الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَأسسة الفعل الثقافي في الكويت

وليد الفضلي

2008 / 1 / 10
المجتمع المدني



يأتي الفعل الثقافي في صورته الأولية انعكاساً للحال الإبداعية الفردية للمبدع المولد لها ؛ فيبقى هذا الإبداع الفردي حاضراً بعدد سنوات عمر المبدع ومدى وفاء المؤمنين بها، وتنتشر بمقدار حضوره الاجتماعي وتفاعله مع الآخر وملامسته ليوميات المجتمع وهمومه، وفي الغالب ترحل إلى عالم النسيان برحيل منتجها إلى عالم الأموات، وبهذا يكون الفعل الثقافي خاضعاً - بشكل ما - لقوانين الذات المبدعة، ومرتهناً بها كشرط للانتشار والبقاء.

في حين تختلف (نظم الانتشار والبقاء) المحركة للفعل الثقافي بصيغتها الفردية عما إذا ارتبطت بمجموعة من المشتغلين عبر مَـأسسة الفعل الثقافي كمشروع إنمائي متراكم مشترك وتفاعلي بين العناصر المولدة له ( الدولة، المؤسسة، المثقف، المبدع، المجتمع) بقالب مؤسسي يحقق استدامة لدور المسألة الثقافية ووظيفتها، ليكون بذلك الفعل الثقافي مُعطى اجتماعياً خاضعاً للصيرورة التاريخية، ينزاح عند بروز فكرة أقدر على البقاء في منظومة قيم المجتمع.

كما تعد عملية الانتقال إلى طور العمل المؤسسي سمة حضارية، تتآلف فيها أفكار ورؤى المكونات الثقافية المتغايرة والمتعددة في قالب الموضوعية والشراكة المعرفية، مستفيدة من شتى القدرات الإنتاجية المُجتمعة في كيان المؤسسة، وتكون المؤسسة المختبر الأول لقياس واختبار فاعلية الأفكار، ومدى قدرتها على تفكيك منظومة الجمود (الثقافي، السياسي، الاجتماعي) المستهدفة، وفتح آفاق جديدة للتغيير، يكون فيها المبدعون أقل خشية على مصائر أفكارهم وهوياتهم، وأكثر قناعة بأن الأفكار ليست مصدراً لليقين القطعي، بل تخضع لرهانات الواقع وتحدياته، فلا وجود للأفكار الخارقة وإنما الأفكار الصانعة لإمكانية التغيير.

ومن أهم ميزات العمل المؤسسي تجاوزه للفكرة العفوية في العمل إلى التخطيط الطموح عبر استراتيجيات ومشروعات تسعى المؤسسة وأركانها إلى تثبيتها وتنفيذها على أرض الواقع، بينما يغلب على العمل الفردي العفوية والمزاجية والارتجال.

كما أن العمل المؤسسي يرسخ دعائم التخصص ويحترمها ويدفع بها بفعالياته كلها في فضاءاته، في حين لا تعني عملية مَـأسسة الفعل الثقافي الانفتاح الداخلي للثقافة على المتخصصين فقط، بل هي وسيلة إلى التواصل مع الجمهور، والانتشار في المجتمع عبر قنوات وأبنية معروفة.

وهذه الرؤية لأهمية مَـأسسة الفعل الثقافي لا تنفي عثرات ممارسة عمل المؤسسة الثقافية التي حاولنا أن نتعرف الى جزء من ملامحها الأولية في المقال السابق، كان مبتداها التعرف الى أعراض “شيخوخة المؤسسة” الثقافية الرسمية في الكويت المتكئة على ماضيها، والداخلة إلى دير العزلة والرهبنة الثقافية بعيداً عن المثقف وآماله، والمجتمع ومؤسساته، والدولة ومشروعها التنموي.

إلا إن لغة الشكوى والإدانة وتصفية الحسابات – بخلاف النقد الموضوعي - لا تخلق إلا أنهاراً من الحبر المسال على أوراق الصحف التي تستقر مساء في مخازن الأيام ومهملاتها، وعمليات إعادة تصنيع المجتزأ للمسألة الثقافية ما هي إلا استنساخ للعطل وتشويه جديد للمشهد الثقافي، فالخلل جزء مستقر في بنية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومنظومته الفكرية..وعليه يجب أن نتجاوزهنا مسالة الصراخ عامدين إلى تفكيك أنساق المؤسسة الثقافية الرسمية بهدف اعادة واستعادة بناء المشهد الثقافي، بالصورة التي خطّها المؤسسون لها وما تفرضه علينا تحديات الراهن محليا وعالميا.

إننا أحوج ما نكون إلى ابتكار صيغة تكون فيها المؤسسة ورشة عمل مفتوحة للعاملين في الحقل الثقافي من داخل المؤسسة وخارجها، أو مفهوم وشكل وسيط بين المؤسسة الرسمية والمؤسسة المدنية يُـؤمن حضور وانخراط أكبر قدر ممكن من المبدعين في التخطيط والخلق الثقافي.

كما أن العملية الإبداعية بطبيعتها عصيّة على التطويع الوظيفي الذي يريده مسؤولو المجلس والذي يفترض الحضور الصوري في المناسبات الكرنفالية، بالإضافة إلى أن المبدع الحقيقي ليس مجرد اسم في قائمة أرقام هواتف المسؤولين يستدعونه عبثاً متى ما أرادوه لينزلق إلى فخ المعالجات الانطباعية وليسقط من منصة الندوة إلى هامش النسيان، نتيجة عدم إدراكهم لقوانين إنتاج المثقف.

إن الثقافة الاستهلاكية هي احدى نتاجات حقبة العولمة الراهنة واقتصادات السوق، المتسلطة على جميع مؤسسات المجتمع، وبالتالي المؤسسة الثقافية التي مسّها الضُرر لا لتأثرها وتراجع (قيم الإنتاج المعرفي) فحسب، بل لسيطرة النسق الاستهلاكي على أشكال اشتغالها الثقافي بما أعاق مشروع التنمية الثقافية، وزاد من اتساع فجوة التواصل المعرفي بين المؤسسة والجمهور،لتكون الثقافة سلعة استهلاكية يَبرع الآخرون في إنتاجها وصياغة مفاهيمها وإشكالاتها، وتَبرع المؤسسة الثقافية الرسمية في اجترارها، دون ملامستها الجادة لتحديات الراهن المحلي وإنتاج خياراته، أو كشفها لآفاق وقنوات التغيير الخاصة بمجتمعنا، مما أفضى إلى إفراغ الثقافة من قيمتها المعرفية وبعدها التغييري، وتحويلها إلى كائن هلامي بلا مضمون معرفي، مكرساً علاقة التبعية المعرفية للآخر.

إن إعادة إحياء المؤسسة الثقافية يتطلب منا أن نُعمل الفكر باحثين عن خيارات ورؤى جديدة في مجموعة من القضايا منها: كيف يمكن خلق موازنة بين الخاص والعام في الأفق الثقافي؟ وكيف يمكن إحداث موازنة بين الثقافة الرسمية والثقافة الجماهيرية؟ وكيف يتم إدماج الفعل الثقافي في العملية التنموية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟ وما هي السبل لجعل الثقافة هوية وطنية؟!

* كاتب كويتي

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة استهــ ــداف دبـ ـابة إسرائيلية لخيام النازحين في منطقة


.. عشرات المستوطنين يعتدون على مقر -الأونروا- بالقدس وسط حماية




.. مراسل العربية: اعتقال ضباط أوكرانيين بتهمة محاولة اغتيال زيل


.. دفع غرامة وكفيل.. حياة المهاجرين تزداد صعوبة في مصر




.. المدير التنفيذي للوكالة الأمريكية للاجئين شون كارول: تم إغلا