الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاشوراء.. برسم كل المسلمين

وليد الفضلي

2008 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع إطلالة شهر محرم يستعر جرح من جراحات التاريخ الإنساني، حيث سقط جسد الحسين بن علي عليهما السلام على أرض كربلاء، فيجدد ذكراه المؤمنون في كل عام مستحضرين الأفكار والقيم السامية التي استشهد من أجلها. ولكن يلاحظ ان الجانب العاطفي يطغى على هذه المشاهد الاحتفالية، على أن المسيرة الحسينية لم يكن مبتغاها المأساة وإلهاب العاطفة والمشاعر بالدمع والبكاء الدرامي ومضاعفة مآتم الحزن، ولا يمكن اختزال حركة الإمام الحسين (ع) بتراجيديا الحدث التاريخي، بل هي من أجل مبدأ وقضية أوجزها بقوله “إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”.

كيف نقرأ عاشوراء اليوم؟ وهل التاريخ مُلك لفئة دون آخري؟ وهل نحن مسؤولون عن أخطاء التاريخ؟

إن مسيرة الحسين (ع) كانت ولا تزال إرثاً، تاريخياً، وحضارياً للإنسانية جمعاء تستلهم منها قيم التغيير والإصلاح، ومصدراً لفيض القيم الإسلامية لأتباع مدرسة السنة والجماعة،كما لأتباع مدرسة الاثني عشرية، فهي ليست مُـلكاً لطائفةً أو مذهباً بعينه، بل على الرغم من أن كليهما له قراءته الخاصة تجاه حركة التاريخ وفق منظومته الفكرية وخلفيته العقائدية، ولكنهما مشتركان في إيمانهما بعِظم هذه الشخصية، وفاعلية القيم النهضوية التي حملتها حركته التغييرية والإصلاحية في المجتمع الإسلامي،


وفي المقابل فساد الجهة المضادة لنهضته الإصلاحية. ومن جانب آخر استضاء بنور قيم النهضة الحسينية المستمدة من الإسلام أتباع الديانات الأخرى، الذين حاولوا أن يتعرفوا على تاريخ الدين الإسلامي بموضوعية وإنصاف.


غاندي في الحسين

ولازلت أتذكر مقولة المصلح الهندي غاندي في الإمام الشهيد:“على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين”، “تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر” ليكن اذن ذلك النداء الحسيني عامل اجتماع وعنصر التقاء لقوى الإصلاح والتغيير في المجتمع الإنساني.

ولا يمكننا أن نستفيد من انعكاسات الذكرى العاشورائية على واقعنا اليوم من دون تنقيتها من الزوائد والشوائب العالقة بها، والتي ترسبت، إما من أنفاس المُفْرط في حبه وحماسته تجاه تلك النهضة الإصلاحية، أو المفَرط الجاهل بحقيقة وقيمة نهضة الحسين (ع) الإنسانية، فكلاهما في واقع الأمر مشوه لحقيقة تلك اللحظة التاريخية، ومعوق للقراءة الموضوعية لحدثها التاريخي وأخذ العبرة منه، الأمر الذي حثّ عليها النص القرآني (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) «لحشر:2».


التحديات ذاتها

من جانب آخر، نشدد ايضا على التحذير من أن تكون هذه القراءة التاريخية استجلابا للسلبي على واقع الأمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) «البقرة:134». فلكل لحظة تاريخية صُناعها، وأبطالها، كما أن لها معارضيها، فليس من مسؤوليتنا اليوم محاكمة الرموز التاريخية بقدر ما مسؤوليتنا تنحصر في الاستفادة من دروس التاريخ وعبره وأخذ القيم والأفكار الصالحة منها، فالتاريخ مَصدر من مصادر الوعي الإنساني، يحمل بطيات كتبه ما هو قابل للأخذ والتجلي على أرض الواقع، وأيضا يحوي الكثير من الأحداث والمواقف التي فقدت فاعليتها القيمية والحضارية... فهل الأمة قادرة على التحرر من هذه الأحداث والمواقف الفاقدة لفاعليتها الحضارية؟ سؤال نتركه للذاكرة.

كما من غير المعقول اليوم تحميل أي طرف أو جهة، وزر وتبعات الخلافات الماضية بين الأسلاف، فإننا، كمسلمين، نواجه في الوقت الراهن التحديات ذاتها ونعيش وضعا مأساويا مشتركا من التخلف والتبعية وضعف المنجز الحضاري، وسيطرة الأوهام والخرافات، واستلاب لهويتنا الحضارية، وضياع لقيمة انساننا في متاهات الاستهلاك على اختلاف انماطه وتلاوينه وبالتالي فاننا عاجزون عن إحداث اي تغيير ايجابي... حتى الآن.


مراهنات البعض

لذا لابد من أن نخط حاضرنا ومستقبلنا بأناملنا، وأن تكون علاقتنا مع الحدث التاريخي مبنية على أساس ومنهج علمي من دون أن يتغلغل ويستبد الحدث التاريخي على حاضرنا ومستقبلنا، ومن دون السماح لمعاول الماضي بهدم الحاضر ومنجزاته، وزرع الأحقاد والفتن والاحتقانات المذهبية والطائفية في المجتمع الواحد.

وإن كان من رسالة نستلهمها من عاشوراء اليوم، فهي رسالة الإصلاح لواقع هذه الأمة ضد الجور والظلم بكل أشكاله ومصادره، فما أحوجنا إلى لحظة الوحدة والتقارب والعيش الخلاق فيما بين مكونات مجتمعنا الواحد.

وما يراهن عليه البعض من إذكاء للصراع والفتنة المذهبية الطائفية، أصبح واقعا او خطراً حقيقياً يهدد مصيرنا ووجودنا برمته.يجب ألا نكون جسراً لعبور مخططات وخرائط السيطرة والهيمنة للآخرين، وذلك بتعميم الفوضى السياسية والاجتماعية التي لا تخدم أياً من الفرقاء، وهي ليست لمصلحة دولنا ومؤسساتها، ولا لمجتمعنا ومكوناته وتطلعاته.


تحرير الذهنية الإسلامية

ختاماً إننا نتطلع في ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) الإصلاحية إلى تحرير الذهنية الإسلامية والوعي التاريخي من تشوهات الطائفية، والاحتقان المذهبي، والتعصب الأعمى، وحالة التوجس والطوارئ غير المعلنه تجاه بعضنا البعض، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان بضرورة التغيير، والحفاظ على تماسك ووحدة النسيج الإسلامي الداخلي، والأخذ بأسباب الاعتزاز والكرامة بالذات الحضارية، والتحرر من مصادر إذلال النفس الإنسانية، وتبني قيم الإخاء والتسامح والتعايش الاجتماعي الخلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك