الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارك الأهوار ( معركة الحَمَّارَة ) الحلقة الثالثة

عبدالحسين الساعدي

2008 / 1 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد كان لصعود الطغمة الصدامية الى دست الحكم فألاً سيئاً ومؤشراً خطراً ينذر بغدٍ مشؤوم ، فقد دشن هذا النظام أيامه الأولى بتصفية العناصر المشكوك بولائها للجناح المتطرف داخل صفوف حزب البعث المتمثل بصدام وبطانته ، والتي من الممكن أن تقف في طريقه لاحقاً ، ومن ثم واصل تصفيته القوى والأحزاب الوطنية والقومية التقدمية والدينية والشخصيات التي لها وزن أجتماعي مؤثر ، بعدها حاول تحويل النظر عن الصراع الداخلي الى صراع على الحدود ، بحجة التهديد الفارسي المزعوم وحسب زعمه ، فأدخل البلاد نتيجة حماقاته ونزعته التوسعية في حرب عبثية لا طائل من ورائها ، راح ضحيتها أكثر من مليون شخص ما بين قتيل وجريح ومعوق من أبناء البلد .
ونتيجة لذلك أتجه الشرفاء من أبناء هذا الوطن الجريح والمنكوب من قبل الحكام السادرين في غيهم وساديتهم إزاء شعبهم ، الى أمتشاق السلاح والتصدي الجريء لأسقاط حكم القرية .
لم يقتصر نضال المقاومة والمعارضة العراقية على شكل واحد من أشكال النضال والعمل المناهض للحكم الدكتاتوري ، بل تنوع من شكل ونمط الى آخر ، ففي كوردستان العراق حيث الجبال الوعرة والطبيعة القاسية كان المقاتلون من قوات ( البيشمركة ) البطلة يخوضون قتالاً عنيداً ضد القوات الحكومية المعززة بأحدث الأسلحة ، وبالرغم من عدم تكافؤ القوى ، في حين أتجه المجاهدون من الحركات الإسلامية الى أستخدام شكل آخر من أشكال النضال المسلح ، فأتخذوا من مناطق الجزيرة والأهوار في محافظات الجنوب منطلقاً لعملياتهم الجهادية ، مستفدين من الطبيعة القاسية والوعرة ، وقدرتهم على التعامل مع هذه الطبيعة ، وأستخدام التضاريس بشكل أمثل ، فضلاً عن تعاطف الأهالي في تلك المناطق ، ممن تضرر من سياسة هذا النظام الشمولي ، فدخل المجاهدون في معارك بطولية كانت الغلبة فيها للمجاهدين المؤمنين بعدالة قضيتهم ، وقد ضربوا من خلالها أمثلة رائعة في الصمود والتصدي للماكنة العسكرية الرهيبة .
لقد جرب النظام الصدامي حظه العاثر أكثر من مرة في الدخول بمعارك مع المجاهدين في الأهوار ، إلا أنه كان يخرج من جميع تلك المعارك خاسراً مدحوراً يجر أذيال الهزيمة المرة النكراء ، وما معركة ( هور الحَمَّارَة ) في اليوم العاشر من الشهر الحادي عشر من عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين ، إلا واحدة من تلك المعارك ، ففي هذه المنطقة البالغة مساحتها ( خمسة وسبعين كيلو متراً )، والتي تبعد عن قضاء ( المدَيّنَة ) بنحو سبعة عشر كيلو متراً والتابعة لمحافظة ( البصرة ) ، وحيث كانت تحيط بها قرى عشائر( المواجد / السريحات / العمايرة / الرميض / أم الشويج ) ، حاول النظام المولع بالحروب والمعزول عن الشعب ، أنزال قوة عسكرية مكونة من القوات الخاصة بقوة لواء ، كما كانت هناك كتائب من المدفعية موكل إليها دك المنطقة التي يوجد فيها المجاهدون ، والذين سيشكلون فيما بعد عبئاً عليه عند دخوله دولة الكويت التي كان يخطط لغزوها .
وما إن شرعت القوة المهاجمة بالدخول الى المنطقة إلاّ وسارع المجاهدون للتصدي للقوة المهاجمة ، وكانت القوات المدافعة تقدر بمائة وعشرين مجاهداً ، كان أغلبهم من تنظيمات ( حركة حزب الله في العراق ) ، وبعض من مجاهدي ( حزب الدعوة ) الموجودين في المنطقة نفسها ، وبعد معركة شرسة وبطولية أستمرت عدة أيام ، كانت النتيجة فيها آندحار الجيش وتكبيدة خسائر فادحة ، وقد أستولت المجاميع الجهادية على كميات كبيرة من المعدات والتجهيزات ، وكانت معارك جديرة بالدراسة والتحليل من قبل المؤسسات العلمية التعليمية فهي لا تقل شأناً عن شبيهاتها من معارك فيتنام أو غيرها .
على الرغم من قساوة الساعات والأيام التي مر بها المجاهدون وعوائلهم ، وما كانوا يعانونه من شحة المؤونة والتجهيزات العسكرية ، إلا أن كل واحد منهم أجترأ قصة بطولية تفوق الخيال بتفاصيلها ، وذلك من دافع الإحساس بعدالة القضية التي يقاتل من أجلها .
لم تكن القوة المهاجمة بقادرة على زعزعة ثقة المجاهدين ، بل كانت ردود الفعل التي خلفتها هذه القوة ، قد تجسدت بالصمود والتصدي للماكنة العسكرية التي كانت تجهل الى حد بعيد القتال في مناطق الأهوار ، والتي كانت ملعباً رحباً للصناديد من ( ولد الملحة ) ، الذين أمتحنت قلوبهم عند ألتحام الجمعين .
لقد كان السياق المتبع في العمليات القتالية يعتمد أسلوب المجموعات الصغيرة وعمليات الكر والفر ، ما أنزل خسائر جسيمة بالقوات النظامية ، وجنب القوة المدافعة الخسائر المحتلمة ، وكان المدافعون يبدلون أساليبهم القتالية بين الحين والآخر وتبعاً للموقف الميداني .
لقد سحب النظام قطعاته العسكرية بعد أن فشل في تحقيق أي نصر يذكر في هذه المنطقة ، بل على العكس من ذلك فقد عانى خسائر فادحة أثرت في معنويات جيشه من جهة ، أما من الجهة الأخرى فقد كانت هذه المعارك عاملاً في رفع معنويات المجاهدين وسبباً في حصولهم على الغنائم من المعدات والمؤونة ، كما كانت حافزاً للمجاميع الجهادية في أهوار العمارة والناصرية ومنطقة الجزيرة ، وكانت هذه المعركة بمنزلة صفعة على وجه النظام الكالح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف مباني في مخيم جباليا ومدي


.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة




.. لا معابر تعمل لتربط غزة مع الحياة.. ومأزق الجوع يحاصر السكان


.. فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل




.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية