الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين.. وممانعة التحديث في المجتمع

وليد الفضلي

2008 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا غنى لأي مجتمع عن عمليات التحديث وإزاحة الأفكار والنظم القديمة، التي باتت عاجزة عن الاستجابة لتطلعات الاجيال المتنامية واحتياجاتها، فلكل جيل وعي وإدراك مغاير للمرحلة المعاشة، وقراءة متباينة للقيم والمعايير والأفكار وأنساق سلوك الأفراد والجماعات، بالإضافة إلى وظائفهم وأدوارهم. كما لا تتوقف عمليات التحديث المرجوة عن استبدال الأنماط والوسائل الحضارية بأخرى جديدة، بل إنها تطاول مؤثر في الأنظمة الكبرى في المجتمع مثل النظام الاجتماعي، النظام السياسي، النظام الثقافي، والنظام الاقتصادي.

لا شك في أن سُنن التغيير ترتبط بالخلفية الثقافية والحضارية للمجتمعات، بالإضافة إلى عوامل أخرى مشاركة على نحو رئيس في عملية التحديث، ومنها على سبيل المثال : النسق الاجتماعي والسياسي اللذان يسيطران ويوجهان عملية التغيير والتحديث، والوضع الاقتصادي السائد، فعملية الممانعة تستمد قوتها من مجموعة عوامل مركبة ومتشابكة.

وما أحوجنا اليوم لقراءة العوامل والأسباب التي تعيق حركة التحديث في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.. وهل العطل الأساسي هو في المُـركّب الديني- الإسلامي؟ وهل هو المسؤول عن جذر ممانعة التحديث؟

احتوى النص الإسلامي على سلسلة من القيم الإنسانية النبيلة للفرد والمجتمع، والتي تشكل بمجموعها بيئة منتجة لعمليات التحديث، وفي الوقت ذاته تملك القدرة على التكيف مع الاستحقاقات المعاصرة والرهانات على صعيد الفرد والمجتمع. فلقد استخلف الله الإنسان في الأرض ليعمرها، وأعطاه سلطة ومسؤولية الخلق والبناء الحضاري، لتحديث وجوده الإنساني والاجتماعي من أجل الوصول إلى المطلق، على رغم علمه سبحانه وتعالى ، بل وعلم الملائكة المقربين، بأن هذا الخلق الجديد سوف يعمل على سفك الدماء وإحداث الفساد والفوضى في الأرض.(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة 30.

كما أعطت النصوص الإسلامية الإنسان حرية الاختيار والاعتقاد بقوله سبحانه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة (256) وقد قال صاحب الميزان “لا إكراه في الدين، نفى الدين الإجباري، لما أن الدين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية يجمعها أنها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه و الإجبار..”

وبينت تلك النصوص أن من طبيعة الإنسان والمجتمع التغير، والانتقال من طور إلى آخر، ومن ثم فإن مواكبة هذا التغيير - بعملية إحلال واستبدال بما يتناسب ومتطلبات كل طور من الأطوار- يعد سنة عقلائية، وهي مصداق قوله تعالى شأنه (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) - “سورة نوح 14-” وقد فسرها صاحب الميزان “ والحال أنه أنشأكم طورا بعد طور يستعقب طورا آخر، فأنشأ الواحد منكم ترابا ،ثم نطفة، ثم علقة ،ثم مضغة ،ثم جنينا، ثم طفلا ،ثم شابا ،ثم شيخا ،وأنشأ جمعكـم مختلفة الأفراد في الذكورة والأنوثة والألوان والهيئات والقوة والضعف إلى غير ذلك...” .

من جانب آخر، حث الخطاب القرآني في أكثر من موضع وموقف على قيم العقل والتعقل والعلم في المجتمع (أفلا تعقلون)، (أفلا تتفكرون)، (أفلا يتدبرون)، والتي تتضمن عملية بحث إنساني متجدد عن آليات ووسائل جديدة في سبيل تحقيق التقدم والنماء الثقافي والحضاري في المجتمع الإسلامي. بل إنه نبه وحارب الخرافات والتجديفات على انواعها التي تشكل عائقا امام عملية التحديث، كالتقليد الأعمى للأسلاف، والجمود على الموروث، كما أسهب النص القرآني في استعراض الكثير من سنن التاريخ الاجتماعي وقصص الأمم والشعوب وسيرتها في الصراع من أجل تغيير النظم.

وقد كُلف الأنبياء والرسل والمصلحون على مدى التاريخ الإنساني بدور إشعال فتيل عمليات التغيير والتحديث في المجتمعات، وإعادة بناء وصياغة منظومة القيم والأفكار لتتناسب والتحولات المتباينة. ولا أعتقد أن منظومة القيم النبيلة التي حملتها لنا النصوص الإسلامية كافية لوحدها لإجراء عمليات التغيير المنشود لواقعنا المعاصر، فمنظومة القيم تلك كفيلة بخلق المناخ المناسب للتغيير – من دون أن تقدم الحلول الجاهزة - وترسخ أهمية الوعي التغييري بين الأفراد، لتترك للإنسان والمجتمع حرية تشكيل وتجسيد المسارات تبعا لضرورات كل عصر ومتطلباته، ووفق تشريعات تحفظ نواميس الخلق.

ومن المؤسف أن الصورة التاريخية للخطاب الإسلامي والمتراكمة زمنياً لم تجسد حقيقة هذه القيم النبيلة، بل كانت رؤية ومفاهيم قاصرة عن استيعاب هذا الخطاب، ومن المؤسف أيضا أن هذا الفهم للأفكار وللقيم استبد في حضوره وتحول إلى قيم ثابتة بذاتها عصية على التغيير والتحول، بل معيقة ومانعة في كثير من الأحيان لحضور وتجسدالرؤى والأفهام الجديدة التي من المفترض أن تأخذ طريقها في مسار حركة المجتمع. وإن حاولت أن تعيد تشغيل ماكينة التغيير واستطرادا التحديث ،فإنها تنتج لنا تحديثاً صورياً خاوياً من اي بعد تطويري نوعي وكمي، بل هو تكرار للقديم الممجوج والمزخرف بعبارات التهديد والاتهام بالضلالة والمروق ويصل في بعض الأحيان حد تكفير العناصر الساعية إلى التحديث الحقيقي والمأمول.

كما لا يمكن أن ينبعث الخطاب التغييري من الفهم النرجسي والمتعالي على طبيعة حركة التاريخ بمسارها الخيطي الزمني والمُدعي امتلاكه الحقيقة المطلقة واليقينية النهائية، ما يؤدي إلى حبس الذات والأتباع خلف جدران الوهم، مختنقين بشعارات الماضي، وما كان عليه الأسلاف.

ختاماً، لا يمكن استبعاد المُـركّب الديني من عملية التحديث، فلا بد من أن نطور فهمنا لذاتنا الحضارية والمستمدة قوتها من منظومة القيم الإسلامية العظيمة، وننقيها من الشوائب والانحرافات والصور التاريخية التي شوهت جمال المشهد الأصلي وابعاده الغنية الاهداف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان