، فنحن اليوم نكتب للعالم لنقول له أن أمريكا لن تخضع لقوى الشر والإرهاب ولن يستطيع أحد من أن يمنعنا من العودة". السفينة نفسها كانت قد أُستعملت لعدة أشهر بعد إعصار "كاترينا" عام 2005 لإسكان العمال والمشردين من منازلهم من ماسببه ذلك الإعصار من أضرار بشرية و مادية لمدينة نيوأورليانز في نفس الولاية.

جلست غارقاً في أفكاري وصدى كلمات العمال تجوب في ذهني. إنتابني شعور بالأسف والحزن في نفس الوقت. أسف على وطني الأم سوريا وبلاد العرب أجمعها، و حزناً على أرواح الأبرياء الذي يسقطون يومياً في العراق وفلسطين ولبنان نتيجة الفكر الظلامي والرجعي الذي لايزال ينبت في شوارع عواصم وأقطار البلدان العربية. كيف أصبحت البلدان العربية فريسة الغوغائين والديكتاتورية؟ كيف يمكن أن نزرع روح الوطنية والتفاني عند المواطن العربي؟ كيف نستطيع أن نعزز روح التفادي والحب للوطن في أنفسنا لنصنع المعجزات في بلادنا؟ كيف نتخلص من أنانيتنا لنوقظ روح التضحية الوطنية في قلوب شبابنا؟... أسئلة كثيرة وضعتني في غيبوبة من الأسى وجعلتني في حالة من الإنحباط الفكري والمعنوي لامثيل لها.

حدثني صديق عمل أمريكي كان من رفاقي لفترة الغذاء اليومية خلال عملي في إحدى الشركات الأمريكية مجيباً على سؤالي، كيف أستطاعت الولايات المتحدة أن تفوز في الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء ضد النازية والإمبراطورية اليابانية أنذاك مع العلم أن اليابان كانت قد إتخذت من المقاتلين الإنتحاريين "الكاماكازي" وسيلة أنهكت الأسطول الحربي الأمريكي وألحقت به خسائر فادحة؟!.. جاوبني صديقي الذي كان قد فقد والده في الحرب نفسها عندما كان طفلاً و بدون أي تردد أو تفكير، فقال لي: "لقد إستطعنا أن نفوزعليهم في سباق التصنيع. فإنني أذكر أنه لم يبق ربة منزل أو مواطن لم يجد عملاً في مصانع المعدات الحربية بكل أشكالها وأنواعها. فقد كنا نصنع السفن والطائرات والدبابات الحربية أسرع من أي قطر في العالم وأسرع من اليابانيين والألمانيين أنفسهم. فكانت كل طائرة حربية تسقط لنا كنا ننتج ثلاثة أو أربع منها في نفس اليوم وكذلك الأسلحة والمدافع و السفن والدبابات، حتى أتى وقت القنبلة الذرية التي كانت القشة التي أنهكت ظهر الجمل."

العمل الدؤوب والشريف هم من صفات حضارة إرتقت في أهدافها وتعالت في إنسانيتها. الحياة أصبحت من مقدساتها والعلم والمعرفة أصبحوا محرابها. كرامة المواطن مربط خيلها وحماية الضعفاء والمظلومين من شيمها. العدل والقضاء أسسها والخير والعطاء من صفاتها.

يدور الجدل في دوائر الحلقات الفكرية والنظرية في الوطن العربي عن أسباب إنحطاط ذلك الوطن وعدم إستطاعته في تخطي العواقب والمحن التي تعرقل مساره في مسيرة الحضارة والتمدن. ونسمع ألاف الأراء و النقد والتنظير السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي والأيديولوجي الذي ينهك عقول عباقرة العالم عن السبب الرئيسي الذي يقف في طريق التقدم والإزدهار الحضاري للعالم العربي. والجواب يكمن أمام أعيننا في تجربة العالم المتحضر الغربي الذي أصبح اليوم في طليعة العلم والمعرفة وأعطى ومازال يعطي العالم مزيداً من الأمثلة التي إن إعتبرنا بها لكانت فائدة على شعوبنا وأبناء أوطاننا. فمالذي نفعله في صدد ذلك؟

تسعة عشر فرداً من أبناء الوطن العربي، حملوا معهم أفكاراً ومعتقدات ناتجة عن حضارتهم ومجتمعاتهم المريضة، أَمنٌوا أنهم بعملهم الإنتحاري سيسقطوا حضارة الإثم والعدوان وسيذهبوا بعدها لجنات خالقهم معززيين ومكرمين. لم يعرفوا أن ماشربوه من الحقد والكراهية سيعود عليهم وعلى أمثالهم مرة أخرى متمثلاً بسفينة حربية جديدة، حديدها أتى من حطام مافعلته أيديهم وماأنتجه كرههم ليكون شعلة الفكر والحرية، وليشعل النور في تلك الزوايا من أوطانهم المنتجة لهم، ليُذِهِبَ ظلام أفكارهم الرجعية ويودي بها في مزبلة التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah