الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغايات الامريكية من خطف عبد الله اوجلان

درويش محمى

2008 / 1 / 4
القضية الكردية


" تلقيت مكالمة هاتفية متأخرة ايقظتني من النوم, ليخبروني ان اوجلان في قبضتهم.وقالوا لنا تفضلوا خذوه. واتساءل لم سلمونا اياه ? " .
الكلمات اعلاه, تعود لرئيس الوزراء التركي السابق بولند اجاويد, قالها على الملأ, بعد مرور عامين تقريباً على اختطاف عبد الله اوجلان واعتقاله في فبراير العام 1999 وبعد ان تعرضت حكومته التي كان يقودها في ذلك الحين, لضغوطات شديدة من الغرب الاوربي, لحملها على الكف في السير باجراءات تنفيذ حكم الاعدام, بحق زعيم حزب العمال الكردستاني التركي المعتقل .
يبدو من حديث السيد اجاويد, وكأن الرجل كان ممتعضاً جداً من عملية خطف اوجلان, العدو الاول للدولة التركية "كما هو معلن", حقيقة امتعاض اجاويد من عدمه تجاه عملية خطف اوجلان التي لا تزال تفاصيلها غامضة وغير معلنة, امر يصعب التأكد من صحته, ليس بسبب كون بولند اجاويد كان يتميز بأقصى درجات الانتهازية والوصولية السياسية واللامصداقية, بل لاعتزاله الابدي لعالم السياسة والحياة معاً, ورحيله الى العالم الاخر منذ اكثر من عام تقريباً, لكن الصمت المطبق للصحافة التركية الحرة والسكوت المريب والغريب للساسة الترك والعسكر التركي والاستخبارات التركية, على تصريحات اجاويد الخطيرة بشأن عملية خطف اوجلان, تؤكد وتثبت صحة كلام الرجل, ولو لمرة واحدة .
بقليل من التمعن في كلمات بولند اجاويد, التي تحمل في طياتها الكثير, يصل المرء الى حقائق في غاية الاهمية, فهي تؤكد ان بولند اجاويد لم يكن على معرفة مسبقة بعملية الاختطاف الخطيرة, كذلك الحال بالنسبة للحكومة التركية التي كان يقودها, وحتى جهاز الاستخبارات التركي "ميت" لم يكن له دخل لا من قريب او بعيد بالعملية, فتصريحات اجاويد المتكررة والصريحة بشأن اختطاف اوجلان, وضعت حداً للعنجهية التركية, سواء الصحفية منها او السياسية, حيث توقف الجميع فجأة عن التبجح والغرور والادعاء بوقوف تركيا العظيمة وراء العملية الاستخباراتية الفريدة من نوعها .
اختطاف اوجلان بايد غير تركية, حقيقة لم يؤكدها رئيس الحكومة التركية بولند اجاويد وحسب, بل اكدها المخطوف نفسه, حيث سرب عبد الله اوجلان لاتباعه ان الخاطفين "كانوا رجال شقر بعضلات مفتولة", والعمال الكردستاني كذلك, اكد تلك الحقيقة بتصريح صريح جاء فيه " المخابرات الاميركية وليست الاسرائيلية من خطف اوجلان وسلمته لتركيا", ولهذا فانه اصبح بحكم المؤكد, ان عملية اختطاف اوجلان برمتها من تخطيط وتنفيذ, تمت خارج اطار الارادة والرغبة والفعل التركي, وهنا تكثر التساؤلات حول عملية اختطاف السيد اوجلان, فما دوافع الخاطف "الاميركي" للاقدام على عملية خطيرة من هذا النوع ? وما هو سر عدم استشارة الحكومة التركية صاحبة الشأن ? وماذا عن لغز امتعاض اجاويد من عملية خطف اوجلان ?
الطبيعة العقائدية لحزب العمال الكردستاني, وتورطه في عمليات عنف راح ضحيتها عدد من المدنيين الكرد منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي, وقيامه بعمليات " اغتيال سياسي" طالت العديد من اعضائه المنشقين على الزعيم اوجلان, في قلب المدن والعواصم الغربية الديمقراطية,, كلها اسباب من الممكن على اساسها تصنيف العمال الكردستاني في خانة الحركات المتطرفة, لكنها لم تكن مطلقاً الدافع الحقيقي وراء اقدام الولايات المتحدة بعملية خطف اوجلان وتسليمه للحليفة تركيا, هذه الحقيقة لاشك انها أرقت رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد, ودفعته لان يتساءل علناً, عن الغاية او بالاحرى الغايات الاميركية من وراء عملية خطف اوجلان وتسليمه لتركيا .
الدور الاميركي في عملية ادراج حزب العمال الكردستاني على لائحة المنظمات الارهابية الدولية, من الممكن تفهمه واعتباره جزء من افرازات العلاقة الحميمية "الكلاسيكية" بين الطرفين الاميركي والتركي, لكن من المستبعد كلياً, لابل هو محض سذاجة, اعتبار الدور الاميركي في عملية خطف اوجلان, خدمة اميركية مجانية للصديقة تركيا, عضوة حلف الناتو, فمتى كانت الولايات المتحدة تقوم بعرض خدماتها "لوجه الله" في بازار سياساتها الخارجية, اذا لابد ان يكون لمدبري عملية خطف اوجلان في اروقة مكاتب ال¯ CIA وفي مطابخ القرار الاميركي في البيت الابيض, اسبابهم الخاصة وغير المعلنة, تلك الاسباب ربما احس بها اجاويد, لكنه لم يتجرء بالافصاح عنها واكتفى بالتساؤل فقط, وربما الرجل رغم باعه الطويل في عالم السياسة لم يدرك حينها ماكان يرتب من سياسات جديدية لمنطقتنا في اروقة البيت الابيض, على كل حال, ما كان يدعوا الى الحيرة والتساؤل في زمن اجاويد, لطزاجة الحدث وربما لتعقيداته, من الممكن اليوم وبعد مرور عدة اعوام حبلى بالاحداث والتطورات, فهم الدوافع الاميركية الحقيقية وراء عملية خطف السيد اوجلان وتسليمه لتركيا .
اعتقال عبد الله اوجلان صاحب النفوذ المطلق على اتباعه, كان من المتوقع ¯ اميركياً ¯ ان يؤدي الى القضاء على حزبه, او على الاقل اضعافه بشكل كبير, فبغياب قائد من وزن اوجلان صاحب القبضة الحديدية والمسيطر على كل صغيرة وكبيرة, كانت الانشقاقات ستصيب حزب العمال الكردستاني التركي في الصميم, وربما كانت ستؤدي الى اختفائه كلياً, ولو تحقق ذلك, كانت تركيا بالتالي ستفقد مبررات عدائها المفرط للطموحات المشروعة لكرد العراق, حلفاء اميركا في عراق المستقبل وشركائها في مشروع العراق الجديد .
تجنب مشكلة مستقبلية قادمة لامحالة بين تركيا والولايات المتحدة, والتي كان من المتوقع ان تنفجر بعد دخول القوات الاميركية الى العراق العام 2003 , بسبب الدعم الاميركي السخي والعادل لكرد العراق وفدراليتهم, كان الهدف الرئيسي ¯ اميركياً ¯ لعملية خطف اوجلان, لكن هذا الهدف لم يتحقق, لان التواصل بين عبد الله اوجلان من خلف جدران سجنه المحصن في عرض البحر وبين اتباعه ومؤيديه, لم ينقطع وبقي قائماً, عن طريق محاميي الدفاع, وبموافقة تركية ضمنية, لذلك حافظ حزب العمال الكردستاني على وحدته ودوره القديم, وكالعادة استمر في تلقي توجيهاته من الزعيم الاعلى عبد الله اوجلان, لكن هذا لا يعني ان الخاطفين لم تكن لديهم اجندة واهداف جانبية اخرى, لكنها جميعاً كانت ترتبط بشكل او اخر بالحدث الاكبر الذي وقع في ابريل عام 2003 ودخول قوات التحالف الى العراق, احد اهم تلك الاهداف على سبيل المثال لا الحصر, خلق ظروف ملائمة تساعد في الحصول على موافقة الحكومة التركية بمرور القوات الاميركية عبر اراضيها, وتحقيق مثل هذا الهدف كان يتطلب اظهار اقصى درجة ممكنة من التعاضد والتحالف الاميركي ضد الطموحات الكردية في تركيا, وبالطبع افضل واسرع وسيلة الى العقل والقلب التركي كان اختطاف عبد الله اوجلان, لكن هذا الهدف باء بالفشل كغيره, بوجود الغالبية الاسلامية في مقاعد البرلمان التركي, والتي اقرت فيما بعد, بعدم الموافقة على الطلب والمشروع الاميركي .
الولايات المتحدة الاميركية وعلى عكس ما ذهب اليه البعض, يبدو انها كانت قد قررت غزو العراق قبل احداث 11 سبتمبر 2001 , وعلى الارجح ان الولايات المتحدة كانت قد فرغت من وضع اللمسات الاخيرة على مشروعها المسمى ب¯"العراق الجديد", عندما قررت خطف عبد الله اوجلان العام 1999 , فيبدو واضحاً ان الستراتيجية الاميركية كانت تهدف الى تقوية الحزبين الكرديين الحليفين في اقليم كردستان العراق, في الوقت الذي كانت تحاول فيه تجنب الخلاف مع الحليفة تركيا, ولسوء حظ حزب العمال الكردستاني وزعيمه الاوحد عبد الله اوجلان, اصبح هذا الاخير, كبش فداء لعملية تغير دراماتيكية غير متوقعة للسياسة الاميركية الجديدة حيال الشرق الاوسط الجديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06


.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في




.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل